الأسد وبوتين والتأثير الفلسفي المتبادل
خطيب بدلة
2019-08-24
لا شك في أن نظام الحُكْم الروسي البوتيني غليظ، وسمج، وثقيل الظل، ولكن تصرّفاته تنطوي، في أحيانٍ كثيرة، على طرافة؛ فقبل بضعة أيام، سخر المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، غينادي غاتيلوف، من البيانات التي تقدمُها هذه المنظمةُ الأممية عن المدارس والمستشفيات التي تعرضتْ للقصف والتدمير في محافظة إدلب من نظام ابن حافظ الأسد والروس. وقال: تشير بياناتُكم إلى إنه، في يوم محدد، دُمِّرَتْ مدرسة، أو مستشفى، في منطقة ما، ثم تقدّمون الإحداثيات لمن يهمه الأمر.. ولكن، حينما أراد موظفونا التأكّد من صحة ذلك، توصلوا إلى أنه لا يوجد مستشفى في ذلك المكان، ولا مدرسة!
لو شئنا البحث عن مصداقية غاتيلوف الدبلوماسية، لوجدناها ماثلة في تباين الأزمنة، فالأمم المتحدة تتحدث عن مستشفى ومدرسة كانا موجودين قبل القصف، وهو يتحدّث عن أبنية لم تعد موجودة بعد القصف، والمفروض بالأمم المتحدة أن تتوخى الدقة، وتعلن أن هذه الإحداثيات لا تدل على شيء سوى الأنقاض، وهي أنقاضٌ خالية من الجثث، فمن المستبعد، منطقياً، أن تتكاسل منظمات الدفاع المدني المحلية في إخلاء القتلى والجرحى إلى حين أن تستيقظ الأمم المتحدة من سباتها، وتوعز لفرقها الطبوغرافية بضرورة المباشرة في تحديد الإحداثيات.
هذا يؤكد لنا حقيقة دامغة، أن ثمة حرباً معلنة بين الحالتين، التعليمية والصحية، الخاصتين بالمدن الصغيرة الواقعة في أرياف حماه وإدلب وحلب من جهة، ونظام فلاديمير بوتين من جهة أخرى، وهي حربٌ غير متكافئة، إذ لم تسلمْ مدرسةٌ أو مستشفى، ضمن هذه المناطق، من القصف الروسي، بينما لم تستطع هاتيك المدارسُ والمستشفياتُ إلحاق أي نوع من الأذى بالجانب الروسي.
يمكن القول، تماشياً مع المنطق السليم، إن الفريق العسكري التابع لنظام ابن حافظ الأسد سبق له أن تَعَمَّقَ في دراسة العملية الروسية الكبيرة التي أدت إلى إخضاع الشيشان، بعد تهديمها فوق رؤوس ساكنيها، فتأثر بها وأعاد إنتاجها في درعا وريف دمشق وحلب وإدلب وحماه ودير الزور.. ولكن ما جرى ويجري على أرض الواقع يُرينا أن بوتين هو المتأثر بشخصية ابن حافظ الأسد وفلسفته القيادية، وليس العكس، فابن حافظ قال، في بداية الثورة، وكأنه يرد على سميح شقير الذي غنى "اللي بيقتل شعبه خاين"، إنه من غير المعقول أن يقتل رئيسٌ ما في العالم شعبه. وابتسم وأضاف: هل هذا معقول يا سادة؟ أنا، بصفتي رئيساً لسورية أعرف أن من واجب الرئيس أن يحمي شعبه، لا أن يقتله. بصراحة؟ إن الرئيس الذي يقتل شعبه مجنون. وبمجرد ما لفظ كلمة "مجنون" انفلت بالضحك، وكأنه تذكر تلك اللحظة التاريخية العائدة ليوم 30 مارس/ آذار 2011، حينما خطب في مجلس الشعب، وبين كل جملتين والثالثة كان أعضاء مجلس الشعب ينهضون من أماكنهم ويهتفون بصوت واحد مثل كَوْرَس الإذاعة: بالروح بالدم نفديك يا بشار، الله سورية بشار وبس.. فما كان منه إلا أن خاطب أعضاء الكورسَ، عفواً أعضاء المجلس، ارتجالاً، بعبارة: أنتم تقولون الله سورية بشار وبس وأنا أقول ألله سورية وشعبي وبس. وحينما سئل، في مقابلة أخرى، عن حقيقة استهداف وحدة عسكرية تابعة لجيشه مئذنةَ جامع في ريف دير الزور، قال: تعالوا ننظر إلى المئذنة التي يتحدّثون عنها في الإعلام المأجور، زاعمين أن جيشنا الباسل استهدفها، لنكتشف حالاً أنها مصابة في قسمها الأعلى. أنا من جهتي، وبصفتي ضابطاً في الجيش، أعرف أنه لا يجوز ضرب مئذنة ما بقذيفة مدفع إلا إذا كانت مجموعةٌ إرهابية مختبئة في داخلها، والقسم العلوي من المئذنة، سيداتي سادتي، يتسع لإرهابي واحد، ومن ثم يجب التسديد على القسم السفلي بحيث يتم قتل أفراد المجموعة الإرهابية، إن وجدت، بالكامل.