تحدّي الرّواية النسويّة الإيرانيّة للأصوليّة الدينيّة
2009-05-19
-1-
في المدة الأخيرة، نجحت مجموعة من الروائيات الإيرانيات في تحدّي الأصوليّة الدينيّة في إيران، التي تحظر ذكر الحبّ والجنس في الكتابات الروائية أو الشعرية أو في أيّ جنس من أجناس الأدب. ومن هنا، باتت الرواية الإيرانية تعاني من رقابة مقصّات الأصولية الدينية، فيتمّ حذف أيّة كلمة لها علاقة بالجنس مثل "تعرّي" و"صدر المرأة"، حتّى لو استُخدمت في استعارة أدبيّة، ولم تُشر إلى الجسم البشريّ.
ولكنّ الروائيات الإيرانيات استطعن التحايل على الرقابة الدينية الأصولية بأساليب كثيرة تثير الضحك أحياناً. ومن أمثلة هذا التحايل، ما فعلته الروائية الإيرانية فطينة حاج سيد جفادي، التي لجأت إلى تعابير بديلة عن كلمات جنسيّة. فهي تقول مثلاً في روايتها " صباح سكّير": "شخصان يتحركان تحت الملاءة"، للتعبير عن علاقة جنسية بين الرجل والمرأة!
-2-
بدأت الرقابة الدينية الأصولية للإنتاج الثقافيّ عموماً، بعد عام 1979، عندما قامت ثورة الخميني في إيران. ففي عهد الشاهنشاهيّة، ذي القشرة العَلْمانية (حيث كان نظاماً ديكتاتورياً، ولا عَلْمانية بدون ديمقراطية)، لم تكن هناك رقابة تُذكر على الأعمال الأدبية النسائية وغير النسائية، التي تتناول الحبّ والجنس. وكانت الرقابة فقط على الأعمال السياسيّة.
ولكنّ الرقابة الأصولية الدينية المتزمّتة بعد 1979، دفعت حوالي مائة ألف إيرانيّ لجئوا إلى ألمانيا وحدها، إثر قيام الثورة الخمينية، ويشكّل هؤلاء جزءاً بالغ الأهمية من مجموع الملايين الأربعة اللاجئين، الذين انتشروا في أوروبا والولايات المتحدة واستراليا وكندا، وفيهم كتّاب وروائيّون وشعراء وفنّانون تشكيليّون وموسيقيّون ومغنّون ومسرحيّون، وخلاف ذلك من أرباب الفنون.
وهم الذين يُغذّون اليوم من الغرب الثقافة الإيرانية بالليبرالية والانفتاح، كما يفعل المثقّفون العرب الذين يعيشون في الغرب الآن. وبذا، يكون الغرب مصدراً لإشعاع الشرق وتنويره كما كان في القرن الثامن عشر من خلال حملة نابليون على مصر 1798، وخلال القرن التاسع عشر من خلال بعثات محمد علي باشا التعليمية، وخلال مطلع القرن العشرين من خلال المثقفين العرب الذين درسوا في الغرب، وفي فرنسا خاصة.
أما إيران الأصولية الدينية اليوم، فقد أصبحت حسب منظّمة "صحافيون بلا حدود"، في أسفل سلّم بلاد العالم إعلامياً. وهي بذلك، على قدم وساق مع الصين، وأريتريا، ولاوس، وبورما، وكوبا، وكوريا الشمالية.
-3-
لقد شهدت السنوات الأخيرة نشاطاً ثقافياً نسوياًّ إيرانيّاً ملحوظاً. وقالت جريدة "نيويورك تايمز"، إنّ 370 امرأة إيرانية كتبن كتباً مختلفة تخالف التوجّه الدّينيّ والسّياسيّ الملاّلي في إيران.
وهو تحدٍّ كبير في حدّ ذاته للأصولية الدينية الإيرانية، فيما لو علمنا – مثلاً - أنّ هذا الرقم يُمثِّل 13 ضعفاً لعدد النساء الكاتبات في العقد الماضي، مما يدلّ – مرّة أخرى - على مدى التحدّي النسويّ الذي تواجه به النساء الإيرانيات المقموعات، السّلطة الدينية الأصولية في إيران. وفيما لو علمنا – أيضاً - أنّ مبيعات الكتابات النسائية الإيرانية، تفوّقت على مبيعات الكتابات الرّجالية (نأسف جداً لمثل هذا التصنيف الأحمق). وهذا يعود إلى التعمّق في قضايا محظورة ومتحدّية للأصولية الدينية الإيرانية كالحبّ والجنس. وهذا لا يُعدّ نصراً للأدب النسويّ الإيرانيّ فقط، بقدر ما هو محاولة جديّة للتغير، تغيير النظرة التقليدية الأصولية الدّينية الإيرانية للمرأة، ودورها في المجتمع.
-4-
ومن الأعمال الروائية النسوية المشهورة في هذا المجال، رواية فطينة حاج سيد جفادي "صباح سكير" المنشورة عام 1998، والتي كانت أكثر الكتب مبيعاً. وكذلك رواية فاريبا فابي: "طيري"، والحائزة على ثلاث جوائز إيرانية عام 2002، ورواية آذر نفيسي المشهورة: "مطالعة لوليتا في طهران: ذكريات" التي كانت – أيضاً - أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا، لأنها سلّطت الضوء على الحياة والأدب في طهران في ظلّ السلطة الدينية الأصولية.
ومن الصّور المفجعة التي نقلتها هذه الرواية، تصويرها لكيفية اعتقال الحرس الثوريّ للذّكور والإناث، إن هم خرجوا معاً في الأماكن العامة، فتُعتقل الإناث ليُخضعن لاختبار "العذرية". وقد وصفت نفيسي "إيران الخمينية" في كتابها، بأنها تشبه ممارسة الجنس، مع رجل مُشمَئَز منه.
وهي التي رفضت ارتداء الحجاب الإيرانيّ وارتداء "التشادور"، مما سبّب لها - كأستاذة للأدب الإنجليزيّ - الطرد من جامعة طهران، فأصبحت تُدرِّس الأدب الإنجليزي لطلاّبها في بيتها، حيث تكوّنت أحداث روايتها (مطالعة لوليتا في طهران)، والتي تُظهر فيها، كيف أنّ النساء الإيرانيات لا يخفن، أن تفلت خصلة من شعرهن خارج الحجاب مما سيؤدي بهُنَّ إلى الجلد والسجن، وربما الاغتصاب والموت.
وكيف أن النساء الإيرانيات لا يخشين من عقاب إذا أكلن حبّة فاكهة علناً. وكيف أن العالم يتقدم إلى الأمام وإيران الأصولية الدينية تعود إلى مجتمع القرون الوسطى. وتلتقط نفيسي بعض مظاهر الحياة الإيرانية في ظل عهد الأصولية الدينية الخمينية، فتقول إن المرأة عادت تُشكِّل نصف قيمة الرجل. وأنّ النساء اللائي ارتقين كرسي الوزارة في عهد الشاهنشاهية حُكم عليهنَّ بالإعدام بتهمة نشر الدعارة!
-5-
ويشير دومينيك غودريش في مجلة "لوموند ديبلوماتيك" (عدد29، مايو 2008)، في تقريره إلى حياة المرأة الإيرانية داخل المجتمع الإيراني الأصولي، والتي تحاول تحدّي السلطة الدينية الأصولية، من خلال قراءته لكتاب دلفين مينوي مؤلفة "دجاجات الحبش في طهران، سيرة حياة الإيرانيات"، كيف أن النساء الإيرانيات استطعن التحايل على الرقابة والممنوعات والرغبة في القيم الغربية، وذلك من الصحون اللاقطة، والاحتفالات المختلطة الصاخبة. وتصوّر لنا مينوي واقع النساء المحرومات من الحقوق منذ الثورة 1979. وتنتهي إلى نتيجة أن الحيّز العام في إيران اليوم أنثويّ إلى درجة عالية.
كذلك يقول الشيء، ذاته جان دانيبل لافون في كتابه: "إيران، كلمات الصمت" من أن المجتمع الإيراني اليوم يستنبط قسماً كبيراً من حيويته من حركة النساء من خلال الموجة الجديدة Nouvelle Vague التي تمثل حرية الصحافة، ودور المرأة في المجتمع.
شاكر النابلسي:
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |