قصة / المحطّة
2007-02-15
خاص ألف
إنّهما لا يعرفان بعضهما , لكنّهما يقفان جنباً إلى جنب ينتظران القطار الواصلَ بعد قليل .
اختلس نظرة سريعة إليها , بدت سعيدة , مرحة , بفستانها القصير , و شعرها المفلوت للرّيح , و حين نظرت إليه بطرف عينيها رأته وسيماً , قويّاً , صارماً , رزيناً بلحيته الناعمة , المشذّبة , و ملابسه الأنيقة .
هو .
ستصعد إلى القطار بسرعة , فأتبعها بهدوء , و عندما ألج الحجرة تكون قد احتلّت المقعد المجاور للنّافذة , أجلس قربها حيث تضع حقيبتها بثقة .
- لما لا تجلس في المقعد المقابل ؟
أعتذر بلباقة , و أجلس قبالتها سعيداً بمراقبتها طوال الرّحلة .
- إلى أين ترحلين ؟
- إلى مكان لا ذاكرة لي فيه ... و أنت ؟
- إلى الذّاكرة .
أشعل سيجارتي , و أنفث دخانها بهدوء , تدنو منّي غاضبة , تنزع السيجارة من بين شفتيّ , و تقذفها عبر النّافذة ..
- أكره التّدخين و ال.. مدخنين .
تغلق النّافذة , و تعود إلى مقعدها محتضنة حقيبتها بخوف .
- الهواء بارد .
تقول ذلك مرتبكة , فأبتسم بلطف , و تتورّد وجنتاها خجلاً .
- أنا آسفة .. لكن ...
- لا داعي لذلك , أنا أيضاً أشعر بالبرد .
تغمض عينيها بهدوء , و تعود برأسها إلى الوراء , تنكشف ساقيها عن بياض رخاميّ يشعّ تحت قماش فستانها النّاعم , فتضيء بذلك عتمة كانت ستغدو حالكة في رحلتي الأولى .
سأدعوها حين تفتح عينيها إلى فنجان قهوة , و ربّما نترجّل من القطار معاً في المحطّة القادمة .
هي .
حين أدخل الحجرة سيكون قد جلس قرب النّافذة , مدّداً جسده الطّويل باسترخاء مدهش , هو لا يملك حقيبة , سأجلس قبالته , فيسوّي جلسته معتذراً ..
- آسف , لكنّي متعب بعض الشيء .
سأبتسم متجنّبة النّظر إلى عينيه الجريئتين , ثمّ أضع حقيبتي جانباً , و أستغرق بمراقبة ظلال المدينة و هي تبتعد حتّى تتلاشى إلى الأبد , عندئذ يشعل سيجارة , و ينفث دخانها بطريقة خاصّة تليق به , سأدنو منه و أنزع سيجارته من بين شفتيه , و أدخّنها بمتعة , و تكون بذلك أوّل سيجارة لي منذ سنوات , سيبدو ذاهلاً , فأبتسم بلطف :
- ألا تملك واحدة أخرى ؟
يبتسم , و يشعل سيجارة جديدة .
- إلى أين تتجهين ؟
- إلى حيث لا تصل ظلال هذه المدينة الموحشة .. و أنت ؟
- إلى حيث لا أكون وحيداً .
ربّما تفيض عيناه حزناً عندئذ , فيغمضهما , و يشيح وجهه إلى الجهة الأخرى , فأعود إلى النّافذة , لكنّ شخيره سيمنعني من الشرود , فأنتبه إلى وجهه المتعرّق , أدنو منه , أدسّ جبينه الحار , فتسري فيّ رعشة جسده المرتجف من البرد , أغلق النّافذة بسرعة , و أخرج سترة من حقيبتي أغطّيه بها , و أنتظر استيقاظه لأدعوه إلى شراب ساخن , و ربّما نترك القطار معاً في المحطّة القادمة .
القطار .
صفير القطار المنذر بالوصول أيقظهما من شرودهما , حملت حقيبتها دون أن تلتفت إليه , و صعدت إلى الدرجة الممتازة حيث تنتظرها شقيقاتها اللواتي جئن لأخذها معهنّ بعد أن أصبحت وحيدة في مدينة غريبة مات فيها زوجها قبل أسابيع قليلة .
ركض هو مسرعاً نحو الدرجة الثّالثة غير مكترث بها , لانشغاله بحجز مقعد له في حجرة تضمّ عشرات الفقراء , بعد أن عجز عن تأمين ثمن بطاقة الدرجة الثّانية , لنفاذ النقود منه , و عدم عثوره على الأصدقاء الذين يمكنه الاستدانة منهم بعد خروجه من السجن صباح هذا اليوم .
08-أيار-2021
23-تموز-2016 | |
25-آب-2015 | |
25-كانون الثاني-2011 | |
01-نيسان-2007 | |
15-شباط-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |