تشكل الجزيرة السورية قرابة ثلث مساحة سورية، أي ما يفوق ست مراتٍ مساحة الدولة اللبنانية. وتتكوّن من ثلاث محافظات، الرقة وديرالزور والحسكة. تقع الرقة والدير على نهر الفرات، فيما تحتكر الحسكة نهر الخابور الذي جفّ تقريباً منذ عقدين، بعد أن كان يبعث الحياة منذ أقدم العصور على مدى مائتي كيلومتر، حيث نشأت على ضفافه حضاراتٌ عريقةٌ، أهمها مدينة ماري الآرامية التي يعتبر تل حلف مركزها، وهو معروفٌ بأنه أول كشف أثري يعود إلى العصر الحجري الحديث. وعدا عن ثرائها الثقافي والتاريخي، فإن المنطقة غنيةٌ بالنفط والغاز. ولكونها مأهولة بالأنهار، فهي تشكل خزان سورية الزراعي، ومركز ثقل الثروة الحيوانية التي تمتاز بأنها الأفضل في العالم العربي. وبفضل إنتاج النفط والغاز والقمح والقطن، تساهم الجزيرة بما يفوق نصف عائد الموازنة السورية. وتشكل ثلاثية المكانة التاريخية والموقع الجغرافي والتنوع السكاني شخصية هذا المكان، وخصوصياته من جهة. ومن جهةٍ ثانية، عاملاً جاذباً للأطماع والتهديدات الخارجية. وهذا ما تعيشه المنطقة اليوم التي بات يتسابق نحوها كل من روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري الذي بات وجوده فيها شبه رمزي منذ عدة سنوات، حيث إن الجزيرة لم تخرج عن الخط العام للثورة السورية، وكانت في عداد المدن التي انتفضت ضد النظام. وكانت مدينة الرّقة أول مدينة سورية تسقط بيد المعارضة المسلحة عام 2013، قبل أن يستولي عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ويحولها إلى عاصمة للخلافة المزعومة في السنة الموالية، وكان ذلك هو السبب الذي أدى إلى تدمير 80% منها بقصف الطيران الأميركي، حين تم القضاء على التنظيم الإرهابي في عام 2017. السؤال المطروح اليوم: من يربح الجزيرة، حين تنسحب منها القوات الأميركية نهائياً، مع حلول فصل الربيع المقبل؟ لا أحد يمتلك إجابة نهائية على هذا السؤال، لأن الصورة لم تتضح بعد. وهناك تسابق من عدة أطراف، للإمساك بالأرض التي تسيطر "قوات سورية الديموقراطية"، ذات الغالبية الكردية، على الجزء الأكبر منها. يرسل النظام تعزيزاتٍ عسكرية كبيرة إلى هذه المناطق، مدعوماً من روسيا التي تعرف الأرض جيداً، كونها سبق لها أن عملت فيها في ميدانَي النفط وبناء الطرقات. وتعزّز "قوات سوريا الديموقراطية" مواقعها، وهي مسلحة من الولايات المتحدة ومدعومة من فرنسا. وهناك المليشيات الإيرانية التي تقف في صف النظام، وهي موجودة في دير الزور، وتستفيد من دعم يصل إليها من الحشد الشعبي في العراق، بالإضافة إلى تركيا التي تحشد منذ عدة أشهر من أجل الدخول إلى منطقة شرق الفرات، للقضاء على الوجود العسكري الكردي الذي تعتبره تهديداً مباشراً لأمنها، وترى أن الفرصة سانحة، ولن تتكرّر، طالما أن هناك أرضية أستانة للتفاهم مع إيران وروسيا. وبالإضافة إلى هذه الجيوش، هناك جيوب صغيرة لـ "داعش" في محيط مدينة البوكمال على الحدود مع العراق، وهذه هي آخر معاقل التنظيم الذي تم تدميره في العراق وسورية. يضغط النظام، ومعه روسيا وإيران، لاستعادة المنطقة كاملة تحت مبدأ وحدة الأراضي السورية، ولا يجد معارضةً فعليةً لهذا التوجه من "قوات سوريا الديموقراطية" التي تريد تخريجاً قانونياً لوضعها، وهناك مباحثاتٌ بينها وبين النظام السوري، لم تصل إلى نتيجة. والقوة الثانية التي تعمل كي يكون لها موقع ودور في المنطقة هي تركيا. وهناك مخاوف من أن تهتز خريطة هذه المنطقة، وتخضع لتجاذبات الأطراف التي تسيطر على الأرض، وهذا أمر ينتظر الانسحاب الأميركي من شرق الفرات. وحينها تصبح روسيا مرشحة لمهمة توزيع الأدوار بين الأطراف المتنازعة فوق هذه الجغرافيا، ومن أجل تقاسمها.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...