قصة / الخليوي
2007-01-14
خاص ألف
...أقفل خطه وبدأ يفكر !!!
لم تعد الأشياء كما كانت . نظر حوله في المقهى ، وجد صحوناً بيضاء و فناجين قهوة لم ترتسم فيها خطوط المستقبل!
لم ير الناس. فرغت المقاعد من ناسها. أصبح عالمه فنجان قهوة، منفضة سجائر و خليوي .
نظر من حوله مجدداً لعله يرى الناس، لم يجدهم. جلست أجهزة الخليوي على المقاعد و بدأت بالحديث، ارتشفت فناجين القهوة، أطفأت سجائرها و ضحكت .
كان الرجل الوحيد في المقهى تحيطه مجموعة من "المخلوقات الخليوية" .
من هو هذا المخلوق يا ترى ؟من أسماه خليوي؟ الوالد أم الوالدة ؟ هل سمي خليوي نسبةً لجده أم انه اسماً رائجاً فحمله معظم مواليد السنوات العشر الماضية....
متى ولدت أيها الخليوي كي تكون حاملاً و محمّلاً بأحدث الصرعات التكنولوجية ، كيف تسرّبت الى جيوبنا و بيوتنا و أصبحت شغلنا الشاغل و لعبة أولادنا المفضلة و المطلب الأول لشبابنا ؟؟
نظر من حوله مجددأ لعله يرى الناس ، لم يجدهم . أحس انه كان يلقي خطاباً سياسياً أمام حشدٍ خليوي رفيع و لكن أصم . فكر بتجنيد قواه العسكرية تحضيراً للإنقلاب. الإنقلاب؟؟
" حرب الشعوب على الخليوي" .... أم يجدر به القول " حرب الخليوي على الشعوب" ؟؟
في لحظة ملل، نظر الى البحر لعله يملأ فراغه الفكري ... فشل البحر في ذلك !!!!!
في لحظة ملل، أمسك قلماً لعله يسنده بشيء من راحة البال .... فشل القلم في ذلك !!!!
في لحظة ملل، فتح جهازه الخليوي و كأنه فتح كتاب أليس في بلاد العجائب !!!!
لم يكن يبالغ حين ذكر كتاب أليس في بلاد العجائب، خاصة و أنه هذا الرجل الخمسيني الذي ما زال يملك تلفاز السوني الخشبي و كاميرا الفوتوغراف اليدوية أما السبب الوحيد الذي جعله يقتني جهازاًخليوياً (و ذلك منذ شهرين تقريباً) فكان حين اضطر الى ايقاف الإتصالات الخليوية من تلفونه العادي نتيجة عدم قدرته على دفع الفاتورة الأخيرة . الفاتورة الأخيرة ...ما زال يذكر أصغر تفصيل في الفاتورة ... و لكنه كان يفضل أن ينسى هذا اليوم من أساسه...تناسى موضوع الفاتورة و عاد الى ملله ، عفواً ، عاد الى الخليوي أو كتاب العجائب .
ما هو العجيب فيك يا ترى أيها الخليوي ؟؟؟
على عكس الإنسان ُولدت كبير الحجم و مع الوقت تقلصت لتصبح أصغر من راحة اليد...
نظر الى راحة يده و جهازه في اليد الأخرى ... متع ناظريه في المقهى: وجد اجهزة الخليوي على المقاعد ترتشف فناجين القهوة ، تطفئ سجائرها و تضحك .
أجهزةٌ بمئة حلةٍ و لون اذا ما قارنناها بالإنسان وجدنا منها من هو هرم و منها من هو شاب، منها من لحق الموضة بألوان رائجة حسب فصول السنة أو لون الشعر ، و منها من هو "demodé " او "دقة قديمة" أو من " سنة 1900 و خشبة" ...
أجهزةٌ تصطحب الصغار و الكبار، تدير أعمال رجال العمال و بائعي الخضار ، تلعب دور الوسيط او المخرب بين العاشق و العاشقة ...
أجهزةٌ تحمل صوراً و ذاكرةً، اجهزة تلغي ثبوت المكان و تجعله متنفلاً أو كاذباً مموهاً ، أجهزةٌ فاضحة تفضح اصحابها ...أهلاً و سهلاً بكم على متن عالمٍ خليويٍ رقمي متعدد و متنوع كتنوع عالم الأرقام .
ما الذي يجعلك أيها الخليوي حاجةً ماسةً لكافة الناس من كافة الأعمار و الطبقات ؟
ما الذي يجعل من مهندسي التكنولوجيا و المعلوماتية سباقين الى تحديثك و تجديدك و "زوزقتك" كما لو أنك طفل التكنولوجيا المدلل الذي لم يولد قبله طفلٌ بعد .
نظر من حوله من جديد: أنه الآن في سيارة الأجرة ،يجلس قرب السائق، يفصل بينهما علبة محارم ، مجموعة من أشرطة فريد الأطرش، قطع نقدية معدنية و جهاز خليوي أصفر اللون ُوجد على شاشته صورة السيد حسن نصرالله . حتى جهاز الخليوي بات يعكس هوية حامله أو لعله يجدر بنا القول بات يحمل هويةً و طائفة و انتماءاً سياسياً.
يسمع صياح ديك . صياح ديك؟؟؟ من أين اتى الديك و هو في سيارة أجرة يتجه نحو ال down town؟ يلي صياح الديك صوت انثوي يقول :"ألوه"
-هي: هاي كيفك؟؟ أنا مأخرة شوي تأوصل ...بعدني عالبربير .. ما عجقة كتير ...
في هذه الأثناء يضع السائق شريطا لفريد الأطرش ، بينما ينظر الرجل الخمسيني الى تمثال رياض الصلح و كلمة بربير تدوي في رأسه .
-هي: يعني ¾ الساعة، ساعة ....بكون عندك... بتعرف يعني من البربير لعين المريسة بدها هالأد ... OK ..يللا باي
أقفلت خطها... لم ُيحظ الرجل الخمسيني بالوقت الكافي للتخلص من كلمة بربير التي ما زالت تدوي في رأسه، حتى يسمع موسيقى لأغنية علي الديك "طلع الصبح و لك علوش" تختلط بموسيقى فريد الأطرش. نظر يمنةً لعل الصوت آتٍ من السيارة المجاورة ، فاذ بشبابيبها مغلقة .
"ألوه"
-هي: اي حياتي ...دقيقتين بكون عندك .
يتململ الرجل الخمسيني و يحاول سرقة بعض النظرات من الخلف لربما تتنبه الفتاة فتخفض صوتها قليلاً.
-هي: رح أوصل .. يي... ما كان عم يحكيني هيدا أبو مشعل.. كرمال هيك ما رديت عليك . ما هوي قلتله انه انا على البربير و بدي شي ساعة تأوصل...شو؟؟ ما عم اسمعك ....ألو ...ألو ...اي هلق عم اسمعك ..كنت عم قلك انه في مرتُه بدي ساعدها بال....
غرقت كلماتها وسط زحمةٍ خانقةٍ بين الزمامير و دخان السيارات المتصاعد ، سقطت أفكار الرجل الخمسيني الى أسفل الحنجرة فبدأ بالسعال . تمنى لو لا يدق جهازه الخليوي أبداً في الأماكن العامة ، فينسى من و ما حوله ، يبدأ بالكلام، و يبدأ بفضح نفسه ...بفضح شخصيته كما جرى مع الفتاة الجالسة في الخلف . يكفي ان يدق جهازٌ خليوي، أي جهاز لأي شخص، فليتكلم لدقيقةٍ واحدة فقط كي يحصل من حوله على "بروفيل" لهذا الشخص أو بطاقة تعريف عنه ,
غير أن جهاز الخليوي،و كلمة الحق تقال ، فاضحٌ فقط حين يتواجد مع صاحبه أو حامله في سيارة أجرة ، اذ لا مجال للتحرك حينها و حينها فعلاً يفقد " الخليوي-النقال" – أي ال MOBILE- معناه . لعله ينبغي أن يسمى في سيارة الأجرة " الخليوي الجامد الفضاح". أما حين يتواجد حاملو الخليوي في فضاء ما – اذا استثنينا فضاء السيارة أو أي وسيلة تنقل أخرى- فإن هذا الفضاء يسمح "لحاملي الخليوي" بالحصول على "خلوة" (نتيجة حرية التنقل) . الان عرف الرجل الخمسيني لماذا سمي هذا الجهاز ب "الخليوي": نسبةً ل "خلوة" .
أي خلوةٍ هي هذه ؟ و ان ابتعدوا عن من حولهم ، و ان أخفضوا أصواتهم فإن وضعية الجسد البعيد تتكلم: فتاةٌ تجلس بين اصدقائها . يرن جهازها الخليوي، تنظر الى الرقم الموجود على الشاشة، لربما ُوجد اسم المتصل ، او لربما عرفت من المتصل من رنة الخليوي، لربما ُوضعت صورة أيضاً للتعريف عن المتصل .
"ما علينا" ، تنظر الى الشاشة و لا تفتح خطها الا حين تتيقن أنها بعيدة بما فيه الكفاية عن اصدقائها، تخفض صوتها و هي تتكلم ، و تلتصق بالحائط ناظرةً الى الأسفل، تتحرك بشكل دائري في مساحةٍ ضيقة (بالرغم من كبر حجم القاعة) كما لو انها محاصرة، كما لو ان الإتصال يحاصرها ، كما لو أنها تود ان تخترق الحائط و تختفي ، كما لو أنها تود ان يبتلعها جهازها الخليوي ، كما لو أنها تود ان تراه تشيح بعينيها بعيداً عن كل ما يحيطها. تقفل خطها و تعود الى اصدقائها، تتجنب نظراتهم. أما أصدقاءها فعرفوا من اللحظة الأولى التي دق فيها الخليوي، من نظرتها الى الشاشة ، من الطريقة التي قامت بها و ابتعدت ثم عادت، من هو هذا المتصل: الحبيب.
من قال لك أيها الرجل الخمسيني أنه الحبيب؟ لربما يكون الإتصال بين الفتاة ووالدتها أو أي شخص آخر، اتصال يحتاج الى خصوصية ما...
-الرجل الخمسيني:لو كانت تكلم والدتها لموضوع خاص، لكانت ابتعدت عن أصدقائها ، صحيح، و لكنها لكانت اجابت و هي تبتعد ، و لما أخفضت صوتها و جعلته رقيقاً و شفافاً، لما التصقت بالحائط و نظرت الى أسفل، و لم تكن لتقوم بحركات دائرية صغيرة كما لو أنها كانت محاصرة . ما علينا الا أن نراقب أنفسنا لنعرف !!!
معك حق أيها الرجل الخمسيني . أين أنت الآن ؟؟؟
أراك في عيادة طبيب الأسنان تنتظر و تراقب: كثيرون يحيطونك و لكن لا أحد لتحادثه. كلٌ مشغولٌ بجهازه الخليوي . شاب في الخامسة عشرة من عمره يلعب بال"GAMES" ، يتلقى رجل ثلاثيني رسالةً على جهازه، يقرأها يبتسم، ثم يبدأ بدوره بالرد على تلك الرسالة ، مصدراً أصواتاً ايقاعية و هو يضغط على المفاتيح ذكرت الرجل الخمسيني بجهاز التليغراف.على الكنبة الأخرى يعبث طفل بجهاز والدته ، فيغير الرنة مراراً و تكراراً مروراً على كل الرنات المسجلة في الجهاز الخليوي مما أثار حفيظة الوالدة فصفعته على وجهه و لكنها تركت الجهاز بين يديه . يقف على الشباك شاب يصور بجهازه الخليوي فتاةً أعجبته تمشي على الرصيف. أما السكرتيرة فيرن منبه جهازها الخليوي ، تقف و تدخل الى عيادة الطبييب، يتحضر الرجل الخمسيني لربما يأتي دوره للدخول. لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن : يبدو أن بقعة الإنتظار تتسع .
لقتل هذه البقعة او لتقليصها ، يمسك الرجل الخمسيني جهازه من جديد: يبحث عن الرسائل فيجد نكتة مكتوبة باللغة العربية ، باللهجة المصرية تحديداً. منذ متى أصبحت أيها الخليوي وسيلةً للتنكيت؟ من أرسلها ياترى؟ و لمن ُأرسلت؟
على الأرجح انها ُأرسلت لإبنته من قبل احد الأصدقاء. يدخل الى دفتر التلفونات ، في جهازه الخليوي. كان يحمل دوماًً دفتر تلفونات صغيرالحجم يضعه في المحفظة، ما زال في المحفظة و لكن لم يعد يخرجه منها . أصبحت أيها الدفتر داخل جهازٍ خليوي. ينظر الى الساعة . رغم أن ساعة اليد تلتف كالأفعى على يده، و رغم أن ساعة الحائط في قاعة الإنتظار تجعل الإنتظار أبدياً بدقاتها المتواصلة ، ينظر رجلنا الخمسيني الى الساعة الموجودة في جهازه الخليوي .
أصبح عالمك أيها الرجل الخمسيني "يصبّ" في هذا الجهاز.
تمسك مجلة "الحسناء" الموجودة على الطاولة ، يطالعك تحقيق عن الخليوي ، تقفل المجلة و تضعها جانباً.
ما زلت تنتظر في قاعة الإنتظار، تنظر الى جهازك الخليوي من وقتٍ الى آخر ، لعله يرن فينسيك الوقت الأبدي. يرن جهازٌ خليوي و لكنه ليس جهازك. بعد ثوانٍ معدودات يرن جهازٌ آخر و لكنه أيضاً ليس جهازك. في الخمس دقائق التي ستلي ، سوف تدق كل الأجهزة الخليوية الموجودةفي قاعة الإنتظار كمالو انها عدوى ال "SARS" تنتشر تاركة وراءها "فيروس" الرنات أو الألحان التابعة لأحدى الأغنيات أو المؤثرات الصوتية المزعجة ، الا جهازك أيها الرجل الخمسيني...لن يدق! ( يبدو ان لديك مناعة ضد هذا الفيروس) .
تتيه بين مجموعة الأحاديث و الرنات المتتالية ...لتنقذ نفسك تخرج من قاعة الإنتظار لاعناً الساعة التي دخلت فيها عيادة طبيب الأسنان .
يدق جهازك الخليوي ، تخرجه من جيبك. لست محظوظاً بما فيه الكفاية: "missed call" .
تقرر العودة الى البيت، لعله حينها تستطيع أن تحرك شفتيك قليلاً، فتحادث زوجتك أو ابنتك أو حتى الخادمة "السيريلانكية" ، بعد أن خذلك جهازك الخليوي : لا يمكن لهذا الجهاز ان يقوم بعملية تواصل انسانية كاملة . " لست أمام تلفون عادي" .
جالت هذه الجملة في رأس الرجل الخمسيني و عادت اليه الذكريات . كان يعود من عمله كل يوم ، فيجد ابنته ، حين كانت في العاشرة من عمرها "تمتطي" التلفون العادي و تقوم بشتى "المقالب التلفونية" . هل ما زال هذا المصطلح موجوداً في ظل عالم الإتصالات الخليوي؟
هل ما زال العشاق يكلمون بعضهم البعض لساعات بعد الساعة الثانية عشر ليلاً أم أنهم أصبحوا يستعملون تكنولوجيا الmissed call ليقول لها أنه يفكر الآن بها و يترك لخيالها carte-blanche لتقول له و يقول لها ... و لكنها لن تسمع صوته و صمته على التلفون . لن تكون الأحاسيس كما كانت بعد أن اختُذلت أدوات تعبيرها الشفهية ليحل مكانها missed call.
يخطو عتبة البيت ليجد لتلفاز وحيداً في غرفة الجلوس يبحث عن مشاهدين ، فاذ به المشاهد الوحيد. لا جلد لديه ليبحث عن زوجته أو ابنته، يجلس على الكنبة و يمسك جهاز التحكم استعداداً لمشاهدة تلفزيونية: يرتمي امام عينيه اعلان للتصويت بواسطة الخليوي (4 digits) على احدى برامج الستار star. اعلانٌ يجعل المشاهد يتحمل مسؤولية كبيرة في اختيار هذا الستار أو ذاك و يوهمه انه هو الوحيد الذي يملك القرار. يغير القناة ، يفاجأ باعلان آخر يدعو الى التصويت على اختيار نهاية حلقة مسلسلٍ لبنانيٍ ما . منذ متى أصبحت الشاشات التلفزيونية حريصة على تحقيق ديمقراطية مطلقة من خلال جعل الجميع يشارك في اتخاذ القرار، أي قرارٍ كان...لدينا ما يكفينا من النجوم. لماذا هذا الحرص الزائد على جعل كل من يملك صوتاً جميلاً نجماً، أو ستار على حد قولهم، تصوت له الجماهير العريضة ؟؟
أنا أقول لك منذ متى أيها الرجل الخمسيني : منذ أن أصبح للديمقراطية سعرٌ يدفعه المواطن حين يصوت. منذ أن أصبحت الشاشات التلفزيونية تقوم باعداد أي برامج كانت تدعو للتصويت بحثاً عن وسيلة أخرى لتحصيل الأموال الطائلة و الجماهير الطائلة أيضاً.
يقفل التلفاز. يبحث عن ابنته و زوجته، يجد الزوجة أمام المرآة أما الأبنة فهي أمام البراد تفرغه من محتوياته : لعله سن المراهقة يجعلها تاكل كثيراً . تقبل والدها و تذكره أنها ستبلغ الخامسة عشر من عمرها بعد عشرة أيام ، و تحدد له الهدية مسبقاً :"cellulaire" .
لا تكتفي بذلك بل أنها لن تقبل الا بأحد ث جهاز في السوق : "صبرك يا أيوب"!!!
تترك زوجتك المرآة لهنيهة بحثاً عن جهازك الخليوي : أنقذ وحداتك و جيبتك قبل أن تتربص زوجتك بالجهاز و تتصل بكل "صاحباتها" لتقول لهن أنها أجرت عملية لشفط الدهون و لا تريد أحداً أن يعرف بالموضوع . انقذ نفسك و اخرج من البيت .
لم يكذب رجلنا الخمسيني خبراً و خرج ذاهباً الى المقهى.
ما الذي يجعل فتاةً في الخامسة عشر من عمرها تطلب كهدية لعيد ميلادها جهازاً خليوياً ؟
فلننسى واقع أن نخبة صديقاتها يملكن جهازاً خليوياً و انها تريد أن تنضم اليهن ، لا بد انها تبحث عن استقلاليةٍ و خصوصيةٍ ما في اقتنائها جهازاً خليوياً. اذ حينها لن تشعر بالاحراج حين يتصل على جهاز الوالد شابٌ ما و لن تتعرض طبعاً للاستجواب بعد الاتصال. و حين تخرج مع صديقها و تقول للوالد أنها خارجة مع صديقتها التي تملك بدورها جهازاً خليوياً ، لن تتعرض لخطر اتصال الوالد بالصديقة اذ حينها يتصل بجهازها مباشرة . و لكن رجلنا الخمسيني حور هذه الفكرة بالطريقة التي تناسب الصورة المثالية التي يريدها لابنته : " فلأشتري لها جهازاً خليوياً ،فأستطيع أن أطمئن عليها أينما كانت " .
غريب كيف يحول الأهل أجهزة الخليوي الى اجهزة للرصد ، يرصدون بها أولادهم و هم يتناسون أن اولادهم يبتدعون مئة حجة لافشال وسيلة الرصد هذه .
في نفس الوقت ، يتناسى الأولاد و الشباب بشكل عام أن هذا الجهاز ذاته الذي يؤمن لهم شيئا ًمن الخصوصية ، فهو في أحيان كثيرة يصبح وسيلة لكسر الخصوصية بالرغم من كل شيء: مجرد ان يرن الخليوي في وضعية حميمة أو في حديث حميمي (بغض النظر عن اذا أجاب صاحب الجهاز ام لا) تختفي الحميمية و تعود الوضعية أو يعود الحديث الى نقطة الصفر .
عاد الرجل الخمسيني الى نقطة الصفر .
أقفل خطه و بدأ يفكر من جديد!!!
لم تعد الأشياء كما كانت . نظر حوله في المقهى ، وجد صحوناً بيضاء و فناجين قهوة لم ترتسم فيها خطوط المستقبل!
لم ير الناس. فرغت المقاعد من ناسها. أصبح عالمه فنجان قهوة، منفضة سجائر و خليوي .
نظر من حوله مجدداً لعله يرى الناس، لم يجدهم. جلست أجهزة الخليوي على المقاعد و بدأت بالحديث، ارتشفت فناجين القهوة، أطفأت سجائرها و ضحكت .
يعلو صوت "زافين كيومجيان" الساعة التاسعة ليلاً مستطلعاً آراءً حول اضراب الناس و ليوم واحد عن استعمال الخليوي. تضحك اجهزة الخليوي .
كان الرجل الوحيد في المقهى تحيطه مجموعة من "المخلوقات الخليوية" و زافين كيومجيان على شاشة التلفاز .
أحس بالغربة ، أحس بالضيق .
ذهب الى البحر لعله يرى الناس هناك، لم يجدهم .
نظر الى جهازه الخليوي و نظر الى البحر.
مكانك أيها الخليوي، هناك، في القعر...في قعر البحر .لربما تعود الأشياء كما كانت .
بكل ما أوتي من قوة ، يحاول الرجل الخمسيني أن يرمي جهازه الخليوي في الماء.بعد تردد ما ، يقرر الا يرميه. و لكن يده، و لسبب ما ، تفلت الجهاز الخليوي فيقع في الماء .
يرمي الرجل الخمسيني نفسه في البحر لينقذ "عالمه الخليوي":
غرق الرجل الخمسيني في قعر البحر و طاف جهاز الخليوي على وجه الماء!!!
08-أيار-2021
27-شباط-2007 | |
04-شباط-2007 | |
14-كانون الثاني-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |