عليك أن تختار إما أن تجوع أو تتدفأ أوتموت قهراً
عايدة جاويش
خاص ألف
2021-04-17
أكاكي أكاكيفيتش بطل رواية "المعطف"، رجل في الخمسين من عمره لا تربطه أيّ علاقة جيّدة بأيّ شخص، لكنه مرتبط أشدّ الارتباط بحياته الرتيبة وعمله وكذلك معطفه. يعمل في إحدى الدوائر الحكومية. كانت وظيفته النسخ لجمال خطّه، وعندما قرّر أحد المسؤولين ترقيته رفض تمسّكاً برتابة نظام حياته الذي ألفه جيداً. الجميع يقابله باستخفاف واستهزاء دائماً، لكنه لا يهتم. بَلِي معطفه الوحيد ولم يعد قابلاً للإصلاح، فراتبه لا يسمح له بشراء معطف جديد ولا يمكنه مواجهة صقيع وثلج روسيا دون معطف. لذلك قرر اختصار العشاء وعدم إشعال شمعة ليلاً، بل توقّف عن احتساء الشاي على م دار شهور ليؤمّن المبلغ المطلوب، بالإضافة إلى مكافأة مفاجئة من العمل سرّعت بتحقيق أمنيته بتفصيل معطف جديد. بعد طول انتظار، لبس المعطف الجديد بسعادة لم يعرف طعمها من قبل. "كان أكاكي أكاكيفيتش يسير في أشدّ مشاعره ابتهاجاً واحتفالاً وكان يحسّ في كل ثانية من الدقيقة أنّ على كتفيه معطفاً جديداً. وضحك عدّة مرات خلسة من فرط سروره الداخلي، ففي الواقع فائدتان: الأولى كونه دافئاً والثانية كونه جديداً".
ولكن المعطف "السعادة الحلم" يُسرق منه وهو عائد ليلاً، "أحسَّ كيف نُزع الحلم منه، وُجّهت إليه ركلة وقع على أثرها في الثلج على ظهره بعد دقائق صحا... لكن لم يكن أحد موجوداً، لقد أحسّ أنّ الجو بارد والمعطف غير موجود فبدأ يصرخ، لكن الصوت لم يبلغ أطراف الساحة فأنهد يركض وهو يصرخ".
حاول أكاكي استرجاع المعطف، فبلّغ الشرطة ولجأ إلى رجل من رجال الدولة لاسترداد حقّه، لكن دون جدوى... يموت أكاكي قهراً وبرداً، "هكذا زال واختفى إلى الأبد إنسان لم يفكر أحد من الخلق في حمايته، ولم يكن عزيزاً على أحد، ولم يكن أحد يهتمّ بأمره لا من قريب ولا من بعيد .أكاكي ذهب إلى مرقده الأخير بلا أدنى ضجّة".
بعد موت أكاكي، ظلّ شبحه يسكن شوارع بطرسبورغ المتجمدة، يخرج كلّ مساء لينتزع شتى أنواع المعاطف من فوق أكتاف أصحابها وخصوصاً رجال الدولة، إلى أن أتى يوم وانتزع هذا الشبح المعطف من كتفي ذلك الرجل الذي اغتصبه، فيختفي الشبح بعد ذلك إلى الأبد.
نيكولاي غوغول من مؤسسي المدرسة الواقعية في القرن التاسع عشر، في روايته "المعطف" كتب عن معاناة الطبقة الوسطى التي تصارع لأن تحافظ على موقعها وأن لا تنزلق إلى الطبقة الدنيا. فالأدباء الروس قبله، كانت أبطالهم دائماً من الطبقة الأرستقراطية أو من المعدمين.
لا يذكرغوغول اسم المكان الذي يعمل فيه أكاكي، ليغدو هذا المكان رمزاً لأوطاننا جميعاً وحلم أكاكي حلمنا جميعاً حتى لو اختلفت ماهيته
جاءت نهاية الرواية بشكل فنتازي للهرب من قسوة الواقع وبشاعته. فعندما بدأ الشبح سرقة معاطف الآخرين لم يكن هدفه البحث عن الدفء أو اتقاء البرد والصقيع، بل التمرد والانتقام واسترداد الحقوق والكرامة المفقودة، والبحث عن العدالة حتى لو كان ذلك بعد الموت.
عندما سرقوا معطفك يا أكاكي سرقوا أحلامنا سرقوا آمالنا
لم يعد مهماً ما هو الحلم ولا حجمه... فالقلب انكسر
أنت متّ بعد عدة أيام
ها نحن نموت بالتتابع مقهورين
ولكن احذروا...
سيظهر يوماً شبح الناس البسطاء وينتزع معاطفكم.