الثَوْر محللاً استراتيجياً
خطيب بدلة
2018-11-24
عاد صديقي المهندس ماهر حميد من الهند محملاً بأفكار جديدة عن عالمي السياسة والبقر. ابتعادُه عن مواقع التواصل الاجتماعي، ثلاثة شهور، سبّب له نوعاً من الجوع العتيق الذي يبلغ حدود النهم لمعرفة الأحداث التي جرت في غيابه، وأهمها:
أولاً- انتصار ابن حافظ الأسد على الشعب السوري بمساندةٍ من الإخوة في إيران العجم، وحزب الله، والرفيق بوعلي بوتين.
ثانياً- فرح الرفاق المنحبكجيين بوجود رَسَّامة ألمانية تجيد الرسم الطلائعي، وتمتلك ما يكفي من المهارة لرسم صورةٍ نصفيةٍ لحافظ الأسد وتحته تركتور زراعي، وقطيع من البقر، بالإضافة إلى عنفات سد الفرات العظيم، وصورة جانبية لوجهٍ غير واضح، يُرَجَّحُ أنه للرفيق صابر فلحوط، وهذه الرسّامة الألمانية قادرة، في الوقت نفسه، على رسم نقوشٍ جميلةٍ على أبواب حجاج بيت الله الحرام.
ثالثاً- نجاة جبهة النصرة من العقاب الروسي في محافظة إدلب، وتَمَكُّنُها من قطع دابر الفكر العلماني الإلحادي، المتمثل باعتقال سامر السلوم وياسر السليم وغياث خربوط.
باشر ماهر، فور وصوله إلى بيته، باستعراض موقع اليوتيوب، وعكف على مشاهدة اللقاءات التلفزيونية التي تتحدّث عن الاجتماعات السرّية بين الرؤساء، وماذا قال الرئيس فلان للرئيس علان، وكيف رد عليه علان.. يليه الاستماع إلى آراء محللين استراتيجيين، يبينون مدى انعكاس حوار الرئيسين فلان وعلان على الساحتين العربية والدولية، وكيف ستتغيّر الأحداث في المدى المنظور، حيث سترتفع الفوائد البنكية بحوالي نصف نقطة، وهذا سيجعل أسعار الباذنجان في شرق المتوسط تنهار.. ومن هذا التحليل، استنتج ماهر أنه قد أصبحت لدينا، نحن أهل شرق المتوسط، فرصةً لشراء باذنجان أصلي بدلاً من ذاك الباذنجان المغشوش الذي ضبطته دوريةٌ من وزارة التموين التابعة لجيشنا الباسل، والحقيقة أن الرفيق رئيس الدورية هو الذي اكتشف المخالفة بذكائه الاستراتيجي، إذ أخرج "الموس الكبّاس" من جيبه، وفتح ثغرة في إحدى الباذنجانات، وأدخل لسانه فيها، وإذا به يكشّ ويقول للبائع: باذنجان مر يا ابن الفاعلة! أهذا جزاء شعبنا المعطاء أن تطعموه، في آخر الزمان، باذنجاناً مرّاً.. تباً لكم.
وكان رئيس الدورية قد اتفق مع رجال الضابطة العدلية أن يهبّوا لاعتقال البائع، بمجرّد ما يلفظ هو كلمة (تباً)، فنفذوا الأمر بدقّةٍ. وفي اليوم التالي، صدر قرار وزاري يقضي بوقف استيراد الباذنجان من بلدة تادف، والاستعاضة عنه باستيراد أبقار وثيران من هولندا. ولتلافي عملية الاختلاط، أصدر مدير المباقر أمراً يقضي بوضع البقرات المستوردات حديثاً مع البقرات القديمات، وكذلك الحال بالنسبة للثيران، وأن يُقام بين الجنسين سورٌ حجريٌّ كتيم ارتفاعُه متران، وهذا كله تمام، ولكن واحداً من الثيران المستوردة وضع عينه على بقرة قديمة، وأراد أن يذهب إليها ويبثّها أشواقه، ولكن السور الحقير حال بينه وبينها، ونصحه الثيران الآخرون بألا يجرّب القفز فوق السور أو نطحه بقرنيه، فهذه العملية ستبوء بالفشل حتماً.. واستمرّ الأخذ والرد بينه وبين أبناء جنسه إلى أن قال أحدهم: خطرت لي فكرةٌ يمكن أن تفيدك. في المزرعة خبيرٌ استراتيجيٌّ مختصٌّ بـ"خصي العجول"، اذهب إليه واستشره، لعله يفيدُك بما يثلج صدرك.
ذهب الثور الفتى، من توّه، إلى الخبير، وعرض عليه مشكلته بالتفصيل الممل، فقال الخبير:
- بما أن ارتفاع السور الحجري متران، فهذا يتطلب أن ترجع إلى الوراء، وتركض باتجاه السور بسرعة ثلاثين كيلومتراً في الساعة، وتزيد سرعتك في الأمتار العشرة الأخيرة، وتقفز بزاويةٍ مقدارها سبع وعشرون درجة ونصف. وبهذا تتجاوز السور وتصير عند حبيبة القلب.
فكّر الثور ملياً، ثم قال للخبير: افرض أن التجربة فشلت. وفي هذه الحالة، يمكن أن أفقد أعضائي التناسلية، وأتحول إلى ثور عنِّين وعقيم.
ضحك الخبير، وقال: عظيم، فوقتها تتخلص من ثوريتك، وتتحول إلى محلل استراتيجي، مثلي.