في مطلع الستينيات من القرن الماضي اتجه نبيل المالح (1936- 2016) إلى تشيكوسلوفاكيا لدراسة الإخراج السينمائي، وفي عاصمتها براغ أنهى الدراسة حاصلًا على الماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، ثم عاد وعمل في المؤسسة العامة للسينما، وفي عام 1969 أخرج فيلمه القصير (إكليل الشوك) تناول فيه جوانب من القضية الفلسطينية، قصة فتاة وهي تخرج من مخيم القابون في دمشق تحلم في الشوارع الذاهلة عنها والمشغولة عن أحلامها.
كان نبيل منشغلًا بالهم السياسي ومهتمًا بالسياق الاجتماعي ومدركًا جوهريته في الحراك السوري العام، ففي العام التالي شارك في إخراج فيلم (المخاض) وهو أحد أفلام ثلاثية (رجال تحت الشمس) بطولة خالد تاجا ويوسف حنا، وفيه يرصد اعتداء صهيونيًا على قرية عزلاء وينتهي الفيلم بموت الرجل وزوجته الحامل، والفيلم يبشر بظهور جيل جديد يحمل السلاح ويحارب عن الأمة المغتصبة أرضها، نال الفيلم عدة جوائز، من بينها الجائزة الفضية لمهرجان قرطاج عام 1970.
في عام 1972 أخرج فيلم (الفهد) ونال عدة جوائز عليه، وهو يروي قصة فلاح اكتشف بحسه الفطري أنَ سلطة الإقطاع هي امتداد لسلطة الاستعمار، وتم وضع هذا الفلاح في السجن وانتزعت أرضه منه وأهينت كرامته، فراح يخطط للهروب وتمكن من ذلك بعد أن أخذ بندقية أحد الحراس ثم بدأ صراعه مع الدرك ورجال الإقطاع وقد أسموه بالفهد لمهارته بالهجوم الخاطف، ثم وشى به أحد المقربين منه وسيق إلى المشنقة ليرفع وحده راية الدفاع عن الآخر. وقد حقق الفيلم عدة أمور منها أنه كان الفيلم الروائي الأول لصالح المؤسسة العامة للسينما، وحقق حضورًا وتوزيعًا عالميًا وشكل ظاهرة في السينما العربية وعرض لفترة طويلة.



فيلم (السيد التقدمي) من إخراجه أيضًا عام 1974 وهو من بطولة عبد الرحمن آل رشي، يحكي قصة صحافي متحمس يحاول فضح شخصية موغلة بالفساد، ويستطيع هذا الرجل أن يسكت الصحافي بتدبير مؤامرة تكون فيها جريمة قتل، لكن الصحافي يكتشف حقيقة هذا المفسد السياسي وارتباطاته المشبوهة واختلاسه الأموال مدعمًا ما يقوله بالوثائق الدامغة، ويتمكن هذا المنافق من استخدام سلاح المرأة، فيدفع السكرتيرة للدخول في حياة الصحافي ثم الاعتراف الكامل بأن القاتل الحقيقي هو والد السكرتيرة، إنه فيلم يتحدث عن الفساد السياسي.
نبيل المالح لم يتنازل عن مشروعه في مزج الفيلم بالسياسة ولم يلجأ إلى الماضي هربًا من الحاضر بل إنه تعامل مع الحاضر مباشرة، وذلك في فيلم آخر أخرجه، بعنوان (الكومبارس) واختار اثنين من الهامشيين، مجرد رجل وامرأة، هما سمر سامي وبسام كوسا، كل منهما يحاول أن يروي عطش جسده في مكان مغلق، عبر مفردات هي: الحب والجنس والحرمان والرغبة، هذه المواضيع تخص كل منهما، ويستعير الرجل بيت صديقه لمدة ساعتين لا أكثر، وتبدأ التعليمات من صديقه أولًا، ثم تأتي بائعة متجولة وتطرق الباب وولد يزمر في الحارة ومجموعة من رجال الأمن يقتحمون الشقة المجاورة بحثًا عن شخص مشبوه ثم تبين أنه أعمى، مما يجعل الرجل يتدخل كي يعاملوه برفق فيصفعه أحدهم ليسقط أرضًا، وبذلك تتبعثر كرامته ثم جاء الزائر الرابع وهي خطيبة صديقه التي لا تطاق بتصرفاتها، مما يدفع المرأة إلى مغادرة المكان وتذوب في المدينة. هذه الخيانة رغم أنها لم تحدث في الواقع، فقد قررت السماء أن تعاقبهما على فعلهما هذا، فقط لأنهما فكرا فيه وأقدما عليه. شخصية الرجل تمتلك بعدًا إنسانيا رائعًا وعميقًا وهي امتداد لشريحة كبيرة من الذين لا يملكون حق الحب والتواصل الإنساني في مجتمعاتنا، وهم مرضى في مجتمع مريض دمر المال فيه نفوس البشر. الفيلم عبارة عن دقائق من المشاعر الشفافة ودقائق من الخوف والتوتر والتواصل، يشكل صيغة جديدة، ويعتبر تحولًا في مجمل مسيرة نبيل المالح السينمائية وله خصوصية مختلفة عن كل أفلامه، ونال الفيلم جائزة أحسن إخراج في مهرجان القاهرة الدولي عام 1993 وجوائز أخرى للممثلين في مهرجان باريس عام 1994 وجائزة أحسن سيناريو.

عمل نبيل المالح مع القطاع الخاص وقدم فيلم (غوار جيمس بوند) مع دريد لحام ونهاد قلعي كما عمل في إخراج المسلسلات والبرامج التلفزيونية، ويمكن القول إن المالح شكل مدرسة خاصة تعلم منها الكثيرون في أنحاء مختلفة من الوطن العربي ولم يعرض فيلمه (ع الشام ع الشام) إلا خارج سورية، بعد أن منع في دمشق.
نبيل المالح: ولد يوم 28 أيلول/ سبتمبر عام 1936 وتوفي يوم 24 شباط/ فبراير عام 2016، وكما ذكرنا سافر إلى براغ لدراسة الفيزياء النووية فاكتشف السينما من خلال دور الكومبارس الذي قام به هناك، وحاز على الماجستير في الإخراج السينمائي والتلفزيوني، ووصل عدد أفلامه إلى العشرات ما بين قصير وروائي وأفلام تجريبية وتسجيلية.