سؤال وجواب
2008-03-18
بدأ الأمر برعشة أصابت دماغي لتنتقل كشحنة كهرباء لتلمس أطرافي وتهزني هزة خفيفة ... لم أعرف التسمية العلمية للأمر
أخبرني البعض أنه تغير كيميائي يصيب الجسم في فترة معينة أثناء النهار ليعلن الجسد فيه انتهاء فترة الركود وبدء مرحلة جديدة من النشاط .
- ولكن .. أعتقد , قرأت عن الموضوع هي تحدث ليلا ...
- نعم ليلا وأثناء النوم أيضا
- إذا ....
- إذا أنت لاتنام , هذا هو السبب
وضع طبيبي سماعته الفضية , نظر إلي وكرسي الجلد
يحتضنه , جال متفحصا صلعتي السمراء نزولا إلى أنفي الكبير ليملأ كرشي مساحة عينيه الصغيرتين .
- أنت تحتاج للنوم , فقط .
نظرت حولي , صور جسم الإنسان الحنطية والزهرية تنير جدران عيادته الصفراء ... صور أطفال , صور أطفال سعداء هنا وهناك ,شعورهم الصفراء والبنية مسترسلة ضاحكة تضم رؤوسهم الصغيرة الساذجة
- إذا دكتور ... اكتب لي وصفة .
- وهل أنت مريض ؟ ... فقط تحتاج للنوم
- والرعشة ؟
ابتسم كأبطال أفلام الكرتون :
- ... قلت الرعشة هي من قلة النوم ... اذهب للبيت ونم .
أشعلت سيجارتي الوحيدة المتبقية , نظر إلي باستغراب ... تناولها وأطفئها :
- وتدخن .. وتشرب القهوة ... وأربع علب كل يوم ... ولاتنام , وتقرأ كل الجرائد ... وتتابع نشرات الأخبار كلها , لا تأكل بانتظام .. تأكل أي شيء .
- هل اتصل بك .
زم شفتيه , ترك كرسيه واقترب مني :
- نعم .. البارحة اتصل بي ابنك وأخبرني , يارجل مابك , كحول وسجائر وسهر .
- كحول وسجائر وسهر ... اها ... نفس العبارة تتردد .
- نعم نفس العبارة ... اقتربت من الخمسين ... والكل قلق من أسلوب حياتك , انت تنتحر ولكن ببطء .
- والنساء ؟ ألم يخبرك عن النساء ؟
تراجع وهو يضحك , اقترب مني هامسا :
- أنا أعرف عن نسائك أكثر منه .
لم أكن مستقرا دائما في حياتي الأخرى الحياة التي لها علاقة بالذكورة ... كنت مقلب المزاج , كل يوم مع امرأة , مازالت كلمات عمي الأعزب تجتاحني ..
" كن كوردة .. يشتمك الجميع " كان عمي صبري قصيرا بكرش عكازه الخيزران البني اللامع يتبعه أينما ذهب , كنت أراه من بعيد مقبلا من أول الشارع وأبتسم كان يشبه نقطة الماء ولكن بالمقلوب .
ورثت منه الكرش وعن أبي حب النساء ومن أمي رقة القلب .
*********************************
- إذاً ؟ .....
سألني الطبيب وهو ينسحب متناولا المعطف المعلق .
لم أعرف إجابة لـ " إذاً " تلك .. ابتسمت له ملوحا بيدي ليكف عنها .
- تذهب معي للغداء ؟
اجاب وهو يزيل شيئا غير موجود من على المعطف :
- لا اليوم ... مخصص للبيت ... لا عمليات ولا زبائن ...
*********************************
عصام هو الوحيد المقرب لي من أصدقائي , استطاع كتم انفاسه حتى وصل كلية الطب , تزوج ابنة رجل ثري , وأنجب منها أطفالا يشبهون أطفال الدعايات وخصوصا تلك التي لها علاقة بالحليب
بعضنا تابع في الهندسة واللغة .. و ... وبعضنا تحول ليرث مهنة ابيه .
كنت الوحيد الذي امتهن القلم والورق كحرفة ... والنساء والقهوة كحبر .
كصخرة جوفاء صماء تحركت سيارتي لتخترق زحام الشارع , وتعبر محيط البشر , صافرات الشرطة .. ودخان السيارات والوقوف المتكرر لم يستطع تحويل انتباهي عن رنين هاتفي الجوال :
- أنا على الطريق ... نتكلم عندما أصل .
ابني الوحيد دائم القلق علي وعلى صحتي , زوجته التي تشبه اللعبة تحتضنني وتجلسني على الكرسي المنتفخ الوحيد في المنزل , تمزح وتضحك وتمارس ألعابها الكلامية أمامي ...
- اليوم الغداء هنا .. لن تتحرك .
ترقص حولي كفراشة , وهي تعطيني فنجان القهوة وتقرب مني منفضة السجائر
نظرت بطرف عيني لأجد معتز وهو يرميها بنظرة مؤنبة مهددة , تلك النظرة التي اعتدت عليها كلما أشعلت سيجارة أو أفرطت في شرب المنبهات , أو عندما يضبطني أقرأ الساعة الرابعة صباحا
معتز دائم الصمت كأمه , لا يتكلم إلا فيما ندر يستخدم طريقتها في التعبير "وجهه"
- إذاً ؟ ....
قالها وهو يصالب يديه فوق صدره ويرميني بنظرات باردة .
*********************************
كل أحرف الجر وعلامات الاستفهام وأحيانا التعجب ... كانت أخف من تلك " الاذاً " , تربكني أقف أمامها مذعورا متأهبا متوقعا مستنفرا .
إذاً تحمل تلك الشحنة الكهربائية التي تجعلني متوترا وقلقا منها , أبحث دائما عن أجوبة لم يسألنيها أحد لتوقعي رؤيتها , تضعني في خانة الباحث الدائم بين طيات الأحرف والكلمات علّي أجد شيئا يقنعها , يرضي استهلاكها الدائم لأجوبتي .
أتخيلها عبقرية تسخر مني .... تمد لسانها ساخرة من كل معارفي , شامته بتجاربي , تدهس أجوبتي التي لا ترضيها .... باحثة بين تلافيف دماغي عن بقية أجوبة أحجبها عنها .
كنت كلما تذكرتها أنتفض وأحس بتلك القشعريرة التي لا تنتاب الأغبياء سائليها .
08-أيار-2021
22-نيسان-2009 | |
27-كانون الثاني-2009 | |
15-تموز-2008 | |
27-حزيران-2008 | |
18-آذار-2008 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |