السعودية: من 'الإخوان الوهابيين' إلى 'الإخوان المسلمين'
2008-05-13
-1-
شاعت بعد كارثة 11/9/2001 أن الفكر الوهابي الذي ظهر في القرن الثامن عشر بزعامة الشيخ محمد عبد الوهاب (1703-1792)، واشتد أثره في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، مع الدولة السعودية الأولى (1744-1818)، التي تأسست في بلدة الدرعيّة بنجد، وشملت أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية وأسقطها إبراهيم باشا على رأس جيش مصري كبير، وأسر رئيسها عبد الله بن سعود وأُخذ إلى الآستانة مع مجموعة من أفراد عائلة الشيخ محمد عبد الوهاب، حيث تم إعدامه هناك. ثم الدولة السعودية الثانية (1824-1891) برئاسة فيصل بن تركي، التي انهارت بواسطة آل الرشيد. ثم الدولة السعودية الثالثة (1902-؟) التي أسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، وأعلن على إثرها المملكة العربية السعودية الموحدة من نجد والحجاز عام 1932م.
-2-
وقد اعتمد المؤرخون والمعلقون الذين ربطوا بين التعاليم الدينية الوهابية وبين ارتقاء الأصولية
والسلفية الجهادية الراديكالية على ظاهرة وجود 15 شاباً سعودياً من بين مفجري كارثة 11/9/2001، وأن هؤلاء قد رضعوا من ثدي الوهابية. وأن أسامة بن لادن زعيم "القاعدة" هو الآخر سعودي الجنسية ومن بين من رضعوا أيضاً من ثدي الوهابية. ولكن علينا أن نلاحظ أن الوهابية ظهرت في القرن الثامن عشر، واستمرت على أرض الواقع بتعاليمها ومريديها أكثر من ثلاثة قرون إلى الآن. ولم نشهد لها في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والقرن العشرين أية عمليات إرهابية كما تم منذ مطلع القرن الحادي والعشرين 2001. وكان كل نشاطها العقائدي خلال القرون الثلاثة الماضية، ينصبُّ على تطهير الإسلام من مظاهر التدين الشعبي (الشعوذة، والأساطير، والسحر، وتقديس الأولياء، وبناء القبور الفخمة، والتكايا، والطقوس الصوفية الشعبية، وجميع هذه المظاهر انتشرت بشكل واضح في العراق ومصر) وهي بهذه الدعوة التي لحمتها العودة إلى المنابع الدينية الأولى، وسداها تخليص ما علق بالدين القويم من شوائب التدين الشعبي كانت تعتبر عقيدة طليعية تقدمية أكثر منها عقيدة سلفية. إلا أن خطأها كان في تفسير النصوص تفسيراً حرفياً متشدداً، من فوق التاريخ وليس من خلاله. ورفضها تأويل النصوص المقدسة تأويلاً تاريخياً وعدم ربطها بين النص المقدس، وبين السياق الاجتماعي والتاريخي والثقافي الذي جاء فيه. ورغم موقفها السلبي من الآخر، إلا أننا نرى أن الدولة السعودية الثالثة اعتمدت في قيامها منذ 1902 إلى الآن اعتماداً كبيراً على الآخر.
-3-
وعلينا أن لا ننسى أو ننكر المساعدة المالية والعسكرية التي كانت تقدمها بريطانيا للملك المؤسس عبد العزيز بن سعود في حروبه الممتدة مع أعدائه من زعماء القبائل في الجزيرة العربية ومع الهاشميين في الحجاز، إلى أن استطاع إقامة المملكة العربية السعودية عام 1932. ثم لا ننسى الدور الأمريكي في اكتشاف حقول النفط في المنطقة الشرقية والذي لعب ويلعب حتى الآن دور كبيراً ووحيداً في بناء الدولة السعودية الثالثة. ولم يكن الملك عبد العزيز في تلك الأثناء خاضعاً كل الخضوع للوهابيين المقاتلين معه والذين كان يُطلق عليهم "الإخوان". ففي عام 1929 قام زعيم "الإخوان" الوهابي فيصل بن سلطان الدويش بمشاركة سلطان بن بجاد المقاطي، وضيدان بن حثلين، بشن هجوم على قوات الملك عبد العزيز فيما عُرف بمعركة "السبلة" ولكن الملك عبد العزيز استطاع أن يهزمهم ومات فيصل الدويش وكسرت شوكة "الإخوان" في هذه المعركة التي لعب فيها الملك فيصل بن عبد العزيز دوراً عسكرياً مشهوداً.
-4-
وكانت أسباب هذه المعركة الحاسمة الخلاف الحاد الذي ظهر بين "الإخوان" الوهابيين وبين دولة الملك عبد العزيز، والذي يتلخص في التالي، الذي من خلاله نرى كم كانت الدعوة الوهابية قصيرة النظر، وحرفية القراءة، وضيقة التفكير:
1-اتهام دولة الملك عبد العزيز بأنها تستخدم السحر المتمثل باستخدام السيارات والطائرات ووسائل الاتصال السلكي واللاسلكي. واعتبار هذا السحر من الأهداف التي حاربوها في الماضي، ويرفضها الإسلام.
2-اتهام دولة الملك عبد العزيز بفرض رسوم ومكوس على البضائع المستوردة، وهذه الرسوم والمكوس ضد تعاليم الإسلام.
3-اتهام دولة الملك عبد العزيز بالخروج على الإسلام لعقدها معاهدات مع دول كافرة كبريطانيا وأمريكا.
4-تقاعس دولة الملك عبد العزيز عن غزو العراق والجهاد ضد الشيعة في العراق.
5-عدم إطاعة "الإخوان" لأوامر الملك عبد العزيز برد كافة الأسلاب، التي غنموها من غزوهم للأماكن المقدسة للشيعة في العراق.
6-عدم إجبار الملك عبد العزيز شيعة الأحساء بترك مذهبهم، والانضمام إلى مذهب السُنَّة والجماعة.
7-وأخيراً رغبة "الإخوان" بالإغارة على مناطق الشيعة في جنوب العراق لمزيد من الأسلاب والغنائم وممانعة الملك عبد العزيز بذلك.
ومن مفارقات التاريخ، أن الشيعة لم يردوا على الإخوان في عدوانهم، وأن الاعتداءات العسكرية التي تمت على الجزيرة العربية، وعلى نجد والحجاز خاصة، لم تكن اعتداءات شيعية بل كانت سُنيّة، ومنها ما كان في عهد محمد علي باشا ثم في عهد صدام حسين.
ورغم هذا سارت الدولة السعودية في سياستها كأي دولة من بين دول العالم، وتعاملت وأقامت علاقات دولية مع معظم دول العالم غير آبهة بتعاليم الوهابية المتشددة، وفي الداخل استطاعت أن تبني شرعيتها على مشاريع البناء والتنمية التي أقامتها، وليس على الوهابية كما كانت عليه الدولة السعودية الأولى والثانية.
-5-
ومن هنا نرى، أن المرجعية الدينية النظرية للسلفية الجهادية المتمثلة بتنظيم القاعدة والجماعات الأخرى وكذلك للأصولية (الإسلام السياسي) المتمثل بالإخوان المسلمين و "حماس" وغيرهما هي مرجعية قطبية (نسبة إلى سيد قطب) وليست وهابية. وفي هذا يقول فرانسوا بورغا: "كثيراً ما نسمع أن أهم مرجعية نظرية لمؤسسي القاعدة، (أسامة بن لادن، وأكثر منه أيمن الظواهري)، وعدد من أتباعهما الشبان ليست هي الوهابية. ولكن المرجعية المهمة لهؤلاء هو سيد قطب. فسيد قطب، هو الذي منح لهؤلاء طوال النصف الثاني من القرن المنصرم جزءاً كبيراً من قواعده الإيديولوجية" (الإسلام السياسي في زمن القاعدة، ص133). وسيد قطب هو الذي يُعطي للراديكالية السياسية لمؤسسي القاعدة مصدرها اللاهوتي السياسي الأساس. فالسلفيون الجهاديون يشجبون اليوم تلّوث المسلمين بالتأثير الغربي، وتخلّيهم عن التشريع الإلهي لصالح القانون "الوثني". وهذا كله بفضل تفسير تعليمات سيد قطب التي كتبها في السجون الناصرية والمبثوثة في كتاب "في ظلال القرآن"، و "معالم على الطريق". فابن لادن وأيمن الظواهري يتفقان مع سيد قطب، بأن أصحاب السلطة ليسوا مذنبين فقط بتجاوزات تقليدية استبدادية دنيوية، ولكنهم متهمون بالعودة إلى الجاهلية الأولى قبل الإسلام، وحقَّ عليهم القصاص لعجزهم عن احترام الشريعة الإلهية. وهذا العجز يفسّرُ فسقهم السياسي. والدليل الأكبر هو تلوثهم بهذه العلمانية التي ينص جوهرها على إحلال "القانون الوضعي" محل القانون الإلهي وهو الشريعة. (فرانسوا بورغا، "الإسلام السياسي في زمن القاعدة"، ص 136).
-6-
هناك عوامل سياسية صرفة معينة (مقاومة المد القومي والاشتراكي الناصري والبعثي، ومحاربة الشيوعية والأحزاب اليسارية) دفعت دول الخليج وخاصة السعودية والكويت واليمن إلى أن تفتح أبوابها على مصراعيها لقوافل الإخوان المسلمين الفارين من حكم عبد الناصر في الستينات وحافظ الأسد في الثمانينات، وإطلاق يد الإخوان المسلمين في التعليم، ودسِّ كتب وتعاليم سيد قطب في المناهج الدراسية (مثال ذلك اعتماد كتاب سيد قطب الخطير "معالم في الطريق" ، ككتاب مدرسي في المرحلة الثانوية في السعودية. وفي هذا الكتاب رمى سيد قطب المجتمع الحديث بالجاهلية، وأطلق عليه: "جاهلية القرن العشرين". وجاء من بعده شقيقه محمد قطب – كان لاجئاً سياسياً ومدرساً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وعاش فترة في مكة - وألّف كتاباً بعنوان "جاهلية القرن العشرين" 1992).
وسيد قطب الذي يعتبر المُنظِّر الأول للأصولية الدينية، وهو بمثابة ماركس للماركسية، لم يدرس الدين دراسة أكاديمية، وكان بعد عودته من أمريكا يجنح إلى أن يصبح ناقد أدبياً. فكان من المبشرين بنجومية نجيب محفوظ الروائية منذ الأربعينات وبداية الخمسينات. ولكن يبدو أن صدمة الحضارة التي تلقاها بعد عودته من أمريكا عام 1950 ، بعد أن قضى فيها سنتين، حيث كان في بعثة تعليمية هناك (في ولاية كولورادو) باعتباره موظفاً في وزارة التعليم المصرية. فعاد من أمريكا معادياً لحضارتها ولتقدمها الصناعي، كما قرأنا في كتاب صلاح الخالدي ("أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب"، 1985)، حيث يرميها سيد قطب بجاهلية القرن العشرين. ويروي في هذا الكتاب قصصاً على المجتمع الأمريكي أشبه بالخيال أو أكثر. ويقول عن نظامها الاقتصادي بأنه نظام جشع وانتهازي واحتكاري. ويقول عن تحرير المرأة بأنه عبارة عن سوق رقيق. وينتقد التمييز العنصري القوي والوحشي.
-7-
ولا شكَّ أن الدول التي استضافت الإخوان المسلمين الفارين من الجحيم الناصري والأسدي، استعملت هؤلاء كدروع واقية، ضد الدب الشيوعي الذي كان يهدد الشرق الأوسط، والذي من أجله اقترحت أمريكا عدة أحلاف عسكرية ضده، وأشهرها "حلف بغداد" في الخمسينيات، الذي كان للناصرية الفضل في رفضه من قبل مصر والأردن والعراق الذي قامت به ثورة 1958.
وقد استغل الإخوان المسلمون حاجة هذه الدول لهم، وخاصة في السعودية، فاندسوا في أجهزة التعليم والإعلام. ولكن التعليم كان هدفهم الأول. ففي السعودية أصبحوا من ضمن واضعي المناهج الدراسية، فوضعوا كل أفكارهم في هذه المناهج. وشددوا الرقابة على الإعلام. وعاشوا حتى عام 1990 في السعودية كالسمن على العسل. ولكن عندما غزا صدام الكويت وقفوا إلى جانب صدام، ضد رغبة السعودية، وكسروا جرة السمن والعسل التي كانت بينهم وبين السعودية. وقال وزير الداخلية السعودي إن الإخوان المسلمين كان لنا عزاءً فأصبحوا عندنا بلاءً (جريدة "السياسة" الكويتية، 14/11/2005) وتم الطلاق بين السعودية والإخوان المسلمين، منذ ذلك التاريخ.
عن موقع الأوان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |