إيروتيك / فصل من رواية / شبابيك منتصف الليل
2007-01-19
الفصل الأول
تنبيه
منعت الطبعة الأولى من هذه الرواية من التداول في تونس .
كما لم تتحصل دار النشر التونسية التي أنجزت الطبعة الثانية من هذه الرواية - منذ سنة 2004 - على صك ترويجها للعموم . وأنا ، وعلى شاكلة التنبيه الذي يدمغ الأفلام الإباحية أنصح كل من يأنس في نفسه ميلا إلى العادات الحميدة والأخلاق الفاضلة ألا يتصفح هذه الرواية ، لأنها حتما ستخدش حياءه .
لذا وجب التحذير .
( ناصح أمين لوجه رب العالمين )
فاتحة
فتحت شباكا يطل على قلبي .
فماذا رأيت ؟
....... ليلا .
وماذا رأيت ؟
....... ليلا .
وماذا رأيت ؟
..... رأيت ليلا أيضا .
******
أنجب جدي ثلاثة أولاد.
سمى الأول خليفة ،
وكناه بأبي الشامات .
وسمى الثاني خليفة ،
وكناه بأبي البركات .
وسمى الثالث خليفة ،
وكناه بأبي اللعنات .
رباهم ، فأحسن تربيتهم .
حفظوا القرآن الكريم في بيوت الله العامرة .
وتفقهوا في علوم الدنيا والدين .
ولم يترك لهم عنان أنفسهم ، إلى أن شبوا ، وصاروا يفرقون بين الحق والباطل ، فأطلقهم في الأرض ، وقال لهم : هي الدنيا أمامكم ، فاختاروا من الطرق الأقرب إلى قلوبكم .
ولا تتحسروا على ما فات ...
*****
خليفة الأول .
خليفة الثاني .
خليفة الثالث .
ثلاثة وجوه في وجه واحد .
هو وجهي أنا .
وجهك أنت .
وجه رجل ما زلت لم أره بعد .ربما سأراه .
ربما لا .
ولكن الأكيد أن جزءا من وجه ذلك الغريب ،
سكنني .
متى كان ذلك ؟
لست أدري .
ربما البارحة .
أو ربما منذ الأزل ..
الكتاب الأول
خليفة الأول المكنى بأبي الشامات ينزع
عن نفسه ورق التوت . ويعرض سوأته
على قارعة الطريق أمام كل الناس .
ولا يخجل .
-1-
أحمر شفاه واثمد وقمصان حرير للكلبة
هل تعرفون كيف تساق الكلاب الشبقة إلى المشنقة وهي تستعد لممارسة الجنس ؟
هناك عدة طرق . ولكل طريقته الخاصة التي لا يتقنها غيره .أنا مثلا ، لي طريقتي الخاصة التي برعت في إتقانها حتى صارت مضرب الأمثال . كنت أبدأ بإحضار أدوات الشنق : حبل من مسد ، وسكين من صنع حداد القرية سميكة ومشحوذة من الحدين ، وعصابة صوف . أكدس هذه الأدوات في مكان آمن ، ثم أقوم بجولة لاختيار الشجرة التي سوف أشنق على غصن منها الكلب . بعدها أذهب لتحضير الحطب والقلة . ولا أنسى البهارات واثوم والبصل والفلفل الأسود .
وكلبتي التي تكون وقت السفاد زائغة النظرات ، لا يقر لها قرار . وأنا أداعبها وألبسها قمصانا من الحرير الوردي . وأضع لها أحمر الشفاه . وأكحل لها عينيها بالاثمد . ولا أبخل عليها بما طاب ولذ من المأكل والمشرب .
ثم ألبس بذلة الجزار ، وأذهب إلى الغابة مصحوبا بالكلبة المشدودة إلى يميني بحبل المسد المربوط في عنقها .
كانت إذا رأت الكلاب تترجاني بهريرها أن أطلق سراحها ولو لدقيقة واحدة . وكنت دائم الرفض ، إلى أن أرى الموت في عينيها ، فأطلقها . فتقفز إلى صدري ، وتلحس وجهي ، وتفر إلى الحرية . وأنا ، وقد ملأتني الغيرة حد الانفجار ، أخاف أن تهرب مني ، وتفوت عني فرصة الانتقام .
والكلبة لا تدري ماذا تفعل بزينتها ، ومن تختار ؟ فتعود إلى جواري تطلب النجدة ، فلا أبخل .
ناديتها ، فجاءت تبصبص بذيلها ، وتتمرغ تحت قدمي ، ولعابها يسيل . مسحت على مؤخرتها ، فتمططت ، وعوت وكأن أللذة تخنقها . وعادت إلى العويل ، فظهرت الكلاب ، وخرجت من وراء الأشجار . كلاب كان عهدي بها شرسة . كلاب سوداء مرقطة بالأبيض ، وحمراء في لون قرص الشمس الذابل . وبنية . وكلاب عربية من البادية القريبة من الواحات ، ذات شعر أبيض ناصع كالثلج وكبيرة الحجم . وكلاب صغيرة ذات قوائم معقوفة وتافهة وكلاب هجينة من أم كلبة ركبها ابن آوى . وكلاب وجوهها مدورة وأوداجها أتخمها الشبع ... وأنا أمسح على ظهر كلبتي . أهيجها . أدفع فيها الشهوة إلى أقصاها . فتنظر في وجهي راجية أن أطلق سراحها . والأنشوطة في يدي .والحبل المتين يحز عنقها ، ولا تتألم . والكلاب تراودها عن نفسها من بعيد ، من وراء النخل الباسق . وأنا أترقب وصول كلب رأيت في وجهه صورة أبا الهول . ّأترقب ذلك الكلب لأميته بعد أن يركب كلبتي . أشنقه على غصن شجرة التين التي باركها الرب .
والتين والزيتون .لأشفين منك الغليل أيها الكلب السمين .
حين وصل الكلب الأسود إلى الموقع الذي اخترته هذا الصباح لتنفيذ جريمتي . جريمة الشنق والذبح بمدية مسنونة الحدين . حاصرتني ذكرى الشيطان . فالكلب الأسود في معتقدات سكان الواحات شيطان ابن ألف شيطان . لا تفل في ذبحه سكاكين الأرض جميعها . وتذكرت الكلب الذي ذبحته منذ سنوات بعد أن أطعمته لحما ممزوجا ببنج شديد المفعول يستعمل عادة للتخدير في العمليات الجراحية ، وكيف قام ذلك الكلب ، وجرى والدم يسيل من عنقه المقطوع إلى النصف . وكيف عاش بعنق أعوج أكثر من عام . وكيف هددني أكثر من مرة ، وجرى ورائي ، وبال على أثوابي وأنا أستحم في الترعة . وغازل كابتي ولم يقع في الفخ الذي نصبته له بين فخذيها وهي مازالت جروة لم تبلغ بعد. ولم يمت إلا بعد أن مرت على جمجمته عجلات القاطرة ، وهو ينبح ويجري أمامها فوق سكة الحديد .
التقت نظراتنا مدة دقيقة ، والكلبة تتلوى وتعوي ، وأنا أهدهدها تارة ، وأفتل حبل المسد تارة أخرى . ثم أفرجت عنها .
جرت في كل الاتجاهات كالهارب اليائس من النجاة ، المحاصر داخل دائرة بدون منافذ . ثم عاد إليها صوابها ، فوقفت مهتاجة – جميلة في عيون الكلاب – تفوح من جسدها الأملس السمين رائحة الحب الحادة . وجرت الكلاب نحوها مجنونة . وتقاتلت فيما بينها وهي تغرز أنيابها في اللحم الطري .وجرى دمها من الجراح الفاغرة أفواهها ، وهي لا تكترث لكل ذلك .
والكلب الأسود يراقب المشهد من بعيد بعين حمراء .
والكلاب المهتاجة تقفز في وقت واحد بين فخذي كلبتي . تركبها للحظة ، ثم تسقط عاوية ، نائحة ، مزمجرة . والكلبة ترفض الجماع ، وتغلق أبواب الرحمة في وجوه الجميع . وأنا ، كالكلب الأسود ، أراقب من ناحيتي المشهد المثير للضحك والشفقة والسخط ، وأترقب ساعة الصفر . وحبل المسد يتلوى بين أناملي . والأنشوطة تستوي كأحسن ما يكون .
ثم فجأة لعبت قي رأسي فكرة . مرت خاطفة مرور البرق في السماء وذكرتني بما كنت أفعل في زمن الصبا ، حين كنت وصبيان الحي نلتقي بكلب وكلبة وقد اشتبكا مؤخرة إلى مؤخرة . كنت أستل من جيبي سكينا ومبردا وأقف أمام الكلب الذي أسكرته اللذة . الكلب الذي يرفض ترك قرينته بعد الركل بالأرجل ، والخبط بالحجر ما بين العينين . وأشحذ السكين إلى أن يقدح الشرر ، ثم أمسحها على مؤخرة الكلب ، وبضربة خاطفة أقص ذكره من الجذر .
في العادة ، تكون المفاجأة حادة ، فلا يفيق الكلب من الخدر اللذيذ إلا حين تعوي الكلبة وتفر ، وأير المفجوع في رجولته مغموسا في فرجها . وأرى الكلب وهو يتلوى من الألم ، ويعض مكان الجرح وقد تفجر دما . ثم ينطلق في عدو مجنون إلى نهايته .
قلت : لا .لقد جربت هذه اللعبة ، ولن أكررها الآن مع كلبي الأسود .
إن حساب هذا الكلب أكبر من جرح بين فخذيه ..
- 2 –
الختان
كان عمري أقل من سنتين ، حين انحبس البول في مثانتي صرت أتلوى من الألم ، وأصبح لون بدني في زرقة سماء الصيف . وانتفخت مثانتي حتى صارت في مثل كرة المضرب . وركبتني الحمى ، فامتنعت عن الأكل وعن الرضاعة .
وأعولت نساء الدار : الأخوات والعمات والخالات .
وافتقدت يومها حنان أمي .
طلب رجل من أبي أن يصحبني إلى المستشفى ليقص الطبيب قلفتي ، فلا دواء لمرضي إلا الختان . زمجر أبي وهدد الجميع بالطرد من المنزل إن هم عادوا إلى مثل هذا الكلام .
قال : كيف أترك كافرا نصرنيا يطهر ولدي وان كان طبيبا وركب حصانه الذي سار به خببا ، وذهب يبحث عن عبد المؤمن الطهار .
حين عاد أبي إلى الدار كانت الشمس تودع الكون . وكنت في الرمق الأخير .
لم أدر كيف فتح الرجال فخذي لينجز الشيخ شبه الضرير مهمة قص القلفة وهو يقرأ الفاتحة ويستعيذ بالله من الشياطين .
ولم يكتف مقص الشيخ بالقلفة فقط ، وإنما قص معها نصف الذكر أيضا . حينها فار الدم ، وانساب مع البول على وجه الشيخ ولحيته الطويلة .
كان الخليط سخنا ، مالحا ، نتنا عكر جو الغرفة ، وملأها قرفا .
وأغمي علي ، والشيخ يضمد الجرح ، ويضع فوقه مزيجا من السواك والطمي والتراب المستورد من زاوية سيدي عبد القادر الجيلاني إلى أن صارت عانتي كدسا من التراب الممزوج بالدم والبول .
كانت الزغاريد التي انطلقت ساعة القص قد خمدت بعدما سمعت النسوة الخبر المؤلم . وكان الشيخ عبد المؤمن قد هرب من الدار راجلا دون أن يزدرد من الكسكسي ولحم الخروف .
وظل حصانه في ساحة المنزل يحمحم ويضرب الأرض بحوافره .
وجاءت أمي . وضعتني في حضنها ، وطارت بي إلى السماء السابعة .
حين أفقت ، عند منتصف الليل ، كان البول قد عاد إلى الانحباس ، فعدت إلى الصياح والأنين كلما زاد ألم الجرح في عذابي .
في الصباح ، ما عاد أبي يحتمل صياحي ، فوافق على اصطحابي إلى المستشفى .أركبوني عربة يجرها حمار . ورافقتني واحدة من زوجات أبي . تلك التي ما عاد يطأها لكبر سنها ولزهده فيها .
سار الحمار وئيدا ليقطع بنا مسافة عشرين كيلو متر خلال نصف يوم .
عندما وصلنا المستشفى ألبس أبي عجوزه نقابا ، وتركها تحت الحائط ، كومة من السواد . وساقني أمامه . دببت دبيب النمل ، منفرج الساقين . وهو يراقبني ، ويرفض حملي في حضنه أو مد يد المساعدة ، إلى أن نهره الطبيب أمام باب العيادة :
هل قلبك من حديد أيها الرجل ؟
حين وضعني الممرض على طاولة العمليات ، ورمى الخرق الملوثة بالدم الذي تخثر وأنتن ، صاح ، ثم أغمي عليه وهو يرى دودا صغيرا يدب فوق الجرح .
وجاء الطبيب ، فوجد الذكر مقصوصا إلى النصف ، فجن جنونه ، وصار يرطن بفرنسية امتزجت بكلام عربي مكسور .
سب الطبيب أبي . وسب الطهار والطهارة والمتطهرين .وجاءت سيارة الأمن ...
بقيت في المستشفى نصف شهر إلى أن برأ الجرح . وخرج أبي من السجن فرفض النظر في عورتي وهو يردد كالمجنون : ما هذا الطفل بولدي .
ولم يكلمني إلى أن مات .
- 3 -
يوم وضعت حبل المشنقة في عنق أبي الهول
... وتستمر المسرحية أمامي . أبطالها كلاب شبقة ، ورجل مجنون يشاركهم فصول اللعبة . والكلب الأسود يتحدى الجميع بسكونه وصبره إلى حين تلتقي نظراته بنظرات الحنان والرجاء في عيني الكلبة ، فيتقدم نحوها في هيبة سلطان يحتفل بتتويجه .
وتفر الكلاب من أمامه، ولا يبقى فوق الركح سواهما .فيتقدم نحوها ، يتشممها ، ثم يدور حولها ، ويرفع قائمته الخلفية ، ويبول في وجهي . ويعود إلى شم الكلبة . ويبدأ طقس الغرام . يعضها من عنقها عضا خفيفا وهي تهر وتعوي . وأنا أدري إن كان عواء اللذة أم الألم . ويبول الكلب في وجه العالم ، والكلبة تترجى الوصال ، وهو يمانع ، إلى أن تركبه ، فيعوي عواء حادا فيه تهديد ووعيد. وتخاف كلبتي فتعود إليه ذليلة . وأنا والكلاب الأخرى كونا دائرة قرب الركح . وتضيق الدائرة ، وتضيق إلى أن رأيته يستل سيفه ويغمده بين فخذي الكلبة بلطف وحذق وهو يرهز رهزا خفيفا مدة طالت في نظري دهرا ، ثم يهبط على الأرض ومؤخرته تضرب مؤخرتها ، وريقه يسيل ... تركتهما هكذا وذهبت ... كومت الحطب كدسا كبيرا ، وسكبت فوقه قليلا من البنزين ، وأشعلت النار . طقطقت أعواد الزيتون الجافة ، وارتفع اللهب أحمر وأزرق . وبدأت أدق الطام طام كما في أفلام الهنود الحمر ، وأرقص ، ثم تجردت من ثيابي . رميتها فوق اللهب ، ورقصت حولها وهي تشتعل إلى أن سال عرقي غزيرا . والكلبان المشدودان إلى بعضهما بالعروة الوثقى ، يرقبان المشهد . رأيت في العيون البراقة هزءا ممزوجا بالخوف ، فقلت : لن أفوت هذه الفرصة . أجذت الأنشوطة ، وتقدمت نحو الكلبين المتشابكين بدون فكاك . اقتربت منهما بخطى ثابتة ، والكلب الأسود ينظر في عيني . رأيت رجاء في عيني كلبتي ، فكدت أعود وأسكب ماء باردا على نار جهنم . إلا أنني تذكرت الكلب الأسود وهو رابض فوق صدري ، وقد تحول إلى قبر . رأيته يبول على شاهدة القبر ، ويعود ليربض من جديد فوق الصدر ، فوق القبر ، كما يربض أبو الهول . وسمعت هريره الخافت من جديد .
التفت إلى نار الله الموقدة وقلت : لأشوينك فيها يا ابن الفاعلة . رأيت عينيه المفزوعتين يداخلهما الرعب ، وأنا أقترب منه ، وأمسح على مؤخرته السمينة ... وهبطت على قلبي السكينة حين وضعت الأنشوطة حول رقبته . ونظرت في وجهه ، فاختلطت علي الوجوه . وجه أبي يتكرر آلاف المرات ، ويختلط بوجوه الكلاب التي تدور حولي وتعوي . وتتظخم هذه الوجوه ، وتكبر إلى أن صارت في حجم أبي الهول . قلت : ستموت ميتة الكلاب يا أبا الهول . أنت ، أيها الذي جعل العالم يضحك على ذقوننا دهرا كاملا . وجررت الحبل كما يجر الساقي حبل الدلو فوق بئر الماء . استطال عنق الكلب ، وارتفعت القائمتان الأماميتان ، ثم المؤخرة المربوطة بالعروة الوثقى إلى مؤخرة الكلبة ، فبطنها ، فقائمتاها الأماميتان . وخرج لسان الكلب ، وجحظت عيناه حتى انفلقتا .
وسال بوله تحت شجرة التين وهو يتخبط في الفضاء ما بين السماء والأرض ، ويحرك قوائمه وكأنه يسبح في بحر متلاطم الأمواج . ثم بدأت حركته تخف و تخفت إلى أن همد ، ومد لسانه طويلا ، أزرق .
تركت الحبل يسقط ، فسقطت الكلبة أولا ، ثم تلتها جثة الكلب الذي بدأ يتحول رويدا رويدا إلى بني آدم ... إلى أن استوى إنسانا كاملا .
أهويت بالسكين على عروق الرقبة النابضة بخفوت ، ففار الدم غزيرا ، وسال فوق الحشائش ، ثم تخثر فوق التراب .
جررت الجثة كما هي ، وأنا لا أدري إن كنت ذبحت كلبا في صورة إنسان أم أنني ذبحت إنسانا وقد تحول إلى كلب ورميت بالجثة فوق النار الملتهبة ، وجريت إلى الوادي أتطهر من هذا الرجس .
ثم انخرطت في بكاء محموم ....
- 4 -
أبي يعشق روائح الند والبخور خاصة في بيت نومه .
في كل المنازل كان الرجال يعاشرون امرأة واحدة .
زوجة أحلها الشرع والقانون ، ولا يتعدون لثانية أبدا آلا بوفاة أو طلاق . فقد حرم رئيس الجمهورية السابق المجاهد الأكبر فخامة الرئيس الحبيب بورقيبة تعدد الزوجات في تونس بمرسوم رئاسي صدر بالرائد الرسمي للجمهورية ، وصادق عليه مجلس الأمة الموقر بإجماع أعضائه ، وباركته الدول المتقدمة ومجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة . وصفق له المغفور له – كمال أتاتورك – في قبره .
أما في منزلنا ، فقد كان أبي يعاشر من النساء الشيء الكثير . جرب الحضريات ، كما جرب بنات البادية . وبنى بالتونسيات كما بنى بالطرابلسيات ، اللاتي هربن مع أهاليهن من أهوال حرب الطليان . وجمع في المنزل ما لا يحصى ولا يعد من المغربيات اللاتي سكن مناجم الفوسفاط واقتنى من الجزائريات من بنات القبائل خاصة ، اللاتي جئن مصاحبات للرجال والأبناء في قطارات الشركة، طلبا للرزق والأمان . فسكن في الأحياء الفقيرة ، في مدن ولاية قفصة الحالية . وبما أن مردود العمل في المناجم كان ضئيلا فان الأهل كانوا يفرطون في بناتهم . ، ويعرضوهن على كل طالب قرب ، خاصة إذا كان الطالب ميسور الحال .
كان أبي يردد في كل المناسبات : الرب من فوق سماواته السبع مكنني من أربعة ، وما ملكت يميني ، أنكحهن أنى شئت ، فكيف يحرمني العبد من ذلك ؟
ودخل السجن في هذا الأمر أكثر من مرة .
كان يتحايل على القانون وعلى الشرع . كأن يطلق الواحدة ، ويبعث لها بورقة الطلاق الممهورة بختم المحكة الشرعية ، ثم يراجعها سرا على أيدي جماعة من المؤمنين ، كما في عهد الصحابة . ويولم لهؤلاء الجياع ، فيأكلون الكسكسي ولحم الخرفان السمينة ، ويعود أبي إلى فراش زوجته وكأن شيئا لم يكن .
في تلك السنين البعيدة ، وأنا صغير ، خطرت ببالي فكرة لا أدري من أين جاءتني . كنت أظن أن المرأة تلد زوجها . وحيرتني كثيرا حالة أبي . فعندما بدأت أعي الحياة ، كان بمنزلنا امرأة من قبائل الهمامة ، وواحدة من الفراشيش ، وطرابلسية ، وواحدة بربرية من تيزي وزو .
كانت الأمور تختلط كثيرا في رأسي . فمن من هؤلاء النسوة ولدت أبي ؟ وكنت في الغالب أرجح البربرية لأنها أصغرهن وأجملهن . وكان أبي يقربها كثيرا . وكنت أخجل حين أراه يقرص خدها ، فيحمر وجهها خجلا وتقول له :
- الصغير يراقبنا يا رجل . فتفلت من بين شفتيه سبة ، ويقذفني بما في يده ، فأهرب وألبد وراء الهمامية التي كبرت وترهل جسدها حتى صارت لا تقدر على المشي إلا بصعوبة ، فتحتضن في الابن الذي لم تنجب وتقول : ألم أنصحك بعدم الاقتراب من ذلك الوحش . إلا أنني كنت أخالفها دائما ، فأعود إلى المراقبة ، ويعود غلى السب والشتم .
كان ينام كل ليلة في بيت واحدة من زوجاته . فإذا كانت ليلة المرأة الهمامية ، كان يشخط ويثور في وجوهنا لأتفه الأسباب ، فنكرهه لذلك ، ونتمنى له الموت الذي لم يأت . وحتى يجيء الموت ، كنت وبقية إخوتي الذكور ننتقم منه بطريقتنا الخاصة ، فنزرع فراشه إبرا ومسامير نلتقطها من الشارع أو من أمام مستودعات شركة الفسفاط . ونذهب إلى النوم باكرا لتهاجمنا الأحلام المزعجة . فنراه وقد تحول إلى حيوان بري كبير له وجه إنسان وجذع أسد . وفي الوجه فم واسع له أنياب حادة كأنياب الكلب . وعلى كامل الجسم مسامير وابر.وتظل تلك الأحلام تلازمنا إلى أن نفيق في الصباح ، فيحكي كل واحد منا لإخوته ما أفزعه في الليل الفائت ، فنحس وكأننا حلمنا حلما واحدا .
أما ليلة البربرية ، ففيها يختلف الأمر كثيرا . يذهب أبي إلى الحمام في العشية . يأخذ معه الثياب النظيفة ويملأ قلبه بالفرح والانشراح . يقضي ثلث الليل الأول خارج البيت ولا يعود إلا عندما تكف الأرجل على ارتياد الحوش . يأتي محملا بالهدايا : الحلاوة الشامية واللوز المحمر وثمار الفصول : عنبا وبطيخا ، وموزا وبرتقالا وتفاحا . ويتزوج الطفلة وكأنها عروس زفت إليه في تلك الليلة . يكون البنت قد ذهبت إلى الحمام منذ القائلة ، وتزينت بألطف زينة ، ورشت سريرها بالعطور ، وأشعلت كانونا ورمت فوق الجمر بخورا ، وأحرقت أعواد الند . كان البيت يتحول في تلك الليلة إلى سوق للعطورات . وكان أبي يبدو في الصباح الموالي مذهولا ، وكأنه فقد عقله يقرأ الأشعر الغزلية ، ويتنهد .ثم حين يعود إلى الرشد يذكر المجنونة ويبكي ...
08-أيار-2021
31-آب-2007 | |
31-تموز-2007 | |
09-تموز-2007 | |
19-كانون الثاني-2007 | |
03-كانون الثاني-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |