القاعدة والقانون/ بيير ماشري ترجمة:
خاص ألف
2018-03-03
إنتاج الكاتب لا يصور نفسه بمصطلحات معرفية (وهذا ما سوف نتكلم عنه). ولكن دور الكاتب، بالمقابل، هو موضوع معرفة محددة. ويمكن لكليهما فك الارتباط المزعوم بينهما. وعليه، لو قبلنا أن الخطاب النقدي يأتي معه بالمستجدات العقلانية ويلقيها على خطاب الكاتب، يكون من واجبنا تحديد الهدف الحقيقي للنقد، وبالأخص أن ننفي عنه أي إضافة نقحمها على الأدب في موضع منه.
وهذا يفترض هدفا جديدا للنقد الأدبي: لن يكون من المناسب بعد الآن أن نحصره بوصف المنتوجات المنتهية، وتجهيزها لتكون موضع التداول ويمكن تناقلها واستهلاكها. ولكن علينا تأمل هذه المنتوجات، أن نشرحها ولا أن نصفها. وبالتخلي الحاسم عن كل الاتجاهات النقدية القديمة، تواجهنا مشكلة نقدية طارئة: ما هي قوانين الإنتاج الأدبي؟.
يمكن للمرء أن ينتبه للثمن المرتفع الذي عليه أن يدفعه لإعادة النقد الأدبي إلى فضاء العقل: يجب منحه موضوعا أو هدفا جديدا. وما لم يحقق النقد هذا التبدل، وإن لم ينفصل فعلا ونهائيا عن ماضيه، مكتوب عليه أن يكون امتدادا للذوق العام، ليبدو فنا عاديا وحسب. ولكن المعرفة العقلانية، كما لاحظنا، تهتم بإرساء القوانين (الكونية والضرورية ضمن حدود تفرضها ظروف تشكيلها). أما الفن، التجريبي والعملي وليس النظري(وهذه أول القواعد التي تحكم استخدام الواقع التجريبي المعطى) فيشكل القواعد العامة التي لها قيمة تقريبية أو عامة فقط.
ولذلك إن التعبير عن القاعدة العامة، والقواعد، برغم وظيفتها المحددة، لا توضح أية ضرورة حقيقية، والاستثناءات تؤكد القاعدة، ولكنها تنقلب على القانون وتعكسه. وكقاعدة عامة، لا يمكن للنقاد الذين تبنوا دور الذوق العملي أن يقعوا بالخطأ، ولكن في كل محاولة لتعريف الواقع المعتدل للذوق يقعون دائما في الخطأ لأن عملهم ليس عقلانيا ولا يعطي معرفة بالمعنى الدقيق للكلمة.
والقاعدة تضمن النشاط الطبيعي والتقريبي (وهما بمعنى واحد)، وهذا النشاط يمكن اعتباره متعارضا لأنه غير قادر على انتاج ضوابطه ومبرراته؛ ولذلك إنه يحصل على فحواه من مكان آخر. وفن النقد يمكن تمييزه من خلال موقفه المستعار، وضرورة استعمال المبادئ الخارجية والتي لا يمكنه تفسيرها أو شرحها.
ومن الواضح أن النقد الذي يعمل باتجاه نشاط له قاعدة يتعامل مع الأدب كأنه حامل، أو كأنه مجموعة من الموضوعات الخاصة بالاستهلاك. فهو ينظم ويسيطر على استعمال حقيقة معينة وهذه تعرض نفسها تجريبيا من أجل الاستحواذ على الانتباه. مثل هذا النقد يحل مشكلة وجوده الخاص من خلال استقطاب الطبيعة الغامضة التي تتحلى بها عمليات الخلق والتكوين، وهذا سبب آخر للامبالاة.
و ليس شيئا عابرا أن يفترض النقد قواعد الاستهلاك، ولكن من جهة ثانية المعرفة العميقة مطلوبة منذ البداية من أجل انتاج القوانين. ويجب أن نبدأ من فرضية أن القراءة والكتابة ليسا متعادلين وهما عمليتان عكوستان. ومن الأجدى أن نتحاشى الخلط بينهما.
وسابقا بينت مشكلة أساسية موجودة في أسلوب النقد التقليدي: فهو ينحو لينزلق في الخطأ الطبيعي الناجم عن التجريب، ويعامل العمل (و هو موضوع استثمار النقد) على أنه حقيقة معطاة، وفي نفس الوقت يمكن عزله للتأمل والتفحص. ولذلك العمل مخصص لتلقيه فقط، ووصفه، وإعادة تركيبه من خلال العملية النقدية.
ولأنه يعتمد بالكامل على موضوعه، يلزمنا الحكم النقدي لإنتاج ومحاكاة هدفه، من خلال متابعة خطوطه الواضحة. وهذه هي الإزاحة الوحيدة الممكنة التي يمكن لأي عمل تحقيقها: أن يتم استهلاكها، وأن يبتعد عن المجال الحامل وهو الكتاب ليصبح في عقول القراء. عقول لها اتجاهات مختلفة وحالات متباينة من الوضوح والجاهزية.
إن النظرة النقدية هي شكل هذا التواصل. ولكن لدينا مغالطة أخرى، وهي من الواضح مختلفة عن سابقتها، وحتى أنها تعارضها: وهي المغالطة التطبيعية.
معنى الحكم السلبي والايجابي
حينما تضع النقد في سياقه الواسع: يتطلب نشاطه تبديلا في هدفه. فالنقد، لو أنه لا يحقق تبدلا نشيطا وفعالا، يفرض على الأقل احتمالا بالتغيير، وربما أحيانا يشجع عليه. وخلف الموقف النقدي، توجد تأكيدات ضمنية ولكنها حاسمة. يمكن أن يكون ويجب أن يكون مختلفا. ولذلك للنقد جانبان سلبي وإيجابي، وفي الحالة المثالية إنه يهدم ما يستبدل النسخة المنقحة والمؤكدة للحقيقة الأولية. ومثل هذه الاستطرادات لا يهم أن تكون معبرة عن نموذج مثالي أو رغبة: إنه ليس من الممكن أنه يفضل الحقيقي، ولكن الحقيقي نفسه يعتبر أنه الشكل الممكن للظاهرة المعطاة في نفس اللحظة. ويمكن أن نتفق عموما، أن النقد يبدأ من نقطة الرغبة بتحقيق تبدل.
المصدر :
A theory of literary production, Pierre Macherey, Translated by Geoffrey wall, Routledge, London, 1978. Pp. 12-15.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |