في مديح صورتي التي ....
2008-07-14
1
الصورة عقل النسيان
الصورة استشراف لنسيان مقدّر , نسيان يجرّ الذاكرة الملتهبة نحو حتف يكاد يكون مدبرا و محاك بالطريقة التشكيلية الفوتغرافية التي تلّوث بها طيف الشئ المتواشج فيها , صورتي تحاكيني باللغة التي ارغب و هي التي تريني نسيانها الدائم كيفما تسنى للنسيان أن يمحو أو يتماحى , فليس لي ما أهيئه للمخيلة ( الملونة ) سوى ما هيأته من قبل لزخم متنافر لصور أشخاص ولدوا في أشكال مبروظة ألتقطت هباء و استسلاما لمكيدة الزمن المخبأ وراء حياة مخبأة و تشكل استدراجا لذكريات هاربة تمر هكذا دون ضبط أو وقف .
ليس لصورتي ماض, فماضيّ في صورتي التي لا حاضر لها إلا في لغتي, كأني أعيش في ماض دون أن أحس أو كأنني لا أعير للحاضر سوى صورته الملقاة جزافا على قارعة الكتابة. صورتي هي دليل تاريخي و زماني فوجودي يبقى متفردا بصورتي التي تظهر من خلال المنشأ الذي يعكس التقلبات التي صادفتها من واقع تأثر بالأوضاع الطبيعية من خلال الزمن أو حتى التغيرات في حالات الملكية و الامتلاك له , ( و لايمكن معرفة التغيرات الأولى أو المصاحبة لها إلا من خلال النسخة الأولية للصورة سواء بواسطة التحليل الكيمائي أو الطبيعي ) . ان الصورة الاصلية تفهم كما قال فالتر بنيامين على انها اكثر موثوقية او ( مصداقية او قابلة للتصديق ) مقارنة بالمنسوخ عنها , انها تقترح الى كل ما هو مجيد و راسخ و لايمكن ترداده او تسطيره و ربما تلوح الى ما هو أكثر واقعية .
2
برفقة الشمس
في عمري الغض المتشابك كنت برفقة والدي الذي أنزلني إلى المدينة , ندخل سويا إلى احدى صالات التصوير الشمسية , عبر غرفة مظلمة مطلية بالسواد الفظ لاتكاد ترى أشياءها من سعة الصمت التي تحاصرها , كانت غرفة مثبتة بأعواد خشبية منخورة و جدار مفتول بثقب غائر تدخل منه أشعة الشمس الهاربة من ظلال هاربة , والأب رغم غشاوة الأمر عليه يمسك بيد رأسي وبيد أخرى جزعي الخشبي المفجوع , كي أتسمر أمام جزع أخر طويل متخشب بفم غريبة وعين واحدة تشع منها سكينة ما تشبه إعدام رجل اعدم للتو , ورجل لايظهر منه سوى عمامته السوداء الخشنة وهو يحرك جسده كي تقف عينه الوحيدة على مقطع ما من وجهي الوحيد الذي خلد إلى دهشة وصعق لا مثيل لهما , رجل وكرسي فولاذي يقايضان جسمي الغض المنبهر بالآبهة الخالدة لمولود سيظهر للتو في ركن مظلم من أركان الخديعة كأنني من جديد سيرسم لوجهي ملامح أخرى لم أعهدها من قبل , ذلك الوجه الزخرفي الذي يسيل منه لونيّ الأبيض والأسود والفم السكران الصافن مهذور ومتشقق من ضربة الشمس اللولبية التي اخترقت الثقب وحطت على عيني دون أن يحرك أبي ساكنا فظاظة الشمس و غلاظتها علي و ما آل إليه تفصيلات وجهي والابتسامة البلاستيكية الأبدية التي تشظت من جراء الإغماءة العميقة التي أحدثتها صرخة الرجل الهلامي وهو وراء الآلة الخشبية وهو يشتم بعبارات مبهمة لم افهم منها سوى (يا حيوان ظبط وجهك , ليش حركت حالك , بدنا نصور مرة ثانية ) صورني الرجل ( الخشبي ) هكذا بمحياي المبهم المشغوف وصرت كمن يبحث عن وجهه الذي غاب عنه منذ آلاف السنين , وجه مستحدث بلوني ابيض واسود فوق رقبة مثقلة بابتسامة مستنفرة خرجت إلى اليقين الحي بعين ذاك الرجل السريع المبهم : (خلاص هادا صورتك ) قال الرجل المبهم لأبي الذي مثلي غارت عيناه في صندوق وجهه وهو يرى صورتي للمرة الأولى وبالشكل الذي أنا فيه , يا الله هذه صورتك يا بني , بعينين مغمضتين لا مباليتين بالحياة . ومازالت هذه الصورة تحفر سنوات عمري سنة تلو سنة محتفظا بها كما يحتفظ الماء ببريق الشمس.
الصورة المنشورة مع المقال للكاتب سنة 1976
08-أيار-2021
16-كانون الثاني-2021 | |
09-كانون الثاني-2021 | |
27-أيار-2020 | |
02-أيار-2020 | |
30-تشرين الثاني-2019 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |