( سلطانات الرمل ) للروائية السورية لينا الهويان الحسن .. الراوية في تبصرها الباذخ
2010-08-28
لا أرض واضحة للروائية المتمردة لينا الهويان الحسن في روايتها ( سلطانات الرمل ) , لا أفق لها ولا زمن يكشف لها عورة ماضيها , راويةٍ تروي روايتها و هي تمضي دون أن تلتفت أو تتوقف أو تتحرك متفرجة على نفسها ككتلة كامدة و عينها المستيقظة على الحدث الروائي ناقلة له أو واصفة به احاسيساً غامضة و مشاهد متشابكة و بأوضاع متناقضة , روائية بحواس كاذبة تتوارى خلف أوصاف أبطالها تحاول معهم و بقدر المستطاع إشعال الفتنة بين شخصياتها أو جعل الاقتتال أمراً مباحاً ميسّراً و تقليداً شائعاً لا يختلف عليه الاثنان ضاربة الأعراف الروائية عرض البحر كأن هذه الروائية نذرت نفسها لإراقة الفوضى و بث الرعب في نفس كائناتها الموزعة بكسل على طول الرواية و دون مسائلة ضميرها الإبداعي اليقظ في كل ما تجنيها يدها من إشعال الحرب و الفتن بين أبطالها الواقعيين و أبطالها المصنوعين من العجين و الحبر , إنها في حقيقتها راوية مفتونة بالحرب, خلقت كي تفسد الأرض و ما عليها تنتحل شرف شخصياتها و تجلب لها العار أينما حلوا ووطئت أقدامهم , مستدرجة قارئها المسكين إلى هاويتها و خرابها بلغتها الجذابة الخطيرة في نفس الوقت و ببساطة أفكارها العبثية التي تمتحنها و تمتحن سلوكها و تصرفاتها , إنها تروي كي تكشف للقارئ قبحها و جمالها معاً بلعنتها هي و رحمتها هي و التي قد لا تقنع القارئ المسكين للوهلة الأولى لكنها تصنع المعجزات و المفاجآت معاً أيضا .
1
قراءة ( سلطانات الرمل ) حيث الأشباح في توادهم و بلغات مبتعدة و شاشات كثيفة, وجوه رملية تكسوها الصمت و الرماد, الأشباح في آلامهم النقية المبددة.
2
كلما أغمضت كتابا أتذكر عمق وصف ( حمرا ) شخصية متحركة متيقظة في رواية ( سلطانات الرمل ) أراها في حرارة المعنى الروائي و تدفق خيالها , كل جزء من ( سلطانات الرمل ) هو انتزاع معرفة ذاكراتية و جز الحياة البدوية من حوافها المتراكمة الغامضة , شخصية ( قطنة ) ولدت من نبض الرمل و صخرة البلاهة البدوية الغارقة في النمط العنف الوهم للحياة السورية المتخيلة , لا شئ يثيرها سوى الإغواء الشبقي الطافح و الإلغاء القبيلي المفترس , قوتان إذا متحركتان مشبعتان بغريزة السيطرة و السلطة و النفوذ , لتبقى هي لسان جماعات رملية جارفة لا تنضب و لا تتعب من الحياة .
3
عندما أنتهيت من ( سلطانات الرمل ) تدفق جرحي على الرصيف مجددا , العذاب الجاف و الألم المتلألئ ما يزالان ملصوقان بي كورم قذر , دائما ثمة إيقاع خفي مجاور يترك ألغازا أو لزوجة في وجدان القارئ , قتامة الشخصيات تخلق محرقة أو عقدة تأملية تشبه مصائرنا أو هي حياتنا الحاضرة القابلة للتقلب في أية لحظة , شخصيات تبرق و يخفت بريقها لتنادي بالإشارات , بحديد الكلمات الهسيسة أو اضطرابها الخشن كأنها نابعة من ظلال الموت , من عوالم مختبئة غائبة .
4
أريد أن أشبه النمور .
- شريرة.
- ليس تعلقي بالنمور علامة شرّ. لكنني متأكدة أني أحافظ على وزني, ليس لأشبه نجمات فرنسا.. أفعل ذلك لأشبه رشاقة النمور المفزعة.
إذن مازلتِ تعيشين الحب كقصص رومانسية , انظري إلى فوق. . حين تمرين بالحب كتجربة ستصبحين مولعة بالأفاعي.
ترفع شعرها إلى أعلى وتسأله : " ألا أشبه الفرس ؟ بسرعة يجاوبها : - لا يمكنك أن تكوني فرساً, تنتمين لفصيلة السنوريات.
ضربته بأناملها وهي تقلد هرة غاضبة.
- كيف تراني؟ تسأله مجدداً وهي تحسر ثوبها عن فخذيها .
- أراكِ, أفضل قصيدة لم أكتبها. . مؤلفة من كل الأبيات المدهشة التي خطرت لي يوماً. . ولم أعتقلها.
- لماذا لم تعتقلها ؟
- لم يكن حولي أوراق.
- أين كنت؟
- اثبتي أكثر, أريد صورة ساكنة, لا تطرحي أسئلة "كوني "جميلة واصمتي."
ضحك حين قالت له بأنها تريد أن تكتب رواية..
وقال: الروايات يكتبها الحزينون.
5
في ( سلطانات الرمل ) ثمة أخلاص للصحراء السورية بالاعتبار التوثيقي ( 1946 ) و التفصيل التاريخي لأحداث اجتماعية بالتناوب الحكائي , سلسلة وصف لحياة متداولة معاشة بنمطيتها المعهودة و نظام أخلاقها الصارم , و شخصياتها المتحايلة تعيش على قطيعة مع حاضرها , وان كانت القطيعة من عقليات فردية , لكن الإيقاع السردي هو الذي يوصل التاريخي مع الحاضر و يتواطأ معه في استثارة إشعال حروب صغيرة أدت إلى قتل و دمار و هجرات ذليلة , و ما شخصية ( رمضان الشلاش ) إلا صوت حرب مضمرة قابعة تحت الرماد و يعتبر فضاء الرواية أو جسدها و ما شخصية ( طراد الملحم ) إلا صورة الناس البسطاء المهمشين حياتيا و تأثيرا على بنية النص و هيكله , شخصيتان متجولتان في الرواية بالطول و العرض لصالح حدث مرتبط بحالة فردانية وثيرة هي حياة لينا الهويان الحسن القابعة في هامش الماضي و مخيلته .
6
مطلقٌ هو الحب، والكلمات هناك ليست حُليّاً، إنما كائنات من روح ودم تلبس حرير مصبوغ بالعاطفة.
خرجت «قطنة» إلى «ذلولها» وغادرت على ظهره دون ماء أو زاد واتجهت صوب عتمة الصحراء.. الصمت التائه في وهاد الزمن.. حيث لا طرقات أو لافتات، فقط دروب افتراضية.. دروب يمكن أن تنمحي بعد أن تعبرها، أو درب حرون يقودك عبر انحناءات لطيفة إلى الصرامة بعينها.. ويمكن للدروب هناك أيضاً أن تتقاطع مع بعضها بشكل متحمس فتقف هناك لتمزقك الحيرة باحتقار فخور، ودروب تحدثك عن كل ما هو عابر. السراب مبتلّ بلعاب الشمس والأفق المرشوش بالأوهام يعلن عن بزوغ زهرة فريدة..
( سلطانات الرمل – رواية
للسورية لينا الهويان الحسن
دمشق 2010– دار ممدوح عدوان )
عن جريدة النهضة ( الاثنين 23 -8 2010 )
08-أيار-2021
10-تشرين الأول-2020 | |
( سلطانات الرمل ) للروائية السورية لينا الهويان الحسن .. الراوية في تبصرها الباذخ |
28-آب-2010 |
25-تموز-2010 | |
03-تموز-2010 | |
25-تشرين الثاني-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |