ربما لن تعثرَ على ظلّ شجرةٍ في الهجير ربما ستركضُ وراء السراب في صحراءَ من صنعكَ. ربما سيضيعُ بيتُكَ من الحيّ وحَيُّكَ من المدينة ومدينتُكَ من البلاد وبلادُكَ من الخريطة. ربما سترى بحرًا بلا شاطئ ماءً بلا نبعٍ ونهرًا بلا مصب. ربما سترى بحيرات تتجلّد وتضيع فيها. ربما، بدلًا من أن تُدْفنَ في التراب، ستبقى معلقًا في السماء. ربما إذا صلّيتَ ستقع في شَرَك رَكْعتكَ. ربما إذا حَلُمْتَ ستعْلقُ في حلم يَفْتحُ لك باب كابوسٍ وتُضيّعُ باب الخروج. ربما ستسيرُ دون أن تعرفَ إن كانت قدماك على دربٍ ربما لن تعثرَ لهما على موطئٍ. ربما ستأتي الغيومُ لا كي تمطر بل كي ترمي الحجارة فوق المدن. ربما ستقضي حياتك متوهمًا أنك تُحَب. ربما ستعيشُ على الهامش ظانًا أنك في المركز. ربما ستتقلّب على فراش الأرق ولن يغفو لك جفن. ربما سترى طيورًا معدنية في السماء لا تبيض في أعشاشها إلا القنابل. ربما ستُمضي أيامكَ وأنت تنتظر ستأكل وأنت تنتظر ستشرب وأنت تنتظر ستعانقُ وتقبل وأنت تنتظر ستمارس الجنس وأنت تنتظر. ربما ستواصلُ ملء كأسكَ من لترٍ فارغ وتتذوّق الفراغ ظانًا أنه نبيذ. ربما ستهرب روحكَ من جسدك وتسكنُ في جسدٍ آخر ربما ستستيقظ في الصباح ولا يكون صباح ولا ظهر ولا مساء. ربما سيخرج الموتى من القبور كي يفتحوا لكَ النوافذ والأبواب أو كي يعيشوا في الهواء الذي يدخل رئتيك. ربما سترى صورهم على الجدران وتقرأ مقالاتهم في الصحف، ربما سيسيرون في جنازتك ويحفرون لك قبرك بأيديهم، ربما ستراهم جالسين على شرفة الكلمات حين تفتح صحف الصباح وحين تفتح كتبك على مقاعد الدراسة ربما سترى أعينهم تتوهج وتحتل عينيك وحين تحلم، ربما سيجلسون على كراسي أحلامك ويطلبون منك أن تحلم بهم أكثر. ربما كان الموتى هم الأحياء، ربما كانوا هم من يجلس وراء المقود حين تذهب إلى أي مكان. ربما سينفتح بابٌ ويدخل ما لا تتوقعه ربما ستفتح ذراعيكَ ولا تعرفُ من تضمّه. ربما ستظن نفسك حيًا وأنت ميت ربما ستظل تابعًا في بلادٍ ليس فيها إلا تابع أو متبوع. ربما سيواصل جرحك نزفه ولن يندمل.
ربما لن تعثر على نفسك حتى لو لمستها بيدك وسط الأنقاض. ربما ستتوهم أنك تتغذى بكلمات هي نقوشٌ على شاهدتك. ربما ستتوهّم أن لك جناحين دون أن ترفع رأسك كي تتبين سماء فوقكَ. ربما ستتحوّل حياتك إلى أرقام تفتح بها أبواب نفسك وتُغلقها. ربما ستقدّس الأرقام أكثر مما تقدّس الكلمات. ربما سيأتي وَحْيُ أنبياء المستقبل بالأرقام، من سماء تتغذّى على الأرقام. ربما ستتلو أرقامًا في صلواتك. ربما ستستيقظ فجأة معلقًا على شعرة الصراط. ربما ستمشي عليها وتصل إلى الجحيم. ربما كان الفردوس خلفك في حياة سابقة ولا تعرف. ربما ليس أمامك إلا بحر من الظلمات ربما ليس خلفك إلا السراب ربما ليس فوقك سماء وليس تحتك أرض ربما أنت صورٌ في حلم قوّةٍ نائمة لم تستيقظ بعد. ربما أنت في كابوسٍ علقَ فيه الخلقُ. ربما أنت أسطورةٌ لم تُدوَّن بعد ما هو مكتوبٌ عنها مُخْتلقٌ. ربما أنت تُولد كي تموت فقط. ربما تموت كي لا تفهم أي شيء مما يجري. ربما ستظلُّ في المدينة نفسها جالسًا في البار نفسه تكرّر القصة نفسها لمن لا يصغي إليك. ربما ستهاجرُ خارج نفسك خارجَ بلدك خارجَ الآخرين وتظلّ بينهم كأنك لم تغادر.
ربما سيتحوّل جسدكَ إلى آلة فيها شقّ تُوضَع فيه قطعة نقدية كي يشتغل. ربما ستعيشُ على حبة واحدة بقية عمرك. ربما ستنتقلُ إلى كوكب آخر حين لا تعثر على زاوية على هذا الكوكب. ربما ستُصْبح مشرّدًا على المريخ أو شحاذًا على المشتري. ربما ستعملُ سائق أوبر لمركبة فضائية لتوصيل البيتزا بين الكواكب. ربما ستعملُ بائع يانصيب في مجرّة بعيدة. ربما ستعود إلى طفولتكَ ولا تتعرّف على نفسك ربما ستكتهلُ وتنسى من أنت أو من كنت. ربما ستلتصق يدك على الأزرار وعيناك على الشاشة ولن تستطيع فصلهما. ربما ستظلُّ مختبئًا من البشر ويظلون هاربين منك. ربما ستُقْفر شوارع المدن وتتصحّر مقاهيها. ربما ستنمو العزلةُ كأنها أشجار ويخضرُّ الضجرُ كأنه عشبٌ ربما ستُعْصَر عناقيد السأم ويُشْرب عصيرها في الانتظار. ربما ستنمو فطورُ الخوف وتزحفُ أشناتُ الترقب ربما ستبقّع الرطوبةُ جلدكَ كما تُبقّع سَقْف غرفتك. ربما سيتحوّل القلقُ إلى عزاء والخوفُ إلى مخدّر. ربما سيُنْحَتُ تمثالٌ للانتظار ويُعْبد كأنه إله. ربما ستسمع أصواتًا في رأسك عارية من الكلمات وترى حولك كلماتٍ ترتجف من البرد. ربما ستسمع موسيقى تخرجُ من آلات تعزف على نفسها. ربما ستقرأ الكتبُ نَفْسَها وتُصغي نشراتُ الأخبار إلى نفسها. ربما سيتمدّد الفراغ على خشبة المسرح وفي فمه سيجارٌ مشتعل. ربما سيجلسُ الخوف على البارات ويروي القصص كلها. ربما ستستيقظُ في اليوم التالي كي ترى نفسك وحيدًا في مدينةٍ هرب سكانها إلى أخرى. ربما ستخرجُ إلى الشارع ولا ترى إلا الموتى في الوضعية التي كانوا فيها: بعضهم يمشي بعضهم في السيارة بعضهم ميت والسيجارة تشتعل بين شفتيه. ربما ستظل ماشيًا دون أن تصل، وحين يظهر جسر أمامك ربما ستتساءل: ما وظيفة الجسور حين لا يصل شيءٌ إلى شيء، حين القبلةُ تتساقط وتذْوي قبل أن تصل من شفتين إلى شفتين حين خفقة القلب تتجمّد في لحظة تشكلها حين المصافحةُ تبقى يدًا مرفوعةً في الفراغ حين تتحوّل الذاكرة إلى مستودع خرْدوات حين تُمضي حياتك أو نصف عمرك ولا تتذكر إلا من تريد منه شيئًا، حين تسيرُ كأنك على حافّة الهاوية وتنام كأنك في تابوت حين لا تحلم ولا تفرح ولا تتفاءل، حين الشاشة التي أمامك، وتُمْلي عليك باب مغلق. ربما لن تتوقف عن الحلم، ربما ستزيد من جرعاته ربما ستتمسك بآخر نفس ربما ستحفر في نفسك إلى أن تفهمها ربما ستحرّر كلماتك من جثة اللغة ربما ستقف معلنًا أنك لست وحدك أنا هناك آخرين يقتربون ربما ليسوا أطيافًا ربما أنت لا تتوهم ربما سيأتي وقت تخرج فيه من سجنك وتعرف ما يحررك. ربما ستواصل الجَرْي عبر الحدود ولن تعثر على أي بلد.
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...