"يستحيل أن تصل روسيا إلى اكتشاف لقاح لفيروس كوفيد - 19، وما أعلنه الرئيس الروسي بوتين عن توصل بلاده إلى لقاح، ما هو إلا كذب، ودجل، وزعبرة سياسية". على هذا النحو الحاسم، قابَلْنا، نحن السوريين، الإعلانَ الروسي عن اللقاح، ولم نكتفِ بذلك، بل هرعنا إلى وسائل التواصل الاجتماعي لنُكَذّب التصريح، ونفنده، ونضحك عليه، ونستهزئ ببوتين شخصياً، وبروسيا وصناعاتها التافهة التي تنتج أسلحة لتهلك البشر، لا أدوية لشفائهم.
كان عليّ، أنا، كاتب هذه الأسطر، أن أشارك في السخرية من اللقاح الروسي المزعوم، لأسبابٍ عامةٍ وخاصة. فبوتين، حقيقةً، من أكبر أعداء الشعب السوري، أرسل طائراته إلى سورية يوم 30 سبتمبر/ أيلول 2015، بقصد تثبيت حكم وريث حافظ الأسد. وقتلَ، في سبيل ذلك، مئات ألوف من أبناء بلدي، ودمّر أسواقنا ومشافينا ومدارسنا ومولدات كهربائنا ومجارير صرفنا الصحي. وعطّل، في مجلس الأمن، القرارات التي يمكن أن تنصف قضيتنا، ومن ضمنها التي تسمح بإدخال المساعدات للسوريين المنكوبين الذين لا علاقة لهم بنظام ولا بثورة ولا بمعارضة. وهناك أسباب شخصية تجعلني أحقد عليه، فحفيد شقيقتي كان قد غادر حلب إلى تركيا في بداية الثورة، وعمل في مشغلٍ للخياطة بقصد إعالة أمه وإخوته. ومع بداية التدخل الروسي، كان ذاهباً إلى حلب، ليزور أهله ويعطيهم بعض النقود، فاجأته طائرات بوتين عند خان العسل، وقتلته مع عشرات غيره، كما قتلت تلك الطائرات الحاقدة عشرات من أقاربي وأصدقائي في إدلب وريفها.
ولكن بعض الأمور جعلتني أتردّد في السخرية من اللقاح، منها أنني لستُ طبيباً، ولا أفهم في صناعة الأدوية واللقاحات، وما تشكل لدي من ثقافة (عامة) حول هذا الموضوع كان شيئاً يشبه طبيخ الشحاذين، بدءاً من اقتناعي، في البداية، بأن شرب الكحول يقضي على الفيروس، مروراً بجدوى توابل الفول وفتّة المقادم من زيت وثوم ونعناع وكمون وكزبرة، والغرغرة بالماء المالح، وانتهاءً بطرائق الوقاية الثلاث: الكمّامة والتباعد والتعقيم. وما زادني امتناعاً عن الاستهزاء باللقاح الروسي أنني شاهدتُ فيديو لطبيب سوري يقيم في السعودية، اسمه نائل الحريري، تحدث فيه عن الموضوع بلغة علميةٍ طبيةٍ عارفة. وبعد سماعي إياه صرت أستهزئ بمن يستهزئ بالخبر من دون معرفة ولا دراية.
روسيا، بحسب معلوماتٍ قدّمها نائل الحريري، من الدول المتقدمة علمياً، بلغت ميزانيةُ البحث العلمي لديها، في سنة 2014، مثلاً، 42 مليار دولار (تشمل بحوثاً علمية مختلفة، منها الطبية والدوائية). ويعادل هذا الرقم ضعفي ميزانية فرنسا، المتقدّمة هي الأخرى في هذا المضمار، ودول العالم المتقدمة كلها، في سنة 2020، خصصت نسبة أكبر من ميزانيات البحوث العلمية الاعتيادية لأجل إيجاد لقاح، أو علاج لوباء كوفيد - 19، ولكن، هل روسيا اكتشفت اللقاح فعلاً؟ الجواب: لا. وهذا الإعلان سياسي محض، صدر عن الرئيس وحده، لم يؤكّده طبيب، أو باحث، أو أي شخصٍ من الفريق العلمي المختص، ولم تُنشر أي "داتا" علمية عنه. ولو وجدت هذه "الداتا" لبلغ حجمها مائتي صفحة، وكل ما صدر عن الهيئة العلمية أن اللقاح جُرّب في المرحلتين، الأولى (التجارب الأولية)، والثانية (على أشخاص قليلين). أما المرحلة الثالثة التي يجرّب فيها اللقاح على عدد كبير من الأشخاص، فستبدأ أواخر أغسطس/ آب الحالي. استبق بوتين الأمور، وعالج الأمر بنوعٍ من الشوارعية، حينما قال إن اللقاح جُرّب على ابنته، ليعطي مزيداً من الثقة، ليس باللقاح، بل بتصريحه.
هناك شركات عالمية ضخمة، تقوم، منذ ظهور الوباء، بتجارب واسعة، ومموّلة على نحو باذخ، على أمل أن تصل إلى لقاح فعّال في الربع الأول من سنة 2021، ولا يُستبعد أن يتوصل الروس إلى لقاح، في تلك المرحلة، مثل غيرهم من الدول.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...