روسيا وورقة المساعدات لسورية
بشير البكر
2021-04-03
تضغط روسيا من أجل التحكّم بالمساعدات الإنسانية إلى سورية، والتي يعتمد عليها قرابة ستة ملايين في المناطق التي يسيطر عليها النظام، والخارجة عن سيطرته، ويشكل عدد المستفيدين النسبة الأكبر في ريفي حلب وإدلب، حيث تنتشر المخيمات العشوائية، ويسكنها أكثر من مليون مهجّر من جرّاء العملية العسكرية التي بدأها النظام والروس والمليشيات الإيرانية ما بين مايو/ أيار 2019 ومارس/ آذار 2020، وغالبية هؤلاء هربوا من بيوتهم وأراضيهم في أرياف حماة، إدلب، وحلب، وليس لديهم أي مصدر دخل، أو سبيل للعيش خارج المساعدات الدولية.
وقادت روسيا العام الماضي حملة في مجلس الأمن، ونجحت في تعطيل آلية إدخال المساعدات إلى سورية عبر عدة معابر، اثنان منها عبر تركيا (باب الهوى، باب السلامة) ومن العراق (اليعربية) والأردن (الرمثا)، وأسفر الضغط الروسي عن إغلاق ثلاثة معابر، باب السلامة، الرمثا، واليعربية، ولم يبق سوى معبر باب الهوى الذي يلبي حاجة 50% من المهجّرين، حسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس. وتعمل روسيا الآن على تغيير الآلية الحالية كليا، وتهدف إلى اغلاق الممر الأخير الباقي عبر تركيا (باب الهوى)، وحصر دخول المساعدات بالنظام وحده، وحجّة موسكو، حسب نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أن هناك تسييسا للمساعدات الإنسانية، معتبرا أن "المساعدة العابرة للحدود تنتهك مبادئ القانون الدولي، لأن الحكومة القائمة لا تناسب الغرب".
ومن المرجّح أن تتحوّل قضية المساعدات الإنسانية عبر المعابر إلى معركة دبلوماسية بين واشنطن وموسكو، فالولايات المتحدة عازمةٌ على أن ترمي بثقلها فيها، وذلك في صلب نهج الإدارة الأميركية الجديدة التي تعتبر الدبلوماسية الإنسانية من مقومات سياستها الخارجية، وكان ترؤس وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، جلسة مجلس الأمن عن سورية، يوم الاثنين الماضي، إشارة صريحة على هذا النهج. وفند بلينكن أطروحة موسكو ربط المساعدات بالسيادة، وقال في كلمته إن "السيادة لم تصمّم إطلاقا لضمان حق حكومة في تجويع الناس وحرمانهم من الأدوية الحيوية.. ونظام الأسد لن يلبي الاحتياجات الحيوية". وستكون جلسة مجلس الأمن المقرّرة في 21 يونيو/ حزيران المقبل امتحانا لمواقف الإدارة الأميركية الجديدة. وفي حال مارست موسكو حق النقض ضد تمديد الآلية الحالية، لن يكون هناك سبيل لإدخال المساعدات إلا من خلال آلية خارج الأمم المتحدة، وهذه مسألة ليس في وسع دولة أن تنهض بها غير الولايات المتحدة التي لديها إمكانات لوجستية كبيرة، وقدرة على حماية القوافل من هجمات النظام وروسيا، مثلما حصل قبل حوالي أسبوعين، عندما تم قصف شاحنات كانت تنقل مساعدات عبر معبر باب الهوى، في رسالة صريحة تنذر بنية روسيا إغلاق هذا الشريان.
روسيا هي الدولة الراعية للجرائم ضد الإنسانية في سورية، تحمي نظام بشار الأسد من المساءلة الدولية، وتقدّم له شتى أنواع الدعم العسكري على الأرض، وخصوصا الإسناد الجوي الذي لعب الدور الأساسي في استعادة القسم الأكبر من الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام، وتعمل الآن على لعب ورقة المساعدات. ومن الملاحظ أن معركة المعابر وإغاثة المهجّرين بدأت، وسوف تتصاعد إلى حين التصويت في مجلس الأمن. وحسب تطورات الأسابيع الأخيرة، لا يبدو أن موسكو سوف تترك التمديد يمر كي يستمر العمل بالآلية الحالية، وغير بعيد عن ذلك الضغوط الروسية لفتح ثلاثة ممرّات بين المناطق التي يسيطر عليها النظام، والتي تسيطر عليها المعارضة وتركيا في محافظتي إدلب وحلب. والهدف الروسي المنظور من هذه الخطوة هو تدفق السلع نحو مناطق النظام التي تعيش أزمة تأمين المواد الأولية، كالخبز والوقود والأدوية. وعلى الرغم من أن موسكو جمّدتها حاليا، فهناك مخاوف من أنها تمهد لإغلاق معبر باب الهوى، الشريان الأخير للمساعدات الدولية إلى مناطق المعارضة.