نشر الكاتب محمد حبش مقالًا في شبكة (جيرون) الإعلامية، بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018، تحت عنوان (في حوارات جنيف كلكم يبكي… فمن سرق المصحف؟) تناول فيه الجولة الثالثة من حوارات السوريين في جنيف، التي ترعاها منظمة (بروغليف) الألمانية، و(مجلس الكنائس العالمي) تحت عنوان: (مجموعة السلام الشامل والمستدام في سورية)، بحضور مجموعة من السوريين (لا نعلم من هم ومن يُمثّلون)، إضافة إلى ممثلين عن روسيا وإيران وتركيا والأردن!
يخلص مقال حبش إلى أن جميع المشاركين، دولًا وأفرادًا، يسعون إلى سورية موحدة يعمها الأمن والسلام، بل إن أوراقهم جميعًا باتت متشابهة إلى حد بعيد، لكن لا يوجد نتيجة لهذه الاجتماعات، وليس ثمة ما يُشير إلى ذلك التوافق على الأرض، وهذا ما يُثير استغراب حبش، وصولًا إلى ذكره موعظة مالك بن دينار التي أبكى الناس فيها حين همّ بالخروج، ثم اكتشف أن مصحفه قد سُرق، فقال قولته المشهورة: “كلكم يبكي فمن سرق المصحف؟”.
حقيقة، لا أعلم السبب الذي دفع كاتب المقال إلى أن يتناول الأمر بهذه السطحية، ليصل إلى استنتاج أن سارق المصحف مجهول الهوية! والغريب أكثر أن يطرح سؤاله، في حين كنّا ننتظر منه الإجابة! إلا إذا كان لم يصل إلى إجابة بعد ثمان سنوات من الدماء. وفي هذا الرد سأحاول أن أساعد كاتب المقال في العثور على “مَن سرق المصحف”.
من سرق المصحف هم أشخاص وجهات كُثر، لكن (مالك صاحب المصحف) كان متآمرًا على سرقته في وضع سورية اليوم، فمثلًا اجتماع مثل اجتماع جنيف موضوع المقال، قد يكون مناسبًا في العام 2011، ولكن ليس بعد ذلك، وعلى الأقل ليس بعد القرار 2254، ذلك القرار الأممي الذي لم يرَ النور منذ ثلاث سنوات، بل تآمر السوريون عليه عبر تفريغه من محتواه في أستانا وسوتشي وجنيف، حيث كان كاتب المقال مشاركًا ومساهمًا في هذه الفعاليات التي ساعدت في الالتفاف على القرار الأممي اليتيم، الذي قد يحفظ بعضًا من حقوق السوريين، وكي نكون أكثر وضوحًا وشفافية، نقول بأن كلّ من حضر اجتماعًا، رسميًا أو غير رسمي، لا يتّخذ القرار الأممي قاعدة للنقاش، كان شريكًا في سرقة المصحف بشكل مباشر ومتعمد، إذ إنه من غير المقبول اليوم أن نصف تصرّف الأكاديميين ورجال النخب والثقافة بحسن النية، فحُسن النية يكون عذرًا مقبولًا حين تكون المسائل يكتنفها الغموض، وفي الحالة السورية لا شيء غامضًا على الإطلاق.
كان حريًا بالمجتمعين في جنيف أن يُوجّهوا سؤالهم إلى الجهة الإيرانية: ماذا يفعل قاسم سليماني وميليشياته في سورية؟ ومطالبة الجهة الروسية والإيرانية بالالتزام بالقرارات الدولية، وليس مساعدتهم في الالتفاف عليها بحضورهم الأكاديمي الوديع والهادئ، واستمتاعهم بهدوء الريف السويسري.
ربما نسي حبش أن بعضًا ممن سرقوا المصحف كانوا قد زاروا بيروت يومًا، وعقدوا الاجتماعات مع الوزير السوري علي حيدر، من أجل التآمر على إعادة اللاجئين من لبنان بضمانات يعلمون أنها وهمية، فلا ماء ولا كهرباء ولا طبابة ولا عمل ولا دخل اقتصادي للمهجّرين العائدين، ومع ذلك ساهم بعض من سرقوا المصحف علنًا في هذه المؤامرة التي كانت برعاية (حزب الله)، ولاحقًا عاد بعض المساكين إلى سورية، فكان مصيرهم الاعتقال والاختفاء، ولا يزال البعض يتحدث برصانته المعهودة عن الريف السويسري مستغربًا أن تتم سرقة المصحف.
بطبيعة الحال، لسنا ضد أي شخصية سورية سياسية أو أكاديمية أو دينية، أن تحضر أي اجتماع على الإطلاق، بشرط واحد هو الانطلاق في أي نقاش من القرارات الدولية ذات الصلة، وذلك من باب توحيد الجهود، بدلًا عن شرذمتها على مسارات مختلفة.
ولكي يكون الأمر أكثر وضوحًا وبعيدًا عن الشخصنة في مسألة عامة، فنحن لا نقف خلف جهة أو هيئة أو اجتماع، ولا نمنح ثقتنا لأي طرف، بناءً على أهواء شخصية أو أيديولوجية، ففي المحصلة نحن نتمسك بالقرارات الدولية التي نرى فيها الأمل الوحيد والأخير للسوريين -كل السوريين- وأن ابتعادنا عن هذه القرارات هو تآمر على سرقة المصحف.
يجب على كل السوريين الشرفاء والمهتمين فعلًا بالوصول إلى حلّ للكارثة السورية، التوقف عن سياحة المؤتمرات والندوات والاجتماعات، فالقوة العسكرية الروسية الغاشمة وميليشيات إيران المجرمة لا تفهم بالنوايا الحسنه والخطابات الأكاديمية المغلّفة بالنوايا الطيبة والحسنة، بل بالقرار الدولية الحاسمة التي تضع النقاط على الحروف