قراءة في (صديقي العزيز كافكا) لفيليب تيرمان / ترجمة
صالح الرزوق
خاص ألف
2019-11-09
يتألف الكتاب من ١٤٤ صفحة. و من تمهيد خاص كتبه الشاعر للطبعة العربية من أشعاره ثم مقدمة. ويتبع ذلك ٢٨ قصيدة مترجمة من أشعاره.
يشير تيرمان أن علاقته بكافكا بدأت من محاضرات ألقاها في براغ Prague ضمن ما يسمى بالأدب العالمي. و هو يعتقد أن هذا هو الباب الذي يمكن أن يمر منه.
فهو شاعر ينظر إلى الفن على أنه ذات. و لكنها ذات عامة. خصوصيتها تأتي من تلاقيها مع بنات أفكار تشترك فيها البشرية. و هذه هي النقطة التي تجمع و تفرق.
إنها تمايز بين الأساليب و الأدوات و تؤالف بين الأفكار و الأهداف.
و بما أن موت الإنسان خدعة فلسفية، لا مجال للإيمان بها، يعمل الشعر على ترميم الفراغات و العطب و اليأس و الندم و حتى أنه يفند مشكلة طلب المغفرة.
فالإنسان لا يمكن أن يخطئ لأنه يتصرف وفق دوافع و احتياجات. و الخطأ يكمن في طريقة توجيهنا لتلك الدوافع.
إن الأخطاء فكرة مزيفة باعتبار أنها تفترض أن الصواب فكرة مطلقة.
و لذلك لم يكن للقواعد وجود حقيقي إلا في ذهن العقل الذي يعمل على التبشير بها.
و من هذه النقطة تبدأ المقدمة.
فالشاعر فيليب تيرمان حسب ما ورد في المقدمة عبارة عن جملة من الأفكار التصوفية الغامضة و التي لا يمكنها أن تنتهي. بالعكس إنها غالبا ما تعمل على البحث عن مزيد من الغموض و التعقيدات التي تنتظرنا في منطقة مغلقة. هي منطقة الأسرار و الأحلام أيضا.
و بهذا المعنى تكون الأفكار العامة و المشتركة سرا يصعب الاعتراف به. مثلما هي الأحلام رغبات دفينة لا نستطيع التمكن من تحقيقها.
الحل؟..
سؤال لا يفكر به تيرمان و لكن يجيب عليه.
إنه يتحرك على أرض من محورين: الإيمان و هو نوع من القناعات التصوفية التي يسعنا التفكير بها. أو الشك فيها. و كلما أوغلنا بالإيمان زادت الرغبة في إلقاء مزيد من الشكوك. حتى لا تنتهي ذخيرتنا من القناعات أن الإنسان مشروع و أن محتواه قيد التحقيق.
المحور الثاني هو الطبيعة. و هي ليست سكنا أو مستقرا للشاعر و لكنها ضياع و فقدان. لأنها دائما خارجة عنه. و هو يحاول أن يعود إليها.
و ما لم يتحقق الاندماج. و يتحول الطرفان إلى جوهر واحد لن تنتهي رحلتنا نحو الوجود.
و يضيف الشاعر فيليب تيرمان من خلال القصائد المترجمة لغزا إشكاليا لهذه الحالة.
إنه يساوي بين المادة و المعنى. و يفصل العلاقة بين الإنسان و جسده.
فالجسد هو النور الذي يتشكل فيه الموضوع فقط.
يقول في قصيدة (في هذا الضوء الجسدي):
حتى العثور على مدينة
هي ليست لك، عالم من خبز و خطابات بليغة
فيه تختفي ثم تدان
بسبب الضوء القادم من مسافتك الجديدة. (ص ٣٥).
و يقول في قصيدة ( كتاب هو جسدها):
هذا الجمال لن يبقى في مكانه
و لكن انت تبحث عن إذن نهائي
لتشارك في الشيء مهما كان
وهو الذي يبدع لنا هذه اللحظة (ص٣٩).
إن أفكار تيرمان تحتاج لعقيدة خاصة لا ترتبط بحدود ثابتة . أو إيديولوجيات. و خلفها يمكننا أن نرى محتويات ما نسميه الجنس البشري أو الأنسان.
و أقوى مثال على ذلك قصيدته عن الشاعر الإيراني زوهراب سيبيهري الذي يقتبس منه. و في نفس الوقت يدعو نفسه للانفصال عنه.
فالأثر ليس هو الأصل. و المتلقي ليس هو النسخة. و لكنه المبدع الذي يعيد إلينا شخصية سيبيهري كما يراه.
سيبيهري البريء من حافظ و الشيرازي و المفقود في ثقافات أنغلو أمريكية تعيد إليه معناه أو جوهره.
و في رأس القائمة الحرية.
و بضوء هذا التفسير يكون الاغتراب نوعا من الأغلال الحرة. أنت حر في استعمال جسدك. و لكنك لست حرا في فرض معنى استخدامك له.
ولذلك أيضا يكون للعذاب معنى مختلف. إنه جزء من اكتشاف اعتباطية السعادة و محدوديتها.
وبهذا المعنى يقول في قصيدة ( أن تكون زوهراب سيبيهري):
كم يساوي عندك رطل السعادة؟
الحياة وردة وصلت بسلطتها إلى الأبدية.
دعنا نزرع شجرة على كل زاوية من خطاباتنا.
فأنا أحتاج للتوقف عن كتابة كلماتك يا زوهراب،
و إلا ستكون أشعاري بالضبط صورة عن قصائدك–
و قناعاتي، حتى في الترجمة،
سوف تودي بي للاعتقال، كما هو حالك الآن:
قلبي مترع بالنوستالجيا
لليعاسيب، ولصوت
الحب النقي الذي ينسلخ تقريبا عن جلده.
انظر كيف بسهولة أنسج سطورك بين سطوري–
حافظ، الرومي، الخيام: الأصول الفارسية،
ذهن يكتب بشكل مختلف، و كل ما أفعله هو الوقوع
بالحب مع براعمك و أزهارك،
و ليلتك التي يعصف بها مطر العشق. بعصبية،
يجب علي أن ألقي الكتاب جانبا، و أهب
كعاصفة متهورة، ثم أهدئ نفسي في هذا الجو الساجي –
في حضور قمر الصباح العائم، أفقد
نفسي وراء المقابر، و بين
الحقول التي حرثتها للتو، ثم هذا الجليد، و الضباب،
و قطرات الندى البراقة كالأحجار الكريمة، و أتساءل:
كم من إله يعيش في الجوار؟
كم من عصفور يغرد في قلبي؟
و كم من ربيع أقايض عليه بنفسي؟.(ص ٤١).
حتى الآن صدرت لفيليب تيرمان ست مجموعات شعرية و هي على التوالي:
الناجون (١٩٩٣) في المملكة المتحدة؛ بيت العبادات (١٩٩٨)، كتاب الأيام الصامدة (٢٠٠٤)، رجال دين يهود من هذا الجو(٢٠٠٧)، حديقة التوراة(٢٠١١)، آياتنا/ قصائد جديدة و مختارات (٢٠١٥) في الولايات المتحدة.
و يؤكد في تمهيده أنه متأثر بوالت ويتمان و زوهراب سيبيهري و يهودا أميخاي بشكل أساسي. و أنه لا يكتب غير قصيدة النثر الحديثة.
و قد أشرفت ثقافية جريدة العالم في بغداد على هذا المشروع في كل خطواته، و نشرت الفصل الأول من الكتاب مع مختارات في أعداد متفرقة طوال عام ٢٠١٤.