بشار حافظ إيلي كوهين الأسد
أحمد بغدادي
2018-07-28
في مهمّة مخابراتية أوكلها جهاز الموساد الصهيوني للجاسوس الإسرائيلي “إيلي كوهين” داخل سورية، والمعروف باسمه المستعار “كامل أمين ثابت”، انطلق خلالها الأخير من إيطاليا عبر باخرة في ميناء جنوة، ليصل إلى بيروت بتاريخ 8/1/1962 وتبدأ مهمّته في دمشق بتاريخ 1962/1/10 بعد أن تجاوز الحدود اللبنانية بمساعدة عميل حلف الناتو والمخابرات الأمريكية C.I.A السوري”ماجد شيخ الأرض”؛ تهافتَ الجميع آنذاك من أصحاب المراكز العليا، في الدولة السورية، إلى لصق التهم الجاهزة بالرئيس السوري “أمين الحافظ”، على أنه المسؤول الأول عن اختراق كوهين لبنية الدولة السورية، وخاصةً المؤسسات الحسّاسة في هيئة الأركان وغيرها من نقاط قوى تمثل عصب الدولة.
حيثيات القضية لم تكن بهذه السهولة، لتبنى عليها أقاويل وتهم أدّت إلى تجريم _الحافظ_ أخلاقياً وجعله المسؤول الأول عن هذه الفجوة التاريخية في عهد سورية. نعم، أمين الحافظ يتحمّل جزءاً من المسؤولية بعد تغلغل كوهين بمفاصل الدولة، وهي مسؤولية إهمال، وكما هو معروف، كانت له صلة بالجاسوس الإسرائيلي في الأرجنتين، لم يعرف وقتها الحافظ “كامل أمين ثابت” إلا من قبل أصدقاء وأقارب على أنه تاجر سوري مهاجر، يريد العودة إلى وطنه بعد سنين طوال؛ سوري يقتله الحنين لبلده وشعبه.
لم تكن خطورة كوهين وعمالته القذرة بنظر السوريين، أقلّ خطورةً وقذارة عن حافظ الأسد. ففي رسالة _ تقرير مخابراتي_ أرسلها كوهين إلى قيادته في “تل أبيب” يفنّد خلالها طبيعة المدعو حافظ الأسد من كافة الجوانب، أي أنه وجد في هذه الشخصية كل الميزات المناسبة للاستفادة منه في سورية؛ وكان نص التقرير كالتالي:
(لاحظت، من خلال علاقاتي الواسعة مع كبار القادة العسكريين، أنهم عندما يكون حافظ الأسد موجوداً في الدعوات التي أقيمها عندي، كان أكثرهم يتذمّر من وجوده، وبعد استفساري من بعض الضباط عن سبب تذمرهم ،كانوا يقولون لي بأنه انتهازي ودنيء، فانشد انتباهي إليه وربطت إنتهازيته، حين كان يطلب مني الهدايا، وكنت ألبيه وأشتري له الهدايا. وأيضا عرفت أنه دنيء لأنه كان يأخذ من الطعام، الذي كنت أقدمه للمدعوين، ويرسله بعد انتهاء العشاء، مع الخدم إلى سيارته. وتكرر هذا بكل دعوة. يرجى الإطلاع، والتوجيه).
كل المعطيات السابقة، سياسياً واقتصادياً، في عهد الطاغية حافظ الأسد، حتى توريث ابنه بشار الحكم، تشير إلى رضا تام من قبل أمريكا وإسرائيل عن سياسة هذا النظام القاتل والفاسد؛ أولاً، مفاوضاته الخلّبية مع إسرائيل فيما يخص استعادة الجولان، أو حتى عقد اتفاقية سلام بين الطرفين، كانت تقلق الأسد الأب، وهو يعرف مسبقاً، أن مثل هذي الخطوة الحقيقيّة ستفضي إلى هامش حرية في الداخل السوري، أي أن ذريعة المقاومة واستغلال الشعب ونهب مقدراته من نفط وغير ذلك، سوف تذهب إلى الأبد. إضافةً إلى ذلك، قد اختبر حافظ الأسد الإسرائيلين والأمريكان، وهم اختبروه، وعرف جيداً أنهم يفضلون وجوده في سدّة الحكم، على وجود شخص آخر لديه طموح حتى لو كان ضئيلاً نحو استعادة هضبة الجولان، أو مقارعة إسرائيل والمطالبة بحقوق السوريين والفلسطنيين.
ثانياً، ابتداءً من حرب تشرين _التحريكية_ كما يراها أغلب المحلّلين السياسيين وبتنا نعرفها نحن كشعب سوري، كان موقع الأسد مخزياً أمام توافد بعض الجيوش العربية، وخاصةً التجريدة المغربية المؤلفة من 6 آلاف مقاتل _ لواء دبابات _ التي تركها الأسد لمصيرها في الجبهة، تواجه نيران الصهاينة بعد أن حرّرت جبل الشيخ، لولا تدخّل القوى الجوية العراقية كي تأمّن خروجهم؛ إذ إن الأسد أمر بانسحاب قطعات الجيش السوري هناك، ومنع الغطاء الجوي عن المغاربة، ليُقتل من يقتل، وينسحب الباقي بعد تدخّل الجيش العراقي لإنقاذهم.
نرى أنّ هذه القذارة التي يمتلكها حافظ الأسد، فعلاً لا تقلّ عن قذارة أي عميل وجاسوس في العالم تفضي مهامه إلى قتل الأبرياء وزعزعة أمن المجتمعات.
ثالثاً، في منتصف عام 1965 اختفى اللواء حافظ الأسد بعيداً عن زملائه لمدة ثلاثة أيام في لندن، ضمن رحلة سرّية يقال إنها كانت من أجل توقيع صفقة سلاح جديدة، لتسليح الدفاعات السورية بمضادات نوعية غير مضادات الاتحاد السوفييتي. وما يشاع أيضاً، أن الأسد ذهب إلى بريطانيا من أجل العلاج، وكان باستقباله في المطار وزير الدفاع البريطاني وقتها. هذه الأيام الثلاثة _ في تل أبيب_ كما يعتقد أغلب المقربين من الأسد آنذاك، وخاصةً ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي الذي اتهمه بالخيانة والعمالة، كانت كفيلة بمستقبل هذا الضابط ليكون رئيساً لسورية بعد انقلابه المنسوج خارجياً، الذي أسماه بالحركة التصحيحية.
فهل من المعقول، أن تترك إسرائيل وأمريكا هذا الكنز الثمين؟ _ الأسد الأب _ في منطقة تعدّ لهما من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، من حيث الثروات الباطنية، إضافةً إلى التحكّم بقرارات بعض الدول العربية عن طريق هذا العميل الفذّ، كما فعلَ مع الفلسطينيين لاحقاً في الأردن “مجازر أيلول الأسود 1970. ومجازر تل الزعتر في لبنان 1976”.
ما ورثه الطاغية الصغير “بشار الأسد” عن أبيه، في سورية، معقّدٌ جداً إلى أبعد ما نتصوّر، وهنا نقصد نظام الحُكم “آل الأسد”.
هذا النظام الذي سارعت “مادلين أولبرايت” وزيرة الخارجية الأمريكية إلى تثبيته في عام 2000 بعد أن نفقَ الأسد الأب، ليس نظاماً عادياً فحسب، مثل النظام التونسي والمصري اللذين خرجا من لعبة العمالة الصهيونية بوقتٍ قصير في عاصفة الربيع العربي؛ نحن نتحدّث عن نظام مافيوي عالمي، عن ملفات وأجندات تاريخية ومصالح مشتركة وعروض وصفقات سياسية وعسكرية، واغتيالات و… إلخ؛ عن نظام يسعى كلُ من في الكرة الأرضية _أصحاب القرار _ إلى تعزيزه وإعادةِ بنائه وتعويمه من جديد، بعد أن واجهته المدنُ السورية في عام 2011 بالانتفاضة العارمة، التي طالبته بالرحيل والحرية.. وهذا ما لم يستسغه أسياده في “تل أبيب”، إضافةً إلى القوة العالمية الكبرى ــ أمريكا.
فإن ما فعله “كوهين _ كامل أمين ثابت” لمصلحة إسرائيل وخدمةً لأسياده في تل أبيب، وما فعله الجاسوس الإسرائيلي “باروخ مزراحي” في اليمن ومصر، وغيرهم من جواسيس صهاينة في الوطن العربي، يعدّ جزءاً بسيطاً مما قدّمه حافظ الأسد من خدمات للصهاينة والأمريكان !
وها هو (طبيب العيون) بشار الأسد، يحذو حذو أبيهِ منذ عام 2000، وصولاً إلى معركة الجنوب السوري التي حسمها الروس والإسرائيليون ضد أبناء درعا والقنيطرة. ولمّا يزل يدمّر مع أسياده كل من يطالب بحريته واستقلاله عن نظام الذل والعمالة التاريخية.