للنظام السوري روايته عن خاشقجي…
راشد عيسى
2018-10-20
“اللهم لا شماتة”. في كل مرة تسمع هذه العبارة، عليك أن تتوقع أن كل كلام يليها هو نوع من الشماتة.
هكذا يمكن النظر إلى تعليق عمرو أديب في برنامجه على قناة “أم بي سي مصر” بخصوص اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي. شماتة، وأكثر.
“لست شامتاً”، يقول أديب، مستدركاً “رغم كل اللي عمله، ورغم كل المسبات علينا كإعلاميين وبالاسم”. لكن، على ما يبدو، ليس هذا السبب الشخصي هو الوحيد الذي يجعل أديب يظهر شماتته، فيكفي ظهوره على الـ “أم بي سي” كي يكون الأمر مفهوماً.
هذا ما يفسر لومه، بل وسخريته من الصحافيين الذين تضامنوا مع خاشقجي، رافعين صوره ومطالبين بمصيره، مشيراً خصوصاً إلى اليمنية الحائزة على “نوبل للسلام” توكل كرمان: “انظروا، تبكي وكأنه أبوها”.
أسهل حجة يمكن الإتيان بها في مثل المواقف هي أن تقول “لماذا تضامنَ هؤلاء مع الخاشقجي ولم يتضامنوا مع معتقلين في السجون التركية”.
مع كل حادثة، مع كل اغتيال، مع كل مجزرة جديدة، سينهض هذا المنطق صارخاً، متأكداً أن الحق إلى جانبه. تقول له إننا أمام طفل ذبيح على يد الأسد، يقول لك وماذا عن أطفال غزة. من قال إنه حين تبكي طفلاً هنا يعني أنك مع ذبح طفل هناك، ومن قال إنك إن تضامنت مع الخاشقجي يعني أنك مع اعتقال صحفي في تركيا، عداك عن أن جريمة إخفاء الصحفي السعودي المعارض (مع ما يعنيه ذلك من احتمالات من بينها القتل، كما تقول تقارير صحفية عديدة) لا يشبهها اعتقال صحفيين من جهة معلومة في مكان معلوم.
على أية حال من يحاجج على هذا النحو لن تكون الحقيقة مقصده، بل مجرد التشويش وإثارة الغبار لمزيد من التعمية.
لا بدّ أنكم تذكرون ذلك الفيديو الذي ظهر فيه عمرو أديب وهو يوقع عقد العمل مع هذه القناة السعودية، معظم التعليقات استنكر حينها ظهوره كسلعة تباع وتشرى. في الواقع، عندما تشاهد هكذا تعليق تعرف جيداً كيف يشترى الناس، وما هو الثمن الذي عليهم دفعه.
العائلة كرهائن
العنوان الأكثر قراءة على موقع “العربية” الالكتروني أمس هو “عائلة خاشقجي: نثق بحكومتنا ولتصمت الأبواق المسعورة”. وفيه تصريحات منقولة عن بعض أقطاب عائلة جمال خاشقجي تتحدث عن تسييس للقضية، أو أجندات مشبوهة، إلى جانب التأكيد في أكثر من موقع وخبر على إنكار العائلة معرفتها بخطيبة الرجل، التي رافقته إلى باب القنصلية السعودية في استانبول، على أساس أن الشك بوجود خطيبة يمكن أن يثير الشك حول القضية برمتها!
تظن “العربية”، والإعلام السعودي عموماً، أنها تأتي بشهادات ووثائق دامغة حين تستنجد بأقوال وتصريحات العائلة، لكن هذا السلوك معروف تماماً، ويكاد يكون لازمة في كل الجرائم المماثلة، عندما تستخدم الأنظمة المجرمة هؤلاء الرهائن، الذين لا حول لهم ولا قوة.
شهادات العائلة لن تنجد السعودية من ورطتها، وبالعكس، إنها من نوع “يكاد المريب يقول خذوني”، إذ تثبت أنه لم يعد في جعبة المجرم من حجج سوى طرق الضغط الرخيصة.
إعلام النظام السوري
الإعلام السوري وقع على كنز ثمين في قضية اختفاء خاشقجي، ففيها إدانة لمجموعة من الأطراف المعادية بالجملة. يبدو أنه اعتمد رواية نسبها إلى معارض سعودي تقول إن الرجل خدّر وجرى تهريبه من مطار استانبول بطرد دبلوماسي ومرّ ببلد ترانزيت هو لبنان، قبل أن يقتل.
إعلام النظام السوري ليس محرجاً البتة في قضية الاختفاء هذه، ولا في سرد تلك التفاصيل الدموية. إن ظن أحد أن عليه أن يخجل من أرشيفه الضخم في الإخفاء القسري والخطف والاعتقال والقتل تحت التعذيب والاغتيال، فهو مخطئ، ذلك لا يحرجه بقدر ما يحصّنه تماماً من أي إحساس بالخجل أو العار.
شيطان التفاصيل
الإعلاميون الممانعون، خصوصاً من اللبنانيين، سيجدون أبواباً أخرى للقضية، سيصل التذاكي (على تويتر مثلاً)، والسخرية إلى حدّ التساؤل عن الورقة التي كان خاشقجي ينوي استصدارها من سفارة بلاده، وفي ما سيستعملها! هل في زواج عادي أم مدني؟ وصولاً إلى الحديث عن عدة زوجات للصحفي السعودي.. واضح أن كل تلك الأسئلة لم تطرح على سبيل حلّ لغز الاختفاء، بل لمزيد من التهكم، ما دام الضحية نفسه عدو هو الآخر، ومن أبرز المؤمنين بالثورة السورية وعدالتها. بالنسبة لهؤلاء الإعلاميين “كل الآخرين أعداء”، ولا يصح بالنسبة لهم تناول القضية إلا من باب “فخار يكسر بعضه”!
كاتب فلسطيني سوري