سحبان السواح في حديث ذكريات : مجلة ألف تحولت من حلم إلى كابوس!!
2008-06-16
نشرت جريدة بلدنا في عدد أمس الإثنين 16 / 6 / 2008 هذا التحقيق مع سحبان سواح ننشره كما ورد في الجريدة مع تصحيح لابد منه فالمجلة استمرت 24 عددا وليس 11 عدداكما ورد في اللقاء:
ألف
في الوقت الذي توقفت فيه المجلات العربية السجالية الرائدة مثل مجلة شعر في لبنان ومجلة الأديب في مصر، وفيما بعد في أواسط التسعينيات مجلة الفراديس العراقية في ألمانيا ومجلة مواقف في فرنسا ومجلة الناقد في لندن، توقفت هنا في سورية مجلة (ألف) التي كانت تصدر وبتواتر من نيقوسيا بداية الأمر، توقفاً على غير عادة المجلات العربية الأخرى؛ فمعظم تلك المجلات كانت مدعومة مالياً برؤوس أموال فردية لشخصيات كانت تخفي نياتها ومزاجيتها تحت اسم الحداثة والكتابة والإطاحة بكل ما هو سائد، عكس (ألف) التي لم تكن مدعومة إلا من صاحبها القاص سحبان السواح. هذا الشخص الذي ترك كار السياسة وراءه مع بعض الكتاب والشعراء السوريين المعروفين، ليؤلفوا فيما بعد ورشة ثقافية مستقلة تحت اسم (جماعة ألف للكتابة الجديدة). ورغم صغر عهد مجلة (ألف) من بين تلك المجلات العربية الكبيرة، استطاعت خلال (11) عدداً أن ترمِّم المشهدية الثقافية العربية وتجعلها تقاوم ركودها وكسلها التاريخي الممل، وترسم خريطة جديدة للتجربة الكتابية التي ستكون (قاصرة إذا هي لم تر الاحتدام الحواري الذي رفد الحركة الثقافية بدفق متأجج من السجال الأدبي المتنوع والمتفاوت، عمقاً ورؤية). وإذا كان لابدَّ من إضافة شيء عن مشروع (جماعة ألف)، كان لابدَّ هنا من حوار مع المؤسس الرئيس والممول الوحيد القاص سحبان السواح.
¶¶ "لا، ولا لكلّ هذا العالم بمكوناته السلطويّة، من إمبريالية واشتراكية، دينية وأخلاقية؛ ولا للكتابة أيضاً، إن لم تكن في اكتشاف النار الجديدة، وإن لم تكن خروجاً على احتكارات الآلهة، وإن لم تكن تدميراً للثوابت والأوثان، للحظائر والمداجن البشريّة، وإن لم تكن تشكيلاً لوعي عربيّ جديد، لإشراق في الحرّية، لإشراق في الحبّ، لإشراق في الاستشهاد والوطن."؛ بهذه البداية النارية، افتتحتم مجلة (ألف)، وفجأة توقفتم عن نشر (ألف)، دون أن تعطوا المسوّغات الحقيقية والأسباب الواضحة لتوقف (ألف)، كأنكم انجررتم مع عدوى المجلات العربية الرائدة التي توقفت هي كذلك (شعر والأديب والمواقف). السؤال الكبير: لماذا توقفت (ألف)؟؟!!
ألف، كانت حلماً تحوَّل في فترة من الفترات إلى كابوس. فبعد توقفها، أراد كلُّ فرد ممن عملوا بها، تجيير النجاح الذي حققته لمصلحته الشخصية، ولم يكن لدينا أيُّ تبرير نقدمه عن سبب توققنا، ولم نكن مضطرين لإعطاء التفاسير، فالسبب الوحيد لتوقفنا هو الموضوع المادي.. فنحن قمنا بعمل تعجز عنه المؤسسات، ومع ذلك لم يتقدم أحد ويقول هذه مساعدة لكم. من جهة ثانية، صار كل واحد من هيئة تحريرها (محمود السيد -مع حفظ الألقاب- خارج هذه الدائرة)، يدعي لنفسه شرف تأسيس المجلة، وأنه لولاه لما كانت ألف.. حتى إنَّ أحمد إسكندر سليمان -وبناء عليه- عمل داراً للنشر سماها ألف، وصار يصدر عنها كتباً لشعراء من معارفه وغير معارفه، مستغلا سمعة ألف خلال ثلاث سنوات. وهناك آخرون كانوا يتوجهون إلى الأستاذ محمود السيد، وهو مخول وصاحب حقّ، فيعطيهم الإذن بنشر كتبهم تحت اسم ألف لحرية الكشف في الإنسان والكتابة، وكانوا يعتبرون هذا النشر -وتحت ذلك الاسم- شرفاً كبيراً لهم، وكانَّ شهادة أكاديمية أعطيت لهم. بمرور الوقت زال هذا الكابوس، واستمرَّت الذكريات الجميلة.
لهذا سأروي حكاية ألف كم تمت حرفاً بحرف: فكرة إصدار مجلة تهتم وتجمع بين دفتيها المبدعين الشباب، راودتني لسنوات قبل صدورها الفعلي، ولكنها ظلت فكرة تنام وتصحو في ذاكرتي، إلى أن التقيت بالشاعر الصعلوك لقمان ديركي، الذي بهرني يومها بقدرته على رواية النكتة، وعلى براعته في رواية الشعر الذي يكتبه ومن شعر الآخرين أيضا، وقد جاء إلى بيتي ضيفاً مع سميح شقير صديقي ولم أكن أعرفه، فتعرفت عليه، وهذا دفع بفكرة مجلة ألف إلى واجهة تفكيري، فطلبت أن نلتقي لأنَّ لدي مشروعاً أحدثه به. التقينا وحدثته عن ألف، وقلت له بالحرف الواحد "أبحث عن مجموعة من المبدعين الشباب.. والشباب جداً لنعمل معاً على إصدار مجلة ثقافية تحمل همهم..". تحمَّس هو أيضاً، غاب فترة وعاد يحمل مجموعة من الأسماء، هم: نبيل صالح، وأحمد إسكندر، وخالد خليفة، وأحمد معلا. نبيل صالح كان محرراً في جريدة تشرين، وخالد خليفة كان يكتب روايته الأولى وكان قد كتب الشعر والقصة في الجامعة ونال بضع جوائز، وأحمد إسكندر سليمان كان يقيم بجبلة ويهوى القراءة، وقراءة الفلسفة على وجه الخصوص، وكان يمازج بين مفهومه للفلسفة وكتابته الأدبية، أحمد معلا كان قد عاد من فرنسا حاملا مشاريعه المجنونة، أو جنونه المشروع، ووجد في مشروع مثل مشروع ألف مكاناً خصباً ليصرخ به بأعلى صوته دون أن يشير إليه أحدهم، ويقول هذا مجنون. لقمان ديركي ظلَّ الشاعر الصعلوك الذي لا يعرف أن يعمل ضمن فريق عمل، لذلك اتفقت هيئة التحرير على أن يخرج من المجلة في عددها السادس على ما أذكر. بعد الاجتماع الأول أعطيتهم فرصة تمتدُّ شهراً ليفكروا ويبلورا أفكارهم ويعودوا لنتبادل الأفكار حول شكل المجلة ومضمونها. اجتمعنا اجتماعنا الثاني، وكان أول ما قلته لهم إنني لا أرغب في أن أكون رئيساً للتحرير حتى لا يقال يوما ما إنَّ سحبان سواح أضاع ماله على مشروع فاشل لكي يسمي نفسه رئيساً للتحرير، واقترحت أن يكون محمود السيد رئيساً للتحرير. طبعاً أضعت مالي، ولكن على مشروع لا يمكن أن يقال عنه إنه مشروع فاشل. المهم أنَّ نبيل الصالح يقول إنَّه هو الذي اقترح محمود السيد، وأنا لا أتمسك بهذه النقطة، فمن الممكن أن يكون قد سبقني باختياره بعد أن أعلنت أنني لن أكون رئيساً للتحرير.ولابدَّ أن نذكر هنا دخول أسامة إسبر إلى هيئة التحرير بعد أشهر من إقلاعها، ودخول وائل السواح أيضاً بعد دخولها عامها الثاني.
النقطة الثانية التي تحدَّثت عنها في الاجتماع هي أنَّ التجربة الديموقراطية ستكون سيدة قراراتنا؛ فلا قرار يؤخذ داخل المجلة، سواء في موضوع نشر المواد أم في أيّ موضوع آخر إلا بالتصويت وبالأكثرية. وكان لي صوت مثلهم تماماً، ولم أعط نفسي أيَّ حق زيادةً عنهم. وربما كان هذا السبب فيما حصل لاحقاً.
كما وقعت لهم عقوداً أنهم شركاء في الأرباح فيما لو رحبت المجلة، أي أنهم عملياً كانوا شركاء لي في المشروع، ولكن برغبتي. وحتى لا يقال إني أكلت حقوقهم فلو تغير هذا الكون لما ربح مشروع ثقافي في هذا البلد أو هذا الوطن. مالدي من مال تعبت من جنيه من عملي بطباعة الكتاب السوري وتوزيع الكتاب اللبناني التقدمي في سورية. هذه التسمية التي كانت سائدة، وصارت سبة فيما بعد، استطعت مع قليل من الاشتراكات التي كان يجلبها لنا المرحوم جميل حتمل، الذي كان مراسلا في باريس للمجلة وكان من أركانها الأساسيين. في نهاية السنة الأولى كنت على شفير الإفلاس، فبعت بيتي في مشروع دمر، واشتريت بدلا منه في قدسيا، ومن الوفر بين السعرين ومع اشتراكات أخرى أصدرنا السنة الثانية. ولكن مع ذلك لم نصل إلى برّ الأمان، ولم تكن الاشتراكات التي حصلنا عليها تكفي للاستمرار، فقرَّرنا التوقف لفترة، ريثما نجد تمويلا. وبالطبع لم نجد من يمول جنوناً كجنوننا. لاشك أنَّ الجديد يخيف الذين يعيشون بهدوء وعلى مستنقع راكد. لقد شنت علينا الكثير من الهجمات، ولكنا كنا أقوياء لدرجة أننا ثبتنا شيئاً اسمه النص المفتوح، والتسمية لنبيل صالح للحق والتاريخ، كما ثبتنا أنَّ الكتابة لبست تسميات (شعر- قصة- رواية)، وإنما هي استعمال اللغة استعمالا جميلا، لتقديم مادة تمتع القارئ وتنمي ذائقته الأدبية. وفي كثير من الأحيان، كانت بعض القصائد تقترب من الموسيقى أو من فنون تعبيرية أخرى. وكل ذلك انضوى تحت تسمية النص المفتوح، الذي اختصر فيما بعد إلى كلمة نص.
¶¶ كان تأسيس (ألف) عبارة عن مشروع ثقافي فريد ومتشابك الأفكار كتشابك قراءات متعددة في مختلف فعالياتها المجتمعية، وكانت تستدعي أقلاماً كبيرة تؤكد إنجازات هذا المشروع الثقافي في حوار متواصل، لتكون قادرة على صيانة مكتسبات الوعي الذي قامت من أجله، وبعيداً عن آليات العقلية الإلغائية أو الإقصائية وحتى الادعائية. والجميل أنَّ معظم الكتاب والأقلام الجديدة التي كانت ترفد المجلة ما زالت ماضية في إنجاز ما دعت إليه (ألف) في تمرير مشروع الكتابة الجديدة، هذا المشروع الذي نراه يتكامل في سورية ويتعاظم حتى في الخليج العربي، الذي كان وقتها يرفض دخول (ألف) إلى أراضيه. أنتم اليوم تشرفون على إدارة المشروع من زاوية أخرى هي الزاوية الإلكترونية عبر موقع باسم (ألف) للكتابة المغايرة، هل تشعرون بأنَّ (ألف) مازالت هي (ألف) الورقية وإن تبدل كل شيء من هجرة الأقلام الكبيرة منها وسرعة النشر وماشابه؟؟
عالم الإنترنت عالم واسع، ولا أحد يستطيع التحكم به. وكل من رغب، عليه فقط أن يكون على صلة بعالم الكومبيوتر والإنترنت، ليستطيع أن يصنع مدونته الخاصة ويكتب بها هلوساته، وما قد يرغب من الكتابات، ويرسلها لأصدقائه فيقرؤونها. إلى جانب المدونات، هناك المنتديات التي يثرثر فيها الأعضاء فيما بينهم مديحاً وذماً وما إلى ذلك هذه المنتديات تكون أحيانا مفيدة وأحيانا لا. من هذا المنطلق تستطيع، وخلال أقل من سنتين، أن ترسخ اسم موقع إبداعي له موقف من العالم من كل النواحي السياسية والدينية وهذا ليس بالأمر السهل. (ألف) الإلكترونية لايمكن أن تكون بديلا عن ألف المطبوعة، ومن يعمل في عالم الإنترنت يعرف ذلك تماماً. ولكنها استطاعت الحفاظ على أرشيف المجلة المطبوعة والحفاظ على اسمها، وتقديم أقل ما يمكن تقديمه في مجال الإبداع. وأعترف -وأنا أعمل وحيداً الآن- بأنني نشرت قصائد وقصصاً لم أكن لأوافق على نشرها في ألف المطبوعة، خضوعاً لقوانين النت. وأسبابي تقول أن تنشر لكاتب متوسط وتكسب قراءة لمبدع كبير أفضل من أن تخسر الاثنين..
¶¶ هل كنتم تعتقدون أنَّ دورية أو مجلة ثقافية كمجلة (ألف) كانت ستلبي حاجاتكم الثقافية وحاجة العديد من المثقفين العرب؟؟
بالتأكيد، وهذا يقودني لذكر أمر لابدَّ من التنويه إليه، وهو أنَّ انتشار (ألف) في الوطن العربي لم يسبقه انتشار لمجلة عربية، فقد كانت شركة التوزيع تطالبني في كل شهر بزيادة عدد الطباعة، فرفعته من 3000 إلى خمسة، وبقيت تطالبني بالزيادة. ولكن الزيادة تعني مزيداً من الخسارة، لذلك لم أكن ألبيها، ولو كنت استطعت تلبيتها لوصل العدد الذي نطبعه كل شهر إلى 15000 نسخة. وهذا رقم كبير في عالم المجلات الثقافية. ولو استمرت إلى اليوم، لبلغت مئات الآلاف، ولكن بحكم العادة وليس لأنَّ القارئ تطوَّر.
¶¶ بعض الكتاب الذين أسسوا معكم (ألف) تركوكم فجأة، أذكر لقمان ديركي في الأعداد قبل الأخيرة، وكذلك خالد خليفة في النهاية، ونبيل صالح، وأصبحتم لوحدكم تواجهون صعاب الطباعة والنشر والتوزيع، حتى إنكم لجأتم إلى بيع بيتكم من أجل استمرار المجلة. ما سر ترك هؤلاء المؤسسين لكم في الأوقات (الصعبة)؟؟
لقمان ديركي شاعر صعلوك والشعراء الصعاليك ليسوا قادرين على العمل المنظم والممنهج ولهذا ترك قبل نهاية السنة الأولى. الذين ذكرتهم ظلوا حتى اللحظة الأخيرة ولم يتركنا سوى أحمد معلا بعد أن استنفذ جنونه في السنة الأولى وأراد مكاناً أكثر رحابة لممارسة جنونه. ربما قلت حماسة البعض، ربما تخلف البعض عن بعض الاجتماعات، ولكنهم استمروا أوفياء للتجربة حتى اللحظة الأخيرة. أخيراً أودُّ أن أتوجه بالشكر والمحبة الكبيرة والامتنان للشاعر الكبير محمود السيد، الذي كان الأب الحنون لهذه التجربة ولهيئة التحرير أيضاً.
رابط المقالة على موقع بلدنا:
http://www.baladnaonline.net/ar/index.php?option=com_content&task=view&id=9413
08-أيار-2021
10-تشرين الأول-2020 | |
( سلطانات الرمل ) للروائية السورية لينا الهويان الحسن .. الراوية في تبصرها الباذخ |
28-آب-2010 |
25-تموز-2010 | |
03-تموز-2010 | |
25-تشرين الثاني-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |