حيّ الشيخ جراح وأمثولة آيخمان
نجوى بركات
2021-05-15
- يعقوب، أنت تعرف أنّ هذا ليس بيتك.
- أجل، ولكنّك تعلمين أنّكِ، وإن خرجتُ، فلن تعودي إليه، فما هي مشكلتك، أنا لم أفعل هذا، أنت تصرخين عليّ، وأنا لم أفعل ذلك.
- ولكنّك تسرق بيتي!
- إنْ لم أسرقه أنا، سيسرقه شخصٌ آخر.
- ليس مسموحاً لأحد أن يسرقه.
- هو ليس لي كي أعيده...
- يعقوب، أتسمع ما أنت قائل؟ ليتك تعيد الاستماع إلى حوارنا، وسترى كم أنّه شاذّ ومُقهر. تدخل إلى منزلٍ ليس لك، وأنت مدركٌ ذلك تماماً. تأهله وأنت تعرف أنّ له أهلاً. وإذ يطالبك أهلُه ألّا تفعل، تبرّر أنّك، في هذا الفعل، إنّما تسبق إليه آخرَ. أتّهمك بسرقة بيتي، يا يعقوب، فلا تعترض على فعل السرقة، بل تجيبني قائلاً إنّك لست السارق، وإنّك، حتى لو أردتَ إرجاعَه إليّ، فلا يمكنك أن تفعل لأنّه ليس ملكك. أحسنتَ، يا يعقوب، هو بالفعل ليس لك لأنّه ملكي، لكنّك تنتفض معترضاً: لا، لم يعد لكِ، لقد سبق أن سُرق منك، وقد أُعطي لنا. أنا أو سواي، ما الفرق عندك؟ أجل، يا يعقوب، أنت تسرق بيتي كما سرق أبناء شعبك بيوتَ فلسطين كلّها..
- فلسطين، في معظمها، بيعت لنا، أنتم تخلّيتم عنها.
- لا يا يعقوب، ركّز معي. لا أحد يبيع وطناً مهما باع من أرضه. الوطنُ ليس ملكية فردية كما تعرف، وهو ليس فقط مجموعة مساحاتٍ وممتلكات. ولأسلّم معك فرضاً أنّنا بعنا كلَّ ما نملك في فلسطين، فهل يصحّ أنكم اشتريتم بلداً بأمّه وأبيه؟ هذا مستحيل، يا يعقوب، أنت تعرف، وأراك مقتنعاً بما أقول لأنّك تُخفض رأسك. لا تُجبني بأنّ ما جرى قد جرى، ومن غير الممكن العودة إلى الوراء، لأنّ ما فعلتموه، يا يعقوب، هو سرقة استدعت احتلالاً بالقوة، ولأنّكم، رغم كلّ ما سلبتم، ما زلتم تلاحقوننا على قلّة ما تبقّى. حتى متى، يا يعقوب، حتى متى؟
- اسمعي، قضية الحيّ المقدسي الشرقي، الشيخ جرّاح، ستبتُّ بها المحاكمُ القانونية.
- محاكمُكم! اسمعني أنتَ، يا يعقوب، أنت تعرف أنّ دولتك، بمستوطنيها وجنودها وشرطتها وحرسها، لم تتوقّف يوماً عن عمليات الهدم والإخلاء، وعن قمعنا واضطهادنا وأسرنا وقتلنا. دولتك، يا يعقوب، تريد ببساطة محوَنا كي تنسى جريمتها، فتقول إنّ التاريخ بدأ معها، وإنّنا نحن الدخلاء على أرضنا. إسرائيل تريد ابتلاع فلسطين كلّها، لكنّها لا تدري كيف تتخلّص من الحسك العالق في حلقها. نحن هو هذا الحسك يا يعقوب، نحن البشر الذين لا ننسى، ونبقى نحمل اسمَ الأرض التي عليها وُلدنا ونلغو بلغتها. حتى اسمنا بات سكّيناً وشوكة. أنتم تسمّوننا عرباً، ولا تبوحون حتى لأنفسكم وسرّاً بأنّنا فلسطينيون، وبأنّنا أهل هذي البلاد وملحها.
- نحن نسرق بيوتكم، حسناً، لكنّ حياتنا سُرقت منا! لا تنسي كم اضُّطهدنا وأُبِدنا!
- أنا لم أنسَ، يا يعقوب، لكن يبدو أنّكم أنتم من نسيتم. أهي عاقبة الضحيّة دوماً أن تكون جلّادَ ضحيّة أخرى؟ والحق يقال، يا يعقوب، إنّي أودّ شكرك شخصياً والشدّ على يدك، لأنّك من بين قلّةٍ قليلةٍ جدا تعترف بالسرقة، وإنْ تناست عواقبها من تهجير وتمييز واضطهاد وقتل. أوَ تدري، أنا لا أريد منك سوى أن تعتذر عما ارتكبتَ بحقّي، فلا تكرّر على مسمعي أنّك لم تفعل شيئاً، وأنّه ليس ذنبك. تذكّر، يا صديقي، النازيَّ أدولف آيخمان وما كتبته الفيلسوفة حنة آرندت بعد حضور محاكمته، عن تفاهة الشرّ، وقد رأت أنّه شخص عادي لا يشكل أيّ استثناء. لا هو كان معادياً للسامية، أو يتبنّى أيديولوجيّة الحزب النازيّ الذي انضمّ إليه طمعاً بتحسين معيشته. وحتى كلامه جاء إدارياً رسميّاً ولغته نمطيّة سطحيّة، كأيّ موظف بيروقراطيّ ينفّذ أوامر رؤسائه دونما تفكير أو تساؤل أو تحليل.
لا تكن مثل آيخمان، يا يعقوب. قل هذا لشعبك، لا تكونوا مثله، معصوبي القلوب أصمّاء الضّمير.