أبحث عن عبارة تصلح للضحك والبكاء على حد سواء، عبارة أخف من احتمال طبقات المعنى، وأثقل من الضياع في المعنى الوحيد، عبارة أكثر هشاشة من الصيغة البشريّة التي ننتمي إليها أنتَ وأنا، عبارة تحيا كلما عبر كتاب (قواعد العشق الأربعون) من يد إلى يد، كلما حضرت الأطياف وجفت المعاني وارتاب القارىء واهتز الظل وانمحى الأثر، وصارت الذكرى طحالب على لحاء شجرة مقطوعة الأطراف، صارت صدأ وفزاعة ونبتت من جديد في حياة أخرى..هكذا دائماً، هكذا أبداً، عبارة حادة وغريبة وغضة كقلب. جرحتني كف العجوز التي تلوّح لي من نافذة الحافلة، جرحتني غرفة الفندق التي جاءت على طريقة جيمس أيفوري في فيلم (غرفة بمنظر)، جرحني صوت عبير نعمه" مش وقتك يا هوى" و الحذاء الرياضي الأسود المهترىء لسيدة تعبر أمامي لحظة مغادرة الطائرة في بلد غريب وقفتُ في أرض ممتدة كل حجارتها حيّة، كل حجارتها خضراء، كان مشهداً شعرياً على نحو غير اعتيادي، مشهد يصلح للنهايات" لو أن الفتى حجرُ"، الحجر يا حبيبي.. أكثر خضرة من روحين قلقتين، الحجر أكثر خضرة من روحين مثقلتين بالاستعارات والشِعر والتخيّل. هذا الصباح عبرت أمامي في دراما مصرية..موسيقى (عمر خيرت)، موسيقى تصلح أن تسير على إيقاعها الحياة، موسيقى تصلح للحب والدموع والصمت، موسيقى تصلح للانعطافات الغريبة في حياة ممتدة. "والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبك مقرونٌ بأنفاسي"، لكنه القطار يا حبيبي.. يفوت مرة بعد مرة، لكنها التجربة رمية النرد أو (حظ أعمى) على طريقة ( كيشلوفسكي) في فيلم البارحة..حيثُ الحُبّ تجربة لا تكتمل أبداً. الحب "كائن لا تحتمل خفته" هكذا بدا لي الأمر أخيراً بعد أن سقطت الطائرة، الطائرة التي كانت تقل الممثل في فيلم "حظ أعمى".. هشاشة الحُبّ أمام انعطافات الحياة في كل عصر، هشاشة الحُب في الواقع كما في السينما عليّ أن أنهض للحياة يا حبيبي، أشرب الماء الدافىء كما كل صباح، أعد كوب شاي يناسب مزاجي وأستقبل اليوم، لكني أكتب الآن، أكتب وأتأمل العبارة.. رهيفة أخشى عليها من شراسة الروح، واضحة أخشى عليها من التأويل، جمالها "هادىء ورزين ومجنون" أخشى عليها أن تكون كرسي في حديقة عامة، وردة مخبئة في كتاب، أخشى أن تكون كتاب على الرف. علي أن أنهض للحياة يا حبيبي الآن.. ومن المرجح أن أترك كينونتي على السرير، بينما أقوم شخصياً بمجموعة أفعال عشوائية، هي طريقة استعدادي للحياة في الأيام التي ليست عُطلاً أسبوعية وليست آحاداً كئيبة، أفتح نوافذ الغرفة ليعبر الضوء، أتوقف عن بروفه الكلام المتخيّل، استسلم لالتهاب الحنجرة القوي بينما أترك روحي تتمطى في مجموعة أفعال أخرى. منذ شهر وأنا أقرأ كتاب كافكا (رسائل إلى ميلينا ) أوقف القراءة كثيراً، لأجل كوب شاي جديد، لأجل قيلولة لا إراديّة، لأجل صمت أبحث فيه عن نفسي، صمت كامل بلا أي فكرة في تلافيف دماغي؛ فلا تكتمل المراسلات أبداً. بمشاعر حيادية أشرب الماء الدافىء، أنظر سريعاً في المرآة، أخرج للقيامة الصباحية في قريتنا المزدحمة على الدوام، وقبل أن أخرج أتردد في شرب كوب شاي آخر، بعينينّ ناعستين أخرج للصباح، بضحكتي الغبيّة أتوقف لأطلب العلكة واللبن، ببذاءة شتائمي التي لا يسمعها سواي أحتمل الازدحام، أحتمل ثقل العاشرة صباحاً بالأغاني والموسيقى" وشارب الخمر يصحو بعد سكرته وشارب الحُبّ طول العمر سكرانِ".
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...