فراش النائم في أفلام يوسف شاهين : بين المجتمع الزائف و غياب الواقع
2008-06-24
في مسيرة الأستاذ يوسف شاهين الفنية عدة محطات ، قد تكون السيرة الذاتية هي نواتها . من خلال ( إسكندرية ليه) و ( حدوتة مصرية ) تمكن هذا المخرج من توصيل رسالته بدائرة همومها الكونية و الاجتماعية المتشعبة إلى خارج حدود هذه الدائرة. استطاع بجدارة أن يفتح الإطار و أن يبتعد عن التكرار ، و أن يقدم للمشاهد ( في كل مكان ) فنا عويصا تنقصه الطهارة ، لأنه ليس هناك براءة في الفنون . و هنا يجدر بنا أن نتذكر ( نفثة مصدور ) لجمال الغيطاني.
هكذا فعل يوسف شاهين . لقد أراد أن يتنفس . و لكن بالاستطراد المنطقي كانت لديه استثناءات و منها ( باب الحديد ) بالأبيض و الأسود الذي يتحدث عن العنف المجتمعي لأهل الداخل ، ثم فيلمه الذي سنّ السيناريو فيه الرحابنة من وراء صوت فيروز المعروف ، الصوت الصاخب الذي يتغنى بطبيعة رومنسية يكللها الحب ، و لكن أساساتها متحجرة و سوداء و حزينة.
و على ما يبدو أن عصر الفتوحات الكبرى في السيناريو ( من ناحية الصورة ) و الأداء ( من ناحية الكلمة ) ، فالعلاقة هنا معكوسة و تتعدى على المنطق بين الذات و الموضوع ، قد أفل منذ حاز على يوبيله الذهبي في كان ، و في أعقاب صفحته الأخيرة التي تبدأ بمشهد بيكارسكي لمحاكم التفتيش و حرائقها. و أقصد بذلك الفيلم الذي ابتدأ من حيث انتهى ( اسم الوردة ) للمخرج العالمي جان جاك أنو ، أي ( المصير ) ، مع إشارة خفيفة إلى صنوه من الناحية المنهجية و هو ( المهاجر ).
لقد بدأ الأستاذ يوسف شاهين بتوجيه رسائل مقتضبة و بإصرار إلى الأجيال القادمة ، و اختار لذلك وجوها شابة كرستها الشاشة الفضية على مدى العقد الأخير ، و كاميرا سهلة و محمولة قادرة على المناورة في أزمنة ضيقة و مساحات مكتومة ، ثم لغة وجدانية ذات اتجاه مونو- تراجيدي و غنائي.
و كان الخيط الذي يمر من هذه الحلقات المضغوطة و الاختزالية هو الإيروتيكا.
ليس لدى يوسف شاهين موضوعات غير إيروتيكية في الوقت الراهن. و أحيل بذلك إلى ( إسكندرية – نيويورك ) فيلمه الرشيق الذي تأكله تقاليد سينما غربية موجهة أساسا لمصلحة البهجة أو السعادة الفردية ، ثم ظهوره الخاطف و لكن ذو المغزى في فيلم ( ويجا ).
لقد أراد هذا النشاط الإخراجي للرسالة و لمضمونها انفتاحا شبابيا على الحياة.. و المعنى هو عنف الحياة. دمار النطاق الحيوي للحياة. ربما ابتزازها إلى درجة الإنهاك بعلاقات جنسية تعتمد على سلوك المغامرة ، و بالاستفادة من ثقافة الوهم التي مستنداتها في الأرشيف الجنائي للغرب الأنغلو – أمريكي.
أصبح العالم قاربا تبحر أشرعته غربا ، و أصبحنا صورة – سيميولاكر لصورة – موضوع وصلت إلى جدار المبكى ، أو إلى حدودها.
في الواقع استخدم يوسف شاهين هذه التقنيات و المرجعيات من قبل في ( العصفور ) ، و في ( وداعا بونابرت ). لقد كانت الرغبات المؤجلة في شجرة الخطيئة ذات واقع أنوثي محظور استطاع أن يحرض المكبوت فينا ، أحزاننا و أتراحنا ، و أن يوقظ الأطراف الهاجعة على فراش من الشوك.
و لكنه في هذه السيرورة الأخيرة ، التي محورها أساسا ما أسميه بـ ( حكمة اللوقيوم ) ، الحوار المونولوجي بين خطاب الذات و خطاب أنا – غيري في صورها المتعددة ، يكاد يشبه من يدعو إلى عودة النائم فوق فراشه القهري ، بحيث يتعطل الذهن الحزين عن العمل ، و يبقى المجال مسموحا لعبث شبابي غير مسؤول ، ليس أمامه حل غير العنف الذي نحن ندينه.. عنف ضد الذات ( بالانتحار ) ، أو عنف ضد الغير ( بالجريمة ).
ربما لدى الأستاذ شاهين وجهة نظر ، و ربما تسنح له الفرصة ليترجمها عبر مشاهدات سوف تأتي.و لكن حاليا ليس أمامنا إلا أن نتمنى له الشفاء..
* هوامش :
- تواريخ إنتاج الأفلام المذكورة كما يلي : إسكندرية ليه ( 1978 ) ، باب الحديد ( 1958 ) ، اسم الوردة ( 1986 ) ، المهاجر ( 1994 ) ، إسكندرية - نيويورك ( 2006 ) ، ويجا ( 2006 ) ، العصفور ( 1973 ) ، وداعا بونابرت ( 1985 ) .
صالح الرزوق - 2008
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |