هالة الفيصل فنانة البورتريه الشخصي
عماد الدين موسى
2019-03-16
هالة الفيصل فنانة تشكيلية سورية من مواليد مدينة حمص 1960، وهي ابنة وزير الاتصالات السابق واصل الفيصل. تخرجت في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق عام 1983، ثم درست الديكور في “المعهد العالي للسينما” في موسكو، ثمّ النحت في نيويورك، وفيما بعد، درست الرسم في مدرسة الفنون الجميلة في باريس.
خطت الفنانة هالة الفيصل لنفسها مكانةً بارزةً في مجال فن البورتريه، عبر اعتمادها آلية عمل خاصة؛ إذ جعلت الغاية منه الإثارة وإحياء ملامح الإنسان بشكل دقيق، وعلى هذا الأساس، بدا لنا هذا الفن وكأنه يأخذ الحيز الأكبر والأهم من تجربتها التشكيلية، التي تمتد على مدار عقودٍ عدة، مستعينة برؤيتها وطاقة التعبير الذي تشير إليه في توفير أبرز قدر من التلاعب الصوري؛ حيث يبدو أن ثمة مساحة تعبيرية لينة، في هذا الجانب دونَ غيره، نجدها تُبدع فيه، جنبًا إلى جنب مع الجانب التصويري المرافق لجُل أعمالها، من التقاط تلك اللحظات التأملية أو زاوية النظر المُغايرة، التي تكون عادة قد سيطرت حالة من الجمود أو الشرود التام على ملامح شخوصها.
هذه الفنانة التي لا تكف عن شغفها بروح المغامرة، تبحث عن نوع من الفن يحاكي المرء ويلهب حماسه نحو أدق تفاصيل الجسد الآدمي، ليس غريزيًا فحسب، إنما هناك تصور وبناء فني وتعبيري، يظهر التحول والحيوية في الوجوه والأجسام، ويكفينا أنها تنسج توازنًا صوريًا في منتهى البساطة والعفوية، الغاية منه الانتصار لروح الفن وحده.
العين نافذة الروح
يقول بول سيزان، مُبتكر فن البورتريه الحديث: “إن ذروة الفن كله في الوجه البشري”، ولعل ما نجده لدى الفنانة الفيصل هو تركيزها الجلي على الوجوه، خصوصًا العين “لأنها نافذة الروح وانعكاس للمعاناة الداخلية التي يعيشها الإنسان” كما تقول في حوارٍ سابقٍ معها. وهنا لا بد لنا من أن نقف على خصوصية اللون لديها، تحديدًا عملية المزج اللوني وما تنتجه من ألوانٍ جديدة، مألوفة وغير مألوفة في آن معًا. الوجه قد يكون أزرق أو رماديًا أو عبارة عن مزيجٍ من هذا اللون وذاك، ثمة حميمية ها هنا، نجدها في جُل لوحات هالة الفيصل.
الجسد بوصفة آلة موسيقية
إلى جانب الوجوه، تركز الفنانة الفيصل على الجسد الأنثوي، لتحوله إلى تحفة جمالية ذات دلالات عديدة بأكثر من معنى، قد يكون على شكل شجرةٍ والعصافير من حولها، أو عازفة تحمل آلة موسيقية تجعل الناظر يسمع أنغامًا تنبعث من بين ألوان اللوحة؛ جسدٌ أرضٌ خصبةٌ وآلةٌ تجيدُ الفيصل العزف عليها، لكن بالريشة، وهنا نستحضر ما قاله الروائي سالينجر: إن “جسم المرأة يُشبه الكَمَان. يُخرج موسيقى رائعة في حال لُعِبَ عليه بشكل صحيح”، تمامًا ما نجده في أعمال الفيصل، وهي ترسم المرأة، فهي تُبدي كشفًا عن ماهية جسدها، وتعيرنا تحولًا في الذائقة. ومن أجل ذلك نراها تركز على المرأة من دون أي مقدمات صورية، لهذا تجعل الفن ذات قدرةٍ وإحاطةٍ، وليس أُسطورة ومظاهر، ومن يراقب أعمالها يجد متعة وخيالًا وراء التلاعب في الألوان وتوازن في طاقتها.
في خضم الحروب الدموية والنزاع المسلح الذي يجتاح العالم العربي، تكتفي هالة الفيصل بالرسم والموسيقى، فهما فنان يملكان سحرًا وفيضًا غريبًا، حينما تنكشف لهما الروح وتقترب منهما، لهذا تأتي محمولات لوحتها وكأنها تدفق ومزيج بين الرسم والموسيقى. تقول: “مع كل الحروب التي يتسبب فيها الجنس البشري، لم يبقَ لديّ سوى الفن والموسيقى”. فماذا يعني لنا هذا التصريح؟ إنه الرهان على إحياء الفنون الإنسانية وبعث عواطف الإنسان، وسط كل هذا الخراب.