ميديا .. يا ماما ...ميديا
مديحة المرهش
خاص ألف
2019-10-01
منذ سنوات طويلة كنت مثل كثير من السوريين أتابع برنامج ( أوبرا ونفري ) ربما لأننا بجيناتنا و مورثاتنا الطبيعية نحمل كمّاً من الحنان و العواطف خاصة لأولئك المغلوب على أمرهم من فقراء و مستضعفين أو المعذبين في الأرض، أو ربما حبّا بإنسانية تلك المرأة السوداء الجذابة و ما تقدمه من خدمات و عواطف و أموال ببذخ ظاهر و محبب نفتقده نحن في بلادنا أو حتى لا نعرفه.
كنت حريصة على ألاّ تفوتني أي حلقة من ذلك البرنامج ...كنت أتابعه بحب و أندمج مع المشاهد العاطفية، و لطالما ذرفت الدموع سخية تعاطفاً مع ما كنت أراه، و لكن و في كل مرة كان ابني يقبض عليّ متلبسة بذرف دموعي أمام شاشة التلفاز ينهال عليّ بشبه توبيخات و تهكمات مبطنة: ماما ... يا أمي ..يا يما.. هذا هراء ... ميديا.. يا ماما.. ميديا .. يكفي ...خبئي دموعك لمناسبات حقيقية.. طبعا لم أكن أكترث لما يقوله و أتابع.
منذ شهر تقريباً ..و أنا أقلب صفحات الأصدقاء على فيس بوك ..استوقفني عدد اللايكات ( الإعجابات الذي وصل إلى أكثر من ألفين و كمية التعليقات التي لم أرَ بحجمها ) لصورة عند صديق لصديق... الصورة هي لشخص يرتدي بدلة عسكرية و يركع منحنياً على الأرض كما في الصلاة لتدوس على ظهره امرأة ترتدي ثوباً طويلاً و حجاباً عادياً (أقصد غير متزمت )..و بجانبه يقف شخص آخر يأخذ بيد السيدة التي صوّرت و هي تهمّ بالنزول من شاحنة أو سيارة عسكرية عالية ..لم أعد أذكر بالضبط.
قلت يا ألله ما أجمله من منظر إنساني بديع ... و لحظتها تذكرت كلمات و تعليقات ابني الساخرة ...ميديا يا ماما ميديا ... و قلت في نفسي: ربما هي فوتوشوب أو تمثيلية ما لكسب تعاطف السوريين و شدهم نحو الجيش السوري، و لكنني أبعدت الفكرة من رأسي ..و أنا أقنع حالي بأن هذا حقيقي و إنساني ... و لمَ لا ؟! و لأنني عاطفية و أحس بالفخار اتجاه بلدي و أبنائه رحت أؤكد لنفسي بأنه ليس من المعقول أن يكون كل الجيش سيئاً و بدون أخلاق ... أليس هؤلاء أبناؤنا .. ألا يعقل أن يكون بين عناصر الجيش شرفاء و نبلاء... و كثير من ( هل ) وردتني و أنا أقرأ التعليقات بنهم ... و تابعتها رغم أن جميعها كانت موالية للجيش العربي السوري و كلها بمعنى الشكر و الإشادة و التبجح بأخلاق الجيش السامية: الله محيي الجيش .. هللويا ...والله ينصر الجيش السوري ... و يحيا الرئيس العظيم بشار الذي رسّخ القيم العليا الإنسانية و العزة في صدور أولئك البواسل.
كان صاحب البوست و الصورة يجيب على التعليقات و يشكر أصحابها بهمة و نشاط غريبين... أكثر من ألف تعليق...و بدأ الملل ينتابني إلى أن صادفتني تعليقات ثلاث من شاب عراقي قال بما معناه: صديقي ..و يقصد صاحب البوست .. هذه الصورة عندنا في العراق .. و هذا الراكع على الأرض هو عراقي ... و هذا الطقس الاجتماعي أو التقليد لا يخص إلا العراقيين...هو عراقي بحت، فحينما تريد المرأة النزول من سيارة عالية نقوم بهذه الحركة كيلا يرتفع ثوبها بشكل غير لائق.... هنا توقفت لأرى ردة فعل (متلقي التهاني ) و ما سيجيب و كيف سيبرر ... و لكنه قال بالحرف الواحد ( شكراً).. و تابع رده على التعليقات متقبلاَ التهاني و كأن شيئاً لم يكن.. الله محيي الجيش....رجعت مرة أو مرتين خلال أيام لأرى إن توقفت التهنئاتٍ و التبريكات ...لكن دون جدوى.. لا حياء ...لا حياء لمن تنادي؟!
كل الحق معك بنيّ ... ميديا ..يا ماما ...ميديا.