حلب .. السقوط الأخير للجميع
بشير البكر
2020-02-22
إذا كانت هناك نتائج ذات معنى لخروج القسم الباقي من ريف حلب من تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، وانتقاله إلى طرف النظام، فهي أنه قد يكون السقوط الأخير الذي تنتهي معه رهانات وانتظارات وحسابات ظلت معلقة منذ انتهاء معركة شرق حلب في نهاية عام 2016. حينها، خرجت الفصائل من المدينة، بعد معركة طويلة ومدمرة، كان النصر فيها حليف روسيا والمليشيات الإيرانية التي كان يشرف عليها القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. ومن المعروف أن تلك المعركة لم تحسم وضع بعض ضواحي حلب ذات الأهمية الرمزية، مثل عندان وحريتان، التي ثارت على النظام في 2011، وكان لها تأثير على بقية المدينة.
ويأتي سقوط باقي ضواحي حلب اليوم ليلخص حالة من التراجعات العسكرية التي عاشتها قوات المعارضة المسلحة منذ إبريل/ نيسان الماضي، بدءا من ريف حماة، وصولا إلى ريفي إدلب وحلب. وحصل ذلك بسبب التكتيكات السياسية والعسكرية الفاشلة، وغير المبنية على رؤية وطنية خالصة، كون المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، ارتهنت لمساري أستانة وسوتشي. وملخص القول إن المعارضة سارت في طريقٍ من التنازلات التي فرضها الروس بالقوة العسكرية، وكذلك من خلال التعويل على الجانب التركي الذي لم يتمكن من فرض موقفه ضامنا إلى جانب روسيا وإيران، الأمر الذي ترك المعارضة وحيدة في مهب الريح الروسية، ما أوصلها إلى ما هي عليه اليوم من ضعف وتشتت وفقدان للدور والتأثير والبوصلة.
كان سقوط شرق حلب عام 2016 منعطفا أساسيا في مسار الثورة السورية، حيث جرّ ذلك الحدث وراءه سلسلة من التحولات التي جاءت كلها في مصلحة روسيا، ووفق رؤيتها وتخطيطها. وكانت البداية من مسار أستانة في يناير/ كانون الثاني 2017 بين الدول الثلاث، روسيا، إيران، وتركيا، بمشاركة النظام والمعارضة لإيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بالقضية السورية 2245. ومن ثم تلاه في مايو/ أيار 2017 اتفاق خفض التصعيد الذي شمل أربع محافظات، دمشق، حمص، درعا، إدلب. والمحطة الثالثة كانت اتفاق سوتشي لخفض التصعيد في إدلب الذي جرى التوصل إليه بين الدول الثلاث الضامنة في سبتمبر/ أيلول 2018. وكانت استراتيجية روسيا تقوم على القضم التدريجي للمحافظات الواقعة تحت سيطرة المعارضة، مستفيدة من أمرين: استخدام القوة العسكرية المفرطة التي كان هدفها تدميرا فادحا للبنى التحتية وتهجيرا قسريا كثيفا، والضغط على الضامن التركي. وأعطت هذه السياسات نتائج لم يكن ينتظرها حتى الروس أنفسهم، وأهمها تصفية الفصائل المسلحة التي كانت تسيطر على مساحات شاسعة من الأرض وتحجيمها وحصرها في رقعة ضيقة في ريفي حلب وإدلب. وتراجعت هذه المساحة بسرعة شديدة في الأيام الأخيرة، الأمر الذي ينذر بتصفية الوجود المعارض المسلح في هذه المنطقة في صورة تامة، وهذا ما يمكن أن تحمله أخبار الفترة المقبلة غير البعيدة.
ومع سقوط ما تبقى من حلب بيد النظام، لا تسقط المعارضة السورية المسلحة وحدها، بل تسقط معها المعارضة السياسية المتمثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التفاوض التي لن تجد شيئا تفاوض عليه بعد اليوم، وإذا أصرّت على كرسي تجلس عليه في أي استحقاق مقبل سوف تحدّده روسيا، وسيكون في آخر الصفوف في خانة شهود الزور. وبدورها ستدفع تركيا ثمنا كبيرا يتمثل في خسارة آخر ما بقي لديها من أوراق سورية. وتنذر مآلات الوضع في ريفي حلب وإدلب بصدمة سياسية كبيرة، وسط جمهور المعارضة الذي كان ينتظر وقف تقدم قوات النظام. وما لم يحصل شيء من هذا القبيل حتى نهاية شهر فبراير/ شباط الحالي، فإن ملف إدلب يكون قد خرج من يد المعارضة وتركيا، وهذه قمة السقوط.