لا يمكن أن تكون سورية ديمقراطية
خطيب بدلة
2019-09-07
يحلو لأخيكم، كاتبِ هذه الزاوية، أن يناقش أفكاراً استقرّتْ في أذهان الناس بالسماع والارتجال، وأمسوا يعتبرون مناقشتَها أمراً سابقاً لأوانه، أو أنها ثانويةٌ لا تستحق إهدار الوقت فيها. مثلاً: سمعتُ، مرّة، من معارض سوري، أنه لا يمكن أن تصبح سورية دولة ديمقراطية، لأن أميركا، ومعها الدولُ العظمى التي تنعم بالديمقراطية، لا تريد ذلك. الفكرة نفسها سمعتها من محلل سياسي سوري، أكد أن إسرائيل هي التي لا تريد أن تكون سورية ديمقراطية، ومعلومٌ أن إسرائيل كلمتُها مسموعة لدى الدول العظمى، وهذه الدول، مجتمعةً، سوف تمنع إقامة نظام ديمقراطي في سورية، حتى ولو بالقوة، مثلما فعلتْ أميركا وحلفاؤها مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
بداهةً: لا يمكن أن تنقلب دولةٌ ما مِنْ صيغتها الديكتاتورية إلى الصيغة الديمقراطية، هكذا، فجأة، أو من دون مقدمات، أو من دون إرادة وسعي وعمل. وفي ما يخص سورية، يبدو أن جميع الأطراف السورية غير جادّين في موضوع "الديمقراطية"، حتى وإن تحدّثوا عن توفر هذه الرغبة لديهم. نظام حافظ الأسد ديكتاتوري، بالطبع، بل وفاشستي، وإذ تتجه الأنظار نحو المعارضة، تطالعنا معضلةٌ كبيرة جداً، وهي أنه لا توجد في سورية معارضةٌ بكل ما تعنيه الكلمة. كانت ثمّة أحزاب قليلة عارضت نظام حافظ الأسد، كحزب العمل الشيوعي، والمكتب السياسي، والبعث الديمقراطي، والإخوان المسلمون... وقد فتك حافظ الأسد بهذه التنظيمات، ومزّقها، فلم يبقَ منها على سطح الأرض سوى أشلائها.
في المحصلة، بقي في سورية أشخاصٌ معارضون، وهؤلاء إما غير مرتبطين بأحزاب، أو أنهم كانوا في أحزاب معارِضة واختلفوا مع قياداتها بالرأي فانسحبوا منها، أو منتسبون إلى أحد أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ولكنهم يعارضون نظام الأسد، وأحياناً ينتقدون سياسة أحزابهم لمهادنتها النظام. وتجدر الإشارةُ هنا إلى أن المعارضين السوريين الحقيقيين تجرّعوا كل أنواع البطش والتنكيل في المعتقلات، واشتهوا الموت مراراً ولم يبلغوه.
مفهوم "المعارضة"، كما تعلمون، خاصٌّ بالدول التي يصل فيها حزبٌ أو تيار سياسي ما إلى السلطة، خلال الاستحقاق الانتخابي الدَوْري، ويقعد في الحكم أربع سنوات، وسطياً. وخلال هذه المدة، تعارضه الأحزاب والتيارات السياسية التي لم تفز بالانتخابات... وفي الدول الديمقراطية، يذكرون كلمة "انتخابات" مجرّدة، من دون أيِّ شرح أو توضيح. ولكننا عندما نتحدّث عن انتخابات سورية، يجب أن نضيف إليها عبارة "حرة ونزيهة"، ليقيننا بأنه يستحيل أن تشهد بلادُنا انتخاباتٍ غير مزورة. وهذا طبيعي، إذا علمنا أن نظام الحكم الأسدي كله مزوّر، قائم على اغتصاب السلطة بانقلاب عسكري. وبالمناسبة: نظام حافظ الأسد من أكثر الأنظمة المهووسة بإجراء الانتخابات، وهو الأكثر مقدرةً على تزويرها، واستعداداً لتغيير نتائجها عند الطلب، وفي وقت الحاجة. وهذا من أبرز تجليات الديكتاتورية والاستبداد.
من جهة أخرى، يُلاحظ أن الأحزاب (والأيديولوجيات) التي أتى منها المعارضون إما دينية أو شيوعية أو قومية، وكلها تقوم على قطيعةٍ مع "الديمقراطية"، وإن كان بعض المنسحبين أو المفصولين من هاتيك الأحزاب قد تَلَبْرَلُوا وانحازوا إلى الديمقراطية، فقد ظلت رواسب الماضي ترتع في أعماقهم، وتظهر في تصرّفاتهم... ومَنْ عمل في مؤسسات المعارضة السورية خلال بضع السنوات الماضية عرف ذلك وعاينه عن كثب.
الآن: لو تركنا النظامَ الديكتاتوري والمعارضة جانباً، وأتينا نبحث في تركيبة المجتمع السوري لوجدنا أنه مجتمعٌ يكرّس سلطة الأب تجاه الأسرة، وسلطة الذكر على الإناث، ومن تجليّات هذه الذكورية، على سبيل المثال، ارتفاع نسبة ذبح الإناث أو ما تسمى "جرائم الشرف".
نصل هنا إلى السؤال الأهم، والأعظم، والأخطر، وهو: إذا كان العالم كله يوافق، أو لا يمانع في أن تكون سورية دولة ديمقراطية، هل نريد، نحن السوريون، أن تكون سورية دولة ديمقراطية؟ بالطبع لا.
العربي الجديد