تعيش الجزائر منذ حوالي شهر حراكاً شعبياً كبيراً، لم يسبق لها أن شهدته، فجّره قرار ترشيح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة. وفي كل يوم يمر، تكبر دائرة الاحتجاجات، وتنخرط فيها مدن ومناطق جديدة، لكن الغالب على التظاهرات أن من يشارك فيها هم جيل الشباب في أوائل العشرينيات من العمر، والذين كانوا قد وُلدوا قبل فترة وجيزة من وصول بوتفليقه إلى الحكم، أو في ظل حكمه، وبالتالي يمكن اعتبارهم جيل بوتفليقة. ولم يختلف وضع هذا الجيل عن أوضاع الذين سبقوه في ظل الحكومات السابقة التي أهملت هذا القطاع الحيوي الذي يشكل نحو 60 في المائة من السكان. وتتردّد في الحراك الحالي شعاراتٌ شبابيةٌ تحمل مطالب عادية جداً، تتعلق بالتعليم والوظائف والسكن، وأن يتمتّع الرئيس بصحةٍ جيدة. والملاحظ أن السلطات عاجزةٌ عن اللجوء إلى العنف لمنع هؤلاء الشباب من التظاهر، فهي غير قادرةٍ على استخدام التهم الجاهزة بممارسة الإرهاب، أو مناصرة التنظيمات الإسلامية. تواجه الجزائر موقفاً جديداً لم يسبق لها أن شهدته في تاريخها منذ الاستقلال عن فرنسا 1963، وبات واضحاً أنها، للمرة الأولى، تعيش نهاية نظام قديم من دون أن يكون هناك نظامٌ بديل جاهز، أو حتى ملامح ولادة نظام حكم يؤمّن الاستمرارية. وذلك في وقتٍ صار من المؤكّد فيه نهاية قواعد اللعبة التي كان يتم من خلالها اختيار الرؤساء من المؤسّستين العسكرية والأمنية. وفتحت مسألة ترشح بوتفليقة الباب أمام الوضع الجديد، في ظل الفشل في تأمين الذهاب نحو ولايةٍ خامسة. ويتضح أن هذا لم يكن في حساب أصحاب القرار الحاليين الذين فاجأهم الحراك الشعبي الواسع الذي احتل الشارع بقوة، وهو يرفع شعاراتٍ سياسيةً واضحة، تعارض ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، وتطالبه بالرحيل، وتنادي بوضع الجزائر أمام مسارٍ سياسيٍّ جديد، يقطع مع الوضع السائد منذ الاستقلال. تكمن معضلة الجزائر الفعلية في عدد من التراكمات المعقدة، لكن أبرزها شيخوخة المؤسسة الحاكمة في الظل، والتي اعتادت أن تقرّر كل شيء للبلد منذ استقلال الجزائر عن فرنسا، وهي المؤسّسة العسكرية التي بقيت حتى وصول بوتفليقة إلى الرئاسة، تمتاز بأن مصدر ثقلها الرئيسي من منطقة الشرق التي يتحدّر منها كبار القادة العسكريين، لكن بوتفليقة استطاع عبر سنين حكمه أن يغيّرها، ويكسر القاعدة، وبات مركز الثقل لمنطقة الغرب التي يتحدر منها بوتفليقة نفسه، على الرغم من أن رئيس هيئة الأركان الحالي، الجنرال قائد صالح، يتحدر من الشرق. والقضية الثانية هي المصالح الأجنبية في الجزائر، وخصوصاً مصالح فرنسا والولايات المتحدة. وفي حين مارست الأخيرة الصمت حتى الآن، ولم تعبّر عن موقفٍ واضح من الحراك الشعبي، أعلنت فرنسا عن موقف موارب قريبٍ في جوهره من تأييد ترشيح بوتفليقة بشروط، وهناك معلوماتٌ تفيد بأن باريس هي التي أوحت بمبادرة بوتفليقة التي طرحها في خطاب ترشّحه منذ عدة أيام، ويريد منها أن يتم انتخابه لولاية خامسة، في مقابل أن يتعهد بتنظيم مؤتمر وطني بعد سنةٍ لتعديل الدستور وتنظيم انتخاباتٍ رئاسية، لن يترشّح خلالها. وتقول المعلومات إن فرنسا تؤيد رحيل بوتفليقة بطريقة سلسة، حتى أنها استشارت شخصياتٍ مؤثرةٍ لإقناعه بتعيين نائب رئيس، ولكن الوقت تأخر، والأفضل هو طريق المبادرة، الأمر الذي رفضته المعارضة، وطرحت فكرة مضادّة، تقوم على تأجيل الانتخابات، وعقد مؤتمر وطني وإجراء الانتخابات من دون بوتفليقة. تبقى الكلمة الأخيرة للشارع وجيل الشباب تحديداً الذي صار يشكّل الرقم الصعب في المعادلة، والواضح أن هناك هوة عميقة بين هذا الجيل والمؤسّستين، العسكرية والأمنية، الأمر الذي يضع الجزائر أمام مفترق طرقٍ وخياراتٍ محدودةٍ جداً.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...