قراءة في (صديقي العزيز كافكا) لفيليب تيرمان / ترجمة
صالح الرزوق
خاص ألف
2018-06-30
يشير تيرمان أن علاقته بكافكا بدأت من محاضرات ألقاها في براغ Prague ضمن ما يسمى بالأدب العالمي. و هو يعتقد أن هذا هو الباب الذي يمكن أن يمر منه.
فهو شاعر ينظر إلى الفن على أنه ذات. و لكنها ذات عامة. خصوصيتها تأتي من تلاقيها مع بنات أفكار تشترك فيها البشرية. و هذه هي النقطة التي تجمع و تفرق.
إنها تمايز بين الأساليب و الأدوات و تؤالف بين الأفكار و الأهداف.
و بما أن موت الإنسان خدعة فلسفية، لا مجال للإيمان بها، يعمل الشعر على ترميم الفراغات و العطب و اليأس و الندم و حتى أنه يفند مشكلة طلب المغفرة.
فالإنسان لا يمكن أن يخطئ لأنه يتصرف وفق دوافع و احتياجات. و الخطأ يكمن في طريقة توجيهنا لتلك الدوافع.
إن الأخطاء فكرة مزيفة باعتبار أنها تفترض أن الصواب فكرة مطلقة.
و لذلك لم يكن للقواعد وجود حقيقي إلا في ذهن العقل الذي يعمل على التبشير بها.
و من هذه النقطة تبدأ المقدمة.
فالشاعر فيليب تيرمان حسب ما ورد في المقدمة عبارة عن جملة من الأفكار التصوفية الغامضة و التي لا يمكنها أن تنتهي. بالعكس إنها غالبا ما تعمل على البحث عن مزيد من الغموض و التعقيدات التي تنتظرنا في منطقة مغلقة. هي منطقة الأسرار و الأحلام أيضا.
و بهذا المعنى تكون الأفكار العامة و المشتركة سرا يصعب الاعتراف به. مثلما هي الأحلام رغبات دفينة لا نستطيع التمكن من تحقيقها.
الحل؟..
سؤال لا يفكر به تيرمان و لكن يجيب عليه.
إنه يتحرك على أرض من محورين: الإيمان و هو نوع من القناعات التصوفية التي يسعنا التفكير بها. أو الشك فيها. و كلما أوغلنا بالإيمان زادت الرغبة في إلقاء مزيد من الشكوك. حتى لا تنتهي ذخيرتنا من القناعات أن الإنسان مشروع و أن محتواه قيد التحقيق.
المحور الثاني هو الطبيعة. و هي ليست سكنا أو مستقرا للشاعر و لكنها ضياع و فقدان. لأنها دائما خارجة عنه. و هو يحاول أن يعود إليها.
و ما لم يتحقق الاندماج. و يتحول الطرفان إلى جوهر واحد لن تنتهي رحلتنا نحو الوجود.
و يضيف الشاعر فيليب تيرمان من خلال القصائد المترجمة لغزا إشكاليا لهذه الحالة.
إنه يساوي بين المادة و المعنى. و يفصل العلاقة بين الإنسان و جسده.
فالجسد هو النور الذي يتشكل فيه الموضوع فقط.
يقول في قصيدة (في هذا الضوء الجسدي):
حتى العثور على مدينة
هي ليست لك، عالم من خبز و خطابات بليغة
فيه تختفي ثم تدان
بسبب الضوء القادم من مسافتك الجديدة. (ص ٣٥).
و يقول في قصيدة ( كتاب هو جسدها):
هذا الجمال لن يبقى في مكانه
و لكن انت تبحث عن إذن نهائي
لتشارك في الشيء مهما كان
وهو الذي يبدع لنا هذه اللحظة (ص٣٩).
إن أفكار تيرمان تحتاج لعقيدة خاصة لا ترتبط بحدود ثابتة . أو إيديولوجيات. و خلفها يمكننا أن نرى محتويات ما نسميه الجنس البشري أو الأنسان.
و أقوى مثال على ذلك قصيدته عن الشاعر الإيراني زوهراب سيبيهري الذي يقتبس منه. و في نفس الوقت يدعو نفسه للانفصال عنه.
فالأثر ليس هو الأصل. و المتلقي ليس هو النسخة. و لكنه المبدع الذي يعيد إلينا شخصية سيبيهري كما يراه.
سيبيهري البريء من حافظ و الشيرازي و المفقود في ثقافات أنغلو أمريكية تعيد إليه معناه أو جوهره.
و في رأس القائمة الحرية.
و بضوء هذا التفسير يكون الاغتراب نوعا من الأغلال الحرة. أنت حر في استعمال جسدك. و لكنك لست حرا في فرض معنى استخدامك له.
ولذلك أيضا يكون للعذاب معنى مختلف. إنه جزء من اكتشاف اعتباطية السعادة و محدوديتها.
وبهذا المعنى يقول في قصيدة ( أن تكون زوهراب سيبيهري):
كم يساوي عندك رطل السعادة؟
الحياة وردة وصلت بسلطتها إلى الأبدية.
دعنا نزرع شجرة على كل زاوية من خطاباتنا.
فأنا أحتاج للتوقف عن كتابة كلماتك يا زوهراب،
و إلا ستكون أشعاري بالضبط صورة عن قصائدك–
و قناعاتي، حتى في الترجمة،
سوف تودي بي للاعتقال، كما هو حالك الآن:
قلبي مترع بالنوستالجيا
لليعاسيب، ولصوت
الحب النقي الذي ينسلخ تقريبا عن جلده.
انظر كيف بسهولة أنسج سطورك بين سطوري–
حافظ، الرومي، الخيام: الأصول الفارسية،
ذهن يكتب بشكل مختلف، و كل ما أفعله هو الوقوع
بالحب مع براعمك و أزهارك،
و ليلتك التي يعصف بها مطر العشق. بعصبية،
يجب علي أن ألقي الكتاب جانبا، و أهب
كعاصفة متهورة، ثم أهدئ نفسي في هذا الجو الساجي –
في حضور قمر الصباح العائم، أفقد
نفسي وراء المقابر، و بين
الحقول التي حرثتها للتو، ثم هذا الجليد، و الضباب،
و قطرات الندى البراقة كالأحجار الكريمة، و أتساءل:
كم من إله يعيش في الجوار؟
كم من عصفور يغرد في قلبي؟
و كم من ربيع أقايض عليه بنفسي؟.(ص ٤١).
حتى الآن صدرت لفيليب تيرمان ست مجموعات شعرية و هي على التوالي:
الناجون (١٩٩٣) في المملكة المتحدة؛ بيت العبادات (١٩٩٨)، كتاب الأيام الصامدة (٢٠٠٤)، رجال دين يهود من هذا الجو(٢٠٠٧)، حديقة التوراة(٢٠١١)، آياتنا/ قصائد جديدة و مختارات (٢٠١٥) في الولايات المتحدة.
و يؤكد في تمهيده أنه متأثر بوالت ويتمان و زوهراب سيبيهري و يهودا أميخاي بشكل أساسي. و أنه لا يكتب غير قصيدة النثر الحديثة.
و قد أشرفت ثقافية جريدة العالم في بغداد و قد أشرفت ثقافية جريدة العالم في بغداد على هذا المشروع في كل خطواته، و نشرت الفصل الأول من الكتاب مع مختارات في أعداد متفرقة طوال عام ٢٠١٤.