السخاء/ قصة: أولغا زلبيربورغ تر جمة
صالح الرزوق
خاص ألف
2018-07-07
كان الكاتبان الروسيان شابين - يمكن أن تقول تحت الأربعين- ولكن خلال شهر من التجوال في أرجاء الولايات المتحدة، أصبحا ثقيلينوبطيئي الحركة. وأول سبعة أيام لم يتوقفوا عن الإجابة على تساؤلات مثل: ماذا تمثل الكتابة الروسية الجديدة للقراء الأمريكيين؟. وهل تعتقدان أنكما تواصلان تقاليد الرواية الروسية العظيمة؟. تمرن الكاتبان على الرد بتمهل مع تطعيم إنكليزيتهما المتواضعة بكلمات روسية يتخللها لكنة فرنسية.
ثم غادر الكاتبان القاعة بقوامهما الثقيل، وقدم المضيفون لهما الطعام مع الإعتذار لأن الميزانية مضغوطة والتعويضات منخفضة. خلّف الكاتبان الأطباق نظيفة بعد كل وجبة. وفي العاشرة مساء، قادهما المضيف إلى "رامادا" أو "فندق الاستراحة". وارتدى فكتور السروال الرياضي القصير من أجل الجري لحوالي ساعة، وكان في معظم الأمسيات، باعتبار أنه من مدينة موسكو الصاخبة، ينتابه الخوف، من هذه الطرقات المعتمة ومن الأبنية التي تراكمت بجوار بعضها بعضا. كانت تبدو مهجورة وتحتلها اليعاسيب والغزلان فقط. أما ميخا، وهو ابن أستاذ محكوم عليه بالنفي إلى سيبريا، فكان يعتقد أن الراحة هي شكل من أشكال النشاط، ولذلك ذهب إلى غرفته، وحاول أن يعمل على روايته الجديدة. ولكن، بعد يوم كامل من الكلام بالإنكليزية، لم يتوصل إلا إلى عبارات قليلة روتينية. وكان علاج القلق المفضل لديه هو البوربون، فوضع أمامه زجاجة، كي يتقاسمها مع فيكتور حالما يعود من الجري، ويقرع باب غرفته.
شعر الإثنان بعد أن جمعتهما الصدفة في هذا البلد الغربب كأنهما أخ فقد أخته. وفي نور كومبيوتر ميخا تبادلا الاعتراف عن أقذر وأحط أنواع الذنوب التي ارتكباها. الجنس أولا كالعادة، ثم أخطاء مهنية تراكمت خلال هذا الشهر. كان فكتور يكسب قوته من عمله كناقد في موسكو، واعترف أنه قبل النقود لكتابة مراجعات أدبية عن كتب لم يؤمنبها. وليحمي سمعته، كان يتحاشى الكتاب الذين قبل منهم الرشوة. أما ميخا فقد عقد صفقات مسمومة. واختار لواحدة من رواياته مشاهد في منطقة لإنتاج النفط في ساخالين، وصورها نظيفةوهادئة. وفي رواية أخرى صمم شخصية تعشق نوعا خاصا من الفودكا. ثم أقر بالشائعات حول استغلاله "لجهود" آخرين كي ينهي رواياته. قال له فكتور:" لكن أصبح لك اسم مشهور. وفرضت عليك الشركات أن تجدد ما لديك كل ستة شهور حتى لا ينساك الناس".
أخذ ميخا رشفة من البوربون وقال:"هل هذا فقط حال الكتابة الجديدة في روسيا؟ لكل شيء ثمن معلوم. أخشى أنه يوجد الأسوأ".
قال فكتور وهو يسعل سعالا مخنوقا:"العمل بالكتابة مثل أي عمل غيره. يوجد طلب، وعليك أن تستجيب له بأفضل إمكانياتك. وأحياناترغب بكل صدق بالكتابة عن أشياء تافهة كما هي. أليس كذلك؟".
-"آه. يبدو أن قلبك أصبح رقيقا في أمريكا؟. هل تفكر بحركة تمثيلية فتلطم صدرك في لقاء تلفزيزني أمام الناس؟ طبعا هذا سيرفع من مستوى شهرتك".
-"ولكن أين مضمون الأدب؟ أين الفن الحقيقي؟ هل تؤمن بوجوده؟".
رسم فكتور على شفتيه ابتسامة باردة، مثل قطة ابتلعت للتو فأرا صغيرا، وقال:" لا بد أن من يتكلم هنا هو تربيتك المحلية. أرى أن سولجنتسين وباسترناك لا يشذان عنك. والمسألة هي في أن تكون بمكانك الصحيح في الوقت المناسب. وقد تحقق لك ذلك في هذه اللحظات. اجمع أطراف شجاعتك لتجني ثمار نجاحك، ولتغتنمالفرصة كرجل جسور".
-"إذا كنت تؤمن بذلك، كيف يمكنك أن تستمر؟. لماذا تستيقظ في الصباح أصلا ؟".
قال فكتور وهو يحاول أن ينهض من الكرسي:" سؤال من هذا النوع يعني أن الليل يقترب". ولكن وجد صعوبة في النهوض دفعة واحدة بسبب الكحول والوزن الزائد.
*
بعد ثلاثة شهور من جولتهما في أنحاء الولايات المتحدة، نشر ميخا رواية، وهي عبارة عن قصة عاطفية تدور أحداثها في مكان العمل، داخل بلدة غنية بمناجم الفحم الحجري في الأورال. وكانت نسخة مشابهة جدا لروايته السابقة، مع حبكة جديدة عن مدير محلي مثالي يرفض تقاضي الرشاوي فتندلع حرب بين شركتي فحم.
وسريعا نشر فكتور عرضا لها في صحيفة موسكوفية شهيرة، وكال لها المديح، ولا سيما بخصوص الصورة التي رسمها لروسيا وهي تحاولقيادة الاقتصاد العالمي.
وأشار فكتور أنها ليست مصادفة أن المؤلف كتب روايته وهو يتجول في الولايات المتحدة، حيث الرشوة بمثابة شر أو خطيئة. مع أن الأمريكي لديه ما يكفيه، ويخاف أن يغادر بيته الأنيق إلى العالم الخارجي، ويعتقد أنه بمقدوره أن يفرض قوانينه على الآخرين. ولكن الحقيقة معقدة أكثر من ذلك. ويضيف فكتور إن هذا المدير المحلي الروسي أصبح عدوا للشعب. فالرشوة لدينا تراث ثقافي تهتدي بهاالمشاعر الأخوية العميقة وتضمن الطاعة للرؤساء. وأشار لتصوير ميخا لأبناء بلده، الذين يشقون طريقهم نحو السيطرة على العالم دون أن يفقدوا طبيعتهم الإنسانية.
أولغا زلبيربورغ Olga Zilberbourg: كاتبة أمريكية من أصل روسي. تنشر باللغتين الإنكليزية والروسية. وهذه القصة منشورة في مجلة ميوزيوم أوف أميريكا (المتحف الأمريكي). عدد14, 2018.
ترجمة: صالح الرزوق