Alef Logo
ابداعات
              

عاداتٌ ، وخطوط حمر

محمد سعيد

2007-08-27

خاص ألف
كعادتي، أستيقظ متأخراً، أتقلّب دقائق على السرير قبل أن أنهض لأشرب قهوتي خالية من السكر، لا أعرف من ورطني بهذه العادة ( حتماً المثقفين ) ولكني تعودت عليها، كما تعودت على أشياء كثيرة أتمنى لو أنني لم أتعودها، أرشف قهوتي بكل هدوء، أحاول أن أبدو أقل تشاؤماً وأكثر تشاؤلاً، أرتدي أحلامي الصغيرة ( يوماً ما كانت كبيرة ) أمشط شعرها، أصنع ابتسامة لا تعني شيئاً على وجهي وأخرج إلى عملي.
في الطريق أتبادل مع سائق التاكسي كلمات عن الطقس والحرب، أخبره أشياء عن طبقة الأوزون والتلوث البيئي الناتج عن ارتفاع نسبة الكربون، وعن الاحتباس الحراري.
ويخبرني عن الحرب القادمة التي سننتصر بها عليهم ، وعن مفاجآت ستكون مدمرة لهم ولأعوانهم ( العلوج )، وأشياء أخرى ( بفتح الألف ) أظن بأنه سمعها بنشرات الأخبار من المسؤولين ( عن خرابنا ودمارنا )
كعادتي ، أصل متأخراً إلى مكتب الجريدة التي أعمل بها، وكعادتها أيضاً تستقبلني السكرتيرة بابتسامة جميلة وصدر بارز يتحدى كل صواريخ أمريكا وتكنولوجيا العالم بشموخه ، تخبرني بأن رئيس التحرير بانتظاري في مكتبه، أهز رأسي موافقاً وأنا أبتسم ، أناولها ورقة أطلب منها أن تعطيها لرئيس تحريرها ( من الحاجة والجوع الجنسي ) حال خروجي من مكتبه، أتوجه إليه وأنا أفكر بعظمة هذا الصدر، وكيفية تكوره بهذا الجمال.
كعادته، يتكلم بالهاتف مع زوجته وكأنه لم يرها منذ سنة، تزوجها ( كعادة كل الرجال ) بعد عودته من الخليج ومعه ثروة الكل يعلم كيف جمعها، تاركاً زوجته الأولى وحيدةً بحجة أنها لم تعد ترضي حاجاته ومتطلباته النفسية والجسدية ، وذلك بعد أن أنجبت له أربع أطفال وعاشت معه في أقسى أيام فقره وعوزه .
- أهلاً محمد تفضل بالجلوس .
جلست وأنا أحاول أن أنسى تكويرة صدر السكرتيرة ورائحتها .
- أنت تعرف بأني لم أحصل على الترخيص إلا بعد عذاب طويل معهم ، وبعد أن قدّمت الكثير من الرشاوى للمعنيين بهذا الأمر.
- نعم أعرف، وأعرف أيضاً أنك قدّمت الولاء والطاعة لهم، وتعهدت بأن تكون من المصفقين المميزين لكل قراراتهم وتفاهاتهم، ولكل ما ينطقون به وكأنهم أنبياء لا يخطؤون، ولكن هذا لا يعنيني، أنت حرٌ بكل ما تفعله.
- حسناً .. لن نتجادل في هذا الآن ما أريد قوله هو أنك تجاوزت الخطوط الحمر في مقالك الأخير، وضعتني في موقف حرج معهم، وذلك لأنك خرجت عن الخط الوطني للجريدة.
- خط وطني وخطوط حمر إذاً !!!!
هل الكتابة عن آلامنا و حقّنا في العيش بحرية وكرامة هو تجاوزٌ للخطوط الحمر ؟
هل الكتابة عن البطالة التي تغتال كل طموحات شبابنا هو تجاوزٌ للخطوط الحمر؟
وهل الكتابة عن الظلم والفقر الذي يعاني منه الكثير من الناس، وعن الفساد بكل أنواعه
والذي ينتشر كالسرطان بكل دوائرنا ومؤسساتنا يعتبر تجاوزاً للخطوط الحمر وخروجاً
عن الخط الوطني؟ وهل وهل وهل ................
- أنا لم أقل أنك غير وطني أو غير ذلك، ولكنك تحرجني بمقالاتك هذه أمامهم.
- عن ماذا نكتب إذاً لنكون من الصالحين ولنكون وطنيين بمقاييسهم؟؟
هل علينا أن نكتب عن الحركة التقدمية في موزامبيق مثلاً، أو عن نضال الفلاحين في الإكوادور،، أو ربما عن حقوق الإنسان في سيريلانكا !!!
ما رأيك أن نكتب عن هجرة الكوبيين إلى أمريكا من الظلم والديكتاتورية!! أو عن سجناء الرأي في الصين الشيوعية ؟
هل نكتب عن الهنود الحمر لنكون غير متجاوزين للخطوط الحمر؟؟
لا أنتظر منك أجوبة على هذا، فأنا أعرف ما ستقوله، وأعرف بأنني لن أرضى بأن أكون بوقاً لهم، ولن أساوم أبداً، ولن أكون يوماً من المطبلين والمصفقين لخطاباتهم المملة والكاذبة، ولن أشارك بمهرجان النفاق هذا، فقط أريد منك أن توقع على طلب استقالتي وهو الآن عند عشيقتك الحسناء، وهنيئاً لك بهذه الجريدة .
كعادتي،عندما أشعر بالألم والضيق من المكان، وعندما أشعر بأني محاصر، وبأني سأخسر روحي وذاتي إن بقيت، رحلت بدون أن أجمع أشيائي ، تركت كل شيء ورائي وخرجت.
لا أعرف لماذا كان لدي رغبة شديدة بالركض مثل ( توم هانكس ) في فلمه الجميل ( فوريست غامب ). لذلك رحت أركض، ركضت كثيراً، وكنت أسمع صوتها يقول لي : أركض محمد اركض، كان لدي رغبة بالركض إلى نهاية الشارع، ثم إلى نهاية المدينة، ومن ثم إلى نهاية العالم. ولكنني تعبت، ولم أستطع الركض مثله ثلاث سنوات أو أكثر، توقفت عن الركض وبدأت أمشي بدون وجهة محددة، وصلت إلى شارع لا يؤدي إلى أيّ مكان، ولكنه يذكّرني بها عندما كانت تسخر من عنادي ومحاربتي طواحين الهواء مثل دونكيشوت .
تابعت المسير ببطءٍ وخدرٍ موجع، وكعادتي - عندما أكون وحيداً بهذا الشارع - أشعلت سيجارة، ورحت أردد كلمات الشاعر محمد الماغوط :
" آهٍ يا حبيبتي، عبثاً أستردُّ شجاعتي وبأسي، المأساة ليست هنا في السوط أو المكتب أو صفارات الإنذار، إنها هناك في المهد ... في الرحم، فأنا قطعاً ما كنت مربوطاً إلى رحمي بحبل سرّة، بل بحبل مشنقة .."

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصائد مبللة بحزن الصباح

29-حزيران-2008

وكأنَّني أســـــتحمُّ بكِ

23-أيار-2008

حالة قرف وقصائد أخرى

23-أيلول-2007

عاداتٌ ، وخطوط حمر

27-آب-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow