فارس الذهبي بين الريح والملح وتفسير الأحلام
2007-07-06
يرمي الفارس الذهبي صاحب مجموعتي الريح والملح وتفسير الأحلام الأولى صادرة عن دار كنعان 2003 والثانية دار ممدوح عدوان2007، شخوص قصصه إلى عالم موحش مفزع مليء بالقسوة والعنف ،مرصع بالجمال والرومانسية ،يصنع لهم نهايات تراجيدية شكسبيرية ذات فرادة ومأساوية كبيرة لدرجة تلفت نظر القارئ حيث أن جميع أبطال القصص الرئيسية يخوضون صراعاً مع مجتمعاتهم بشكل فردي ولأسباب غالباً غير ذات قيمة ...تتنهي هذه الصراعات بصدمة الأبطال أمام قسوة المجتمع المفاجئة والتي تصفعهم وكأنها تطلب منهم الاستيقاظ من حلمهم الجميل الذي تعيشه الشخصيات ...فمثلاً يعمد الذهبي إلى بناء علاقة عمودية تبحث عنها الشخصيات مع المجهول طلباً للخلاص ،ففي الريح والملح يصعد جاد من قعر القبو المظلم نحو السطح في رحلة طويلة باحثاً عن الحرية و(مساحة الحرية الأكبر)وحين يصل لا يكتفي بل يطلب المزيد بمساعدة طائره الورقي الأخضر
الذي يمتد مع الخيطان ليصبح يد جاد التي تطول نحو عش الغراب المرمز في حديقة الشيخ ،عش الغراب الأسطوري الذي يحوي الجواهر اللماعة والفاتنة ولكن الطائر الورقي الأخضر يسحب جاد معه نحو الحلم فبسقط سقوطاً تراجيدياً (بالمفهوم الأرسطي)عمودياً(بالمفهوم التحليلي )نحو باحة القبو الذي خرج منه ليقتل، ويعود للالتصاق بالملح الذي هرب منه للتو ..حكاية بسيطة مليئة بالعنف الطري نهاية مأساوية باسمة لفرط الخيال و أسلوب الموت.
في جاسم والكلب من تفسير الأحلام يودي العطش بجاسم الذي لسعته الأفعى فأودت بعقله إلى الحفر عمودياً أيضاً ولكن نحو الأسفل بحثاً عن بحر المياه الجوفية الغامض الأزرق والذي سينجيه من واقعه المأساوي المليء بالأفاعي والسم ، هذا النزول العامودي والذي يشبه إلى حد بعيد التواصل الصوفي مع الطبيعة يضعه بالإضافة للسم في جسمه أمام الاكتشافات البشرية للما ورائيات جميعها الدينية والأسطورية و البشرية فيصطدم مع جوقة مريم العذراء الفخمة ويقرأ على الحجر آية الإسلام المعرفية الأولى (اقرأ باسم ربك الذي خلق )..حتى يصل الماء ويتواجه مع نظير الأفعى الأسطورية والتي أسماها الذهبي للتمييز بالحية حسب المنطوق الشفهي للأفعى ،هذه التسمية البعيدة عن مرموز الأفعى السلبي والذي يأخذنا إلى رمزها الآخر وهو الحكمة والمعرفة ،فبعد الآية ومريم وأشياء أخرى تأتي الحية لتتلو عليه الحكمة الأخيرة حكمة حياته التي سيعيش بعد شرب الماء الحكمة أو قطف تفاحة المعرفة كخط مواز ...
هذه الشخصيات التي تنبثق من عوالم غريبة وجديدة عالجها الذهبي بفرادة وفلسفة قد تبعد القصص عن القارئ اليومي ولكنها تخفي جمالاً غير مفهوم و من غير الممكن إغفاله .
وبالانتقال إلى القصة الرئيسية بنظري قصة الطوفان الأبيض والتي تسرد ببراعة ورشاقة حكاية انتقال الشاب سلطان من قريته المجاورة لدمشق والتي يصب فيها نهر بردى الشهير إلى دمشق التي يجيء منها النهر بحثاً عن أسباب جفاف النهر وعجزه عن الاستمرار نحو مستقره الأخير ،حيث يمر بالعديد من الشخصيات والنماذج التي يصطدم بها بعفويته النابعة من مرضه وإعاقته (التوحد)كما فهمت على الأقل ،شاب يبدأ بتفكيك مجتمع المدينة انطلاقاً من طريقته في التحليل والتركيب طريقته البدائية والساذجة ليكتشف رويداً رويداً عزلة الناس عن بعضها وقسوة المدينة الحديثة والمكتظة على أبنائها وانشغالهم عنها ليرمينا في المشهد الأخير الرهيب حيث يدخل سلطان البطل إلى مشفى لاهو ولا نحن كقراء ندرك أنها كذلك، وذلك لأن الراوي ببساطة يروي لنا الأحداث بنفس طريقة تفكير البطل ،حيث يتوه ويضل الطريق بحثاً عن ملجأ حتى يستقر في براد بنك الدم حيث الأكياس تتدلى ممتلئة فيضربها دون قصد حينما يراها فتنفجر شلالاً من الدم (دم المتبرعين المدنيين والمحسنين)عليه ليصاب بصدمة تجمده ويمضي جدول الماء النبيل الأحمر نحو البالوعة التي ستذهب بدماء المتبرعين نحو النهر حيث تستقر كل المياه في دمشق لتجعله يتدفق ليصل إلى قريته ،فهو من حيث لا يدري نجح في جعل النهر يصل قريته ولكن الحل الرمزي كان قاسياً فالنهر الذي يرمز للمدينة والمدنية لن يسير من جديد إلا بجهود وعطاء الناس الذين سيتبرعون برضاهم بهذا الجهد حتى لو وصل حد الدم النبيل هذا الدم الذي لم ينتج عن عنف وإنما عن رغبة في الخير لإنقاذ الآخرين.
نهاية جميلة لقصة التوهان أطلق عليها اسم طوفان أبيض أي طوفان الخير،وهكذا يستمر الذهبي بقصصه في تفسير الأحلام والتي تتوازى في الشكل مع الريح والملح من حيث ترتيب البيانات و الثلاثيات التي ترتكز على الزمن وغيرها مع فارق النضوج والوضوح في الرؤية التي اكتنفت المجموعة الأخيرة بعد أربع سنوات من الأولى ليقدم لنا وجبة من الحكايا الفريدة ذات الجدية المرتفعة والتي نشكره عليها رغم التفاوت في جودة القصص.
08-أيار-2021
17-أيلول-2008 | |
23-آب-2007 | |
06-تموز-2007 | |
15-آب-2006 | |
01-تموز-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |