كأنهُ جبل بُدّدَتْ أمانيه
عاطف الشاعر
2021-01-30
إسطنبول.. أمسٌ في كلّ يوم
اسمٌ خَطَّ أُفقاً
قبةٌ من نحتِ السماء
نوارسُ تحلّقُ حولَ موجةٍ واحدة
زائرون من بعيد يطيلون النظر في البحر
سمكةٌ وحيدةٌ تسيرُ بين القوافل
وطفلٌ ينتظرُ ظهورها مرةً أُخرى ليصوّرها
سماءٌ كلّما أطلتَ النظرَ إليها تمادتْ في تمدّدها.
شابٌ يهمسُ في أذن فتاةٍ
يحاولُ إقناعها بحبّه، ربما عبثاً.
وجهٌ تتحرّشُ به الشمس
وعيونٌ تريدُ تأبيد اللحظات،
شجرةٌ وحيدةٌ إذا ما نظرتَ شرقاً
وغابةٌ كثيفةٌ إذا ما نظرتَ شمالاً
عجوزٌ تشير لك بيدها: "افتح هذه الزجاجة"
تفتحها وينسكبُ الماءُ على يديك
تقولُ: آسفةٌ جداً، تقولُ: لا عليكِ
كلّنا في الماء سواء.
تُكملُ الحياة في نفسك المشهد:
هناكَ ما يشبهُ الحبّ القديم في كلِّ ما ترى
الجسرُ الذهبي وما يتراءى من هلالٍ كمنجلٍ نحاسيّ...
دمت إسطنبول
ودامت أوهام القلب، مرآةِ انكسار الأشياء.
■ ■ ■
الليل حافٍ في مراكش
القمرُ بيضةُ طائرٍ
وأنا مثله
أُجازفُ بالنظر.
كلٌّ يبحثُ عن نفسٍ له في مراكش
السماءُ جيوبٌ ممزّقة
يتساقطُ من شجرِ غيومها مطرٌ خفيف،
مثل رحيقِ البرتقال.
(مع هدوء الأقدار في مراكش
أحسبُ أنِّي من ورثةِ الانفجار العظيم)
يتشابكَ الكونُ في خيوطِ اليد
تتلوى الدهشةُ سؤالاً:
لماذا تبدو "الكتوبية" العمود الفقري للسماء؟
(من أثقالِ الأرضِ في عينيّ
أكادُ أبكي)
أُدقّقُ في سحنةِ الحجارة
وأسمعُ تهليل المُرابطين القدامى.
يكادُ كلُّ شيء يكتمل
مع حفيف الأشجارِ
ورشقات الضوء.
وداعاً لكلِّ ما هنا
من خراب
ومن حبٍّ.
■ ■ ■
قبس من الصويرة
حجارةٌ خصبة
أذكارُ أسفارٍ
على الشاطئ الأطلسي
جنوحُ الهواءِ
ونوارس البحر تحلّق مع ارتفاع الدم
والمارةُ في طريقهم نحو ضفة الشمس
وبائعو السَّمك يفرطون عِقد الأمواج
الكونُ يتسربلُ في وحشة القادم مع الليل
كل هذهِ
أثقالٌ
على الشاطئ الأطلسي
أتكئُ عليها الآن.
■ ■ ■
كثيرٌ هو الليل
ثمّة حكمةٌ في أسارير الليل
لكنْ لا تُرى
الظلامُ يصمدُ أمامَ معارك القلب
كأن تُعدّل نجمة ضوءها ولا تحترق
ويعود بحرٌ للهدوءِ دون شعورِ أحد
كأن ينبحَ كلبٌ بسرّه خوفاً من حلمِ الذئب
كأنّي أحاولُ فهم شيء ما يخصُّ غيري
ولا أرى فيما تساقطَ من ظلامٍ
سوى أرواحٍ تتجمعُ في الدرب.
يسيرُ الليلُ كأنهُ جبل بُدّدَتْ أمانيه
كصبيٍّ يتسكع في مآلات الأحلام
الأضواءُ تركضُ مع النظرات
وتغرق في الماء
تغفو الأشجار على غناءِ الطير
والقلبُ يتصرّفُ كقارةٍ بلا حدود.
لا أدري إن كان في الليل
أثرُ نهارٍ
أم هي الحياة منفرطة أزرارها...
قلبي يؤوّلُ الظلام،
مخزنَ الضوء الحق.
* شاعر وناقد فلسطيني مقيم في لندن
وائل حمادة - القسم الثقافي
نصوص