شهواتٌ مجهولاتُ الهُويَّة
ريتا الحكيم
2019-06-08
المرأةُ التي تعضُّ ماضيها إلى أن ينزفَ، وتندلقَ أحزانُها على قميصهِ.. عاقرٌ، تدفنُ رحمَها في الرِّمال، وتمارسُ الحُبَّ مع أحلامِها؛ لتنجبَ منها شهواتٍ مجهولاتِ الهُوِّيةِ.
كلَّ ليلةٍ تُقرض البحرَ إحداها، وتهمسُ له:
تجمعُنا العتمةُ، وتفرِّقنا الظِّلالُ.
*
المرأةُ تلك، بعيونِها الكثيرةِ،
وخطواتِها التَّائهةِ عن جادَّة الحبِّ،
تثيرُ حفيظةَ الموتِ
لأنها لا تتقنُ لغتَهُ
ولا تقرأ رسائلَهُ المطبوعةَ
على جسدِها النَّحيلِ،
إذ لطالما كرهت أروقتَهُ الطَّويلةَ،
وارتطمت بجدرانِها في كل عبورٍ
*
ماذا لو تبادلنا الأدوارَ، تخرجُ هي مِنَ المرآةِ، وأدخلُها أنا؟
ستورقُ كالشَّجرةِ،
وينبتُ في رحمها أطفالٌ يشبهونكَ
يتحصَّنونَ خلفَ كوابيسِهم
ويرجمونكَ بحجارة النَّزقِ.
*
ماذا لو دخلتَ أنتَ مرآتَها، وطليتَ وجهكَ بشحوبِ ألوانِها؟
ستعرفُ حينها أنَّكُّما لن تتعادلا في الأوجاعِ،
ولن تتقمَّصَ صراخَها وهي تتلوَّى على صفيحِ الحياةِ المُلتهبِ.
في انعكاسِكَ المخادعِ على مرآتِها،
تبدعُ في شق طرقٍ ملتويةٍ وسطَ
غبشِ الحقيقةِ في عينَيها.
وأنا بحقيقتي الناصِّعةِ أتشظَّى في مرآتكَ،
وتبقى أنتَ شاهداً على سفكِ دمي، ودمَها.
*
للفراغِ مدىً تتكاثرُ فيه أحزانٌ تجرُّ وراءها نساءً يُلقِّمنَ الوحدةَ أثداءهن؛ فتتحوَّلُ إلى شجرة لا تطرح اخضراراً،
تقفُ في العراءِ كما الضَّوء،
مرغماً، يُعاقِرُ خمرتَها،
يستأنسُ بانعكاسِ ظِلِّهِ
على جَبينِها الباردِ.
*
المرأةُ الحرَّةُ طفرةٌ في زمنِ العبوديَّةِ
وكلُّ الخطوطِ البيانيَّةِ التي رسمَتها شفتاكَ على جسدِها
كانت أسلاكاً شائكةً انغرزتْ في عُنقِ أفكارِها
ولم تنتبه يوماً أنَّ جدرانَ عُزلتِها
تتأوَّهُ وتبكي بصمتٍ،
كلَّما مرَّرتْ أصابعَها الباردةَ على ندباتِها.