هل يخذل المجتمع الدولي السوريين مجددًا؟
ماجد كيالي
2018-04-14
يمكن الحديث عن أشياء كثيرة افتقرت إليها ثورة السوريين، ومن ضمنها التنظيم والتفاعل الشعبي والإجماع الوطني على الرؤى السياسية والخيارات الكفاحية، كما يمكن الحديث عن أخطاء كثيرة للمعارضة التي تحكمت بمسار هذه الثورة، وطبعَتها بطابعها الضيق والتجريبي والعاطفي، مع التأكيد على أن كل ذلك أثّر بشكل كبير في صدقية هذه الثورة، وشوّه صورتها، وحمّلها وشعبها أكثر مما تحتمل، وأضعَف التعاطف في الرأي العام العربي والدولي معها، حتى في أوساط السوريين أنفسهم.
بَيد أن كل ما تقدّم لا يحجب حقيقةَ أن القوى الدولية والإقليمية تنكرت لهذه الثورة، كما تنكرت لعذابات السوريين، وتعاملت بلا مبالاة مع الأهوال التي مروا بها، خلال السنوات الماضية، في ماعدا البيانات والمناشدات والاجتماعات التي لم تجنب السوريين مزيدًا من القتال والدمار والتشريد، ولم تقلل من معاناتهم.
في البداية، قامت الدول “الصديقة”، أي التي اعتبرت نفسها صديقة للشعب السوري، بإبداء الاستعداد لتقديم دعم لا محدود للسوريين في ثورتهم على النظام، إذ طالما سمعنا عن “خطوط حمر” لا يمكن السماح للنظام بتجاوزها، هذا حصل من رئيس الولايات المتحدة، الدولة الأكبر والأقوى في العالم، ومن رئيس تركيا، الدولة الإقليمية الأكبر والأقوى في المنطقة، كما غيرهم من قادة العالم، كما سمعنا من الجميع أن النظام فقد شرعيته، وأن عليه أن يرحل. فوق كل ذلك، شهدنا تجميد عضوية النظام في جامعة الدول العربية، وإغلاق سفارات عدد من الدول الأجنبية، ناهيك عن تقديم الدعم المادي والسياسي والإعلامي، وحتى التشجيع على التحول نحو العسكرة، من كل هذه الدول.
غير أن كل تلك المعطيات تبخّرت تمامًا، فيما بعد، ولا سيّما بعد صفقة الكيمياوي (آب/ أغسطس 2013)، وكأنها لم تكن، إذ تراجعت الولايات المتحدة عمليًا، وليس لفظيًا، عن خطوطها الحمر، وفيما بعد تراجعت تركيا أيضًا. الأهم من ذلك أن الإدارة الأميركية، في عهد باراك أوباما، بدأت بالتراجع عن بيان (جنيف 1) 2012، لصالح التفسيرات والتلاعبات الروسية، ومن ضمنها تعويم مكانة الرئيس، وإفقاد الفقرة المتعلقة بإقامة “هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة”، من مضمونها، لصالح حكومة مشتركة من النظام والمعارضة، كما أنها تساهلت مع تدخل إيران العسكري (مع ميليشياتها) في الصراع السوري، ثم تساهلت إزاء التدخّل العسكري الروسي (منذ أواخر 2015)، إضافة إلى لا مبالاتها إزاء القصف بالصواريخ الارتجاجية والفراغية والبراميل المتفجرة، التي ظلت تهطل على السوريين في السنوات الماضية، وتمعن فيهم قتلًا وتدميرًا، أكثر بمئات المرات مما فعل القصف بالكيمياوي.
ثم إن الإدارة الأميركية، في عهد ترامب، سكتت عن تجويف مفاوضات جنيف، وعن اختراع روسيا (مع إيران وتركيا) لمسار تفاوضي آخر في أستانا (طوال عام 2017)، على الرغم من قيامها بقصف مطار الشعيرات، الذي انطلقت منه الطائرات التي قصفت خان شيخون بالكيمياوي، إلا أن تلك الضربة كانت محدودة، وغير مؤثرة، بدليل أن النظام استطاع، في العام الماضي، تحقيق مكاسب عديدة وتوسيع نطاق سيطرته، أكثر من أي عام مضى، بل إنه قام مؤخرًا بتكرار ضربة الكيمياوي، مستهدفًا هذه المرة مدينة دوما.
الآن، في خضمّ هذا التعقّد في الصراع السوري، واستشراس النظام في تحطيم السوريين، ووأد حقهم في التطلع للحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، إلى حد استخدام الكيمياوي مجددًا، بعد أن شعر بتطمينات بخصوص مصيره، تتجه الأنظار إلى المجتمع الدولي، وإلى الدول “الصديقة” للشعب السوري، وبخاصة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمعرفة ما الذي ستفعله إزاء هذا الوضع، بعد موجة التصريحات الساخنة التي أدلى بها رئيسها، وبعد الخطاب الصارم الذي ألقته المندوبة الأميركية، في جلسة مجلس الأمن الدولي التي خصصت لمناقشة ما حصل في دوما (9/ 4).
على أي حال، من دون مداعبة الأوهام مرة أخرى، فإن المطلوب بشكل أساس موقفٌ دولي حاسم بإنهاء الصراع السوري، لا التلاعب به، على ما جرى طوال الفترة الماضية، من قبل جميع الأطراف الدولية والإقليمية، مع تحميل الولايات المتحدة المسؤولية الأساسية عن ذلك.
في الواقع، ومع تفهّم العواطف وردّات الفعل الطبيعية، إزاء كل ما فعله النظام وحلفاؤه من توحّش ضد السوريين، فإن المطلوب ليس إطلاق الروح الثأرية، أو توجيه ضربة هنا أو هناك، قد لا يكون ثمة جدوى منها، على نحو ما جرى قبل عام في ضرب مطار الشعيرات، إذ إن المطلوب، أولًا، موقف دولي صارم يحظر تمامًا الهجمات الجوية بالصواريخ والبراميل المتفجرة، لا بالكيمياوي فقط. ثانيًا، موقف حاسم يقضي بإخراج القوات الأجنبية والميليشيات الطائفية الغريبة من سورية. ثالثًا، اعتماد بيان (جنيف 1) لحل الصراع السوري بإشراف دولي. رابعًا، موقف دولي بوقف القتال، وإنهاء حصار عشرات المناطق، وعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم وبيوتهم والإفراج عن المعتقلين.
هذا هو الموقف المطلوب من المجتمع الدولي، وهو يكفل وضع حد لمأساة السوريين، وإنهاء التلاعبات الدولية والإقليمية في مصير سورية وشعبها، ومن دون ذلك؛ سنبقى في الدوامة ذاتها وفي لعبة الصراع الدولي والإقليمي، وتحت رحمة نظام متوحّش لا يلوي على شيء سوى بقائه، مهما كان الثمن.
كان الله في عون السوريين.