الدكتورة نجاح العطار السلطة...والعودة إلى الدفاتر العتيقة!
2006-04-08
يسود مثل شعبي في مناطقنا أو شرقنا يقول: (التاجر المفلس يعود لدفاتره العتيقة) فهل خلت سورية من مثقف وإداري بارز يقود وزارة الثقافة ويدير العملية الثقافية بمهارة، محافظا بنفس الوقت على مسافة أمان بين السياسة والثقافة وموازنا بين متطلبات السلطان وأحلام المثقف حتى تتم العودة إلى وزراء قدامى؟!
في عام 1976 تفاجأ السوريون بتعيين أول امرأة وزيرة (وحتى في البلدان العربية) في حكومة عبد الرحمن خليفاوي ولم يمض وقت طويل حتى أدرك الكثيرون أن العطار سليلة العائلة الدمشقية العريقة هي وزيرة الدفاع الفعلية في بلد تدق فيه الفواصل بين وزرائه ومسؤوليه لذلك فلا نعدم تصريح حربي من نجاح العطار وتصريح رومانسي وشاعري من مصطفى طلاس..
استمرت العطار في وزارة الثقافة لأربع وعشرين عاما (1976 – 2000 ) أنجزت خلالها العطار مع مثقفي سورية الكبار أمثال (أنطون مقدسي- حنا مينة- محمد كامل الخطيب- نزيه أبو عفش- ميشيل كيلو – سعد الله ونوس - أسعد فضة- فواز الساجر- صالح علماني- أنطون حمصي- رفعت عطفة...)، أهم سلاسل الكتب في التأليف والترجمة والتحقيق وأهم العروض المسرحية والدوريات الثقافية (الحياة السينمائية والحياة المسرحية) وبعض أهم الأفلام السينمائية (نجوم النهار- أحلام المدينة – الكومبارس ..) ودعم ملفات للفن التشكيلي واقتناء أعمال تشكيليين سوريين... وما كان لهذه الإنجازات لتسجل في سجل العطار دون طريقتها المنفتحة في احتواء المثقفين السوريين والعرب بغض النظر عن انتمائاتهم السياسية والفكرية، مما خلق نوعا من التوازن في الحياة الفكرية والثقافية السورية رغم مناخ الاستبداد السائد حيث شعر المثقف السوري بنوع من الأمان في ظل وزارة غردت خارج سرب (بتواطؤ) السلطة وتحت بصرها كنوع من الرشوة السياسية أو الثقافية لنخب (شقية) كان المطلوب حيادية صوتها أو خفوته على الأقل، بينما (تبعثنت) (وزارة الإعلام) وضُبطت لتصبح صوت السلطة الصافي، (حسب نظرية احمد اسكندر أحمد وزير الإعلام لحوالي عقد من السنين) توفي 1984 .
وباعتبار أن دوام الحال من المحال أقيلت نجاح العطار من الوزارة في حكومة محمد مصطفى ميرو الأولى (2000 ) وجُيء بالشاعرة المغمورة مها قنوت في سعي للسلطة لتجديد كوادرها بعد عقدين من (الاستقرار) حسب مصطلحات الخصوصية السورية، حيث كان الرئيس الراحل حافظ الأسد نادرا ما يغير وزرائه وقادته ..
مها قنوت (التحديثية) لم يعجبها التنوع الفكري والثقافي الموجود في وزارة الثقافة وأحبت كمواطنها (أحمد اسكندر أحمد) تصفية وتنقية وزارة الثقافة من (الشوائب) فقامت بحملة (مكارثية) في الوزارة أدت لهجرة الكثير من المثقفين للوزارة وعلى رأسهم عميدهم (أنطون مقدسي) ووصل بها الأمر حد مراقبة الاتصالات كنوع من منافسة أجهزة الأمن على مهماتهم.
ولأن خلخلة الوضع الثقافي التي كرسته الوزارة كان خطرا ضمن تركيبة السلطة وحسب وجهة نظرها كان لا بد من انقلاب السحر على الساحر ولم تكمل قنوت عامها الثاني حتى لفظها التغيير الوزاري وجيء بنجوة قصاب حسن لتقود الوزارة المنهكة من حملة التطهير القنوتية.
زجت قصاب حسن بعناصر الاتحاد النسائي والشبيبة في الوزارة في محاولة لترميم تصدعات الوزارة. وتم مسك مفاصل الوزارة من أشخاص عديمي الثقافة والكفاءة مما أدى لان تصبح الوزارة مجرد مشغل للخياطة تم تفصليه على مقاس أحلام الوزيرة الجديدة، وأصبحت القرارات التي تتخذها الوزارة متضاربة عشوائية بلا أية خطة فما تراه مناسبا مساء تتراجع عنه صباحا حتى أن تعيين بعض الموظفين يتناسب مع درجة (الصداقة بين الوزيرة والأمهات في الاتحاد النسائي) (مدير المكتب الصحفي في الوزارة مثلا) وسيطر الخوف على الوزيرة النسائية من أي متنفذ فكثير من القرارات اُتخذت بعد اتصال هاتفي!!
ورغم الوفر الذي حققته للخزينة بتوفيرها مئات الملايين من ميزانية وزارة الثقافة وإعادتها لوزارة المالية دون أي إنجاز، لم تكمل قصاب حسن عامها الثاني أيضا وأطاح بها التغيير الوزاري في الشهر التاسع من عام 2003
وأمام تراكم الأخطاء في الوزارة وتعزيز الخراب كانت صورة نجاح العطار تتضخم يوميا بالمقارنة بين الأمس واليوم، فأغلب كتب الوزارة كانت تشق طريقها إلى المستودع لتتلف ببطء في الرطوبة فالطريق إلى القارئ وعر المسالك دونه جودة وعمق لم تحظى به أقلام بعض المؤلفين الذي زجوا بمخطوطاتهم في مطبعة الوزارة بفضل العلاقة الجيدة مع موظفيها وكذا الحال في السينما والمسرح حيث حافظ الجمهور بوتائر سريعة على ابتعاده عن المسرح بعروضه الباهتة ودخلت صالات السينما نفق الترميم الدائم !! في حين زاد إهمال آثار سورية وتركت للصوص أو تجار الآثار ليسرحوا ويمرحوا في ظل النقص الكبير الذي تعاني منه المديرية العامة للآثار والمتاحف في عدد الموظفين والحراس والضعف الشديد في التسويق الثقافي والسياحي لحضارات وآثار سورية...
جاءت حكومة عطري الأولى بالدكتور محمود السيد وزيرا للثقافة منقولا من وزارة التربية والسيد رجل فاضل دمث الأخلاق نزيه، لكنه وقع ضحية مراكز القوى في الوزارة ومصالحها التي قادته لتعديلات جوهرية في الوزارة أدت لضعضعة ما تبقى فيها من تماسك بسبب تعيين أشخاص غير أكفاء جاء بهم من وزارة التربية والإسكان العسكري وحزب البعث ووزارة الكهرباء حيث أصبح لبعضهم الكلمة الفصل في الوزارة يوزعون غنائمها وعقوباتها كيفما شاؤوا وشاءت مصالحهم، وحين واتته الشجاعة وأقال الدكتور نبيل اللو من منصبه كمدير لدار الأسد للثقافة والفنون جاءت الأوامر المعاكسة من الأعلى بإبقائه لا بل الاعتذار منه، فأسقط في يد السيد واستكان في مبنى الوزارة التي نادرا ما خرج منها وقام بأي جولة في مديرياتها وأقسامها اللهم إلا سفرات خارجية اقتضها الظروف والبرتوكولات، كما شهد عهده أكبر عدد من البيانات والاحتجاجات ضد الوزارة (مشكلة دار الأسد مع المخرجين ومع بعض الصحفيين مثلا) ورغم محاولة بعض الغيورين في الوزارة تقديم النصح والمشورة وخاصة من قدماء الموظفين في الوزارة ومثقفيها إلا أن الوزير صم أذنيه عن سماع صوت العقل واحتفظت مجموعة (الهتيفة والدبيكة) بقوتها ومفعولها في أروقة الوزارة فكانت فترة الدكتور السيد طلقة الرحمة على وزارة أعتبرت من أهم وزارات الثقافة في البلدان العربية ...
ست سنوات من إقالة الدكتورة نجاح العطار كانت كافية للإجهاز على كل إنجازات الوزارة ومكانة مثقفيها الذين كرسوها خلال أكثر من أربعين عاما من العمل الثقافي والفكري الدؤوبين!
التعديل الأخير للوزارة السورية (شباط الماضي) جاء بالسفير الدكتور رياض نعسان آغا إلى الوزارة بعد خمس سنين أمضاها سفيرا في دولتين (الإمارات وقبلها عمان) وكان شغل في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد منصب رئيس المكتب السياسي كما شغل قبله عدة مناصب إعلامية في التلفزيون كمدير البرنامج العام ومدير تلفزيون... كما كتب عدة مسلسلات تلفزيونية وعدد كبير من المقالات في الصحافة المحلية والعربية ومازال حتى الآن محافظا على نشاطه الإعلامي....
وبعد تعيين نعسان آغا بأقل من شهرين صدر مرسوم رئاسي بتعيين الدكتورة نجاح العطار نائبا للرئيس مكلفة بالإشراف على تنفيذ سياسة الدولة الثقافية وبهذا اعترفت السلطة بفضل وكفاءة العطار خلال تسلمها لوزارة الثقافة لما يقرب ربع قرن وبقدرتها الكبيرة على صنع شبكة علاقات مع عدد كبير من المثقفين السوريين والعرب بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية والفكرية لذلك ربما يشكل تعيينها بهذا المنصب (بحسب نية القيادة) خطوة إنقاذية لمؤسسات الثقافة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وبنفس الوقت إن تعيين العطار يدلل على الفقر المدقع في الكفاءات السورية التي هاجرت أو صمتت بعد تهميشها وتجميدها بفعل الريبة من المثقف والتي تسيطر على السياسي الذي يرى بتحجيم المثقف والثقافة ديمومته ...
فهل يعقل وبعد أكثر من ستين عاما على الاستقلال ندرة الكفاءات في سورية والإبقاء على دائرة مغلقة من أصحاب المناصب الذين يعاد جدولة مناصبهم كل فترة وفي كل أزمة دون ايلاء مسألة آلية العمل وآلية إنتاج الكفاءات والكادرات أية أهمية مما يعني الانقطاع الدائم بين أجيال الكوادر وبالتالي العمل بصيغة فردانية وشخصانية بعيدة عن أي صيغة مؤسساتية ناظمة للعمل ومطورة له لذلك تحتفظ الدفاتر العتيقة بقيمتها فلابد من الإفلاس بعد أن تم تدمير كل آليات المجتمع الديناميكية وتفاعلات مصالحه وأفكاره وحيوية طبقاته الاجتماعية وخاصة الوسطى ... والنتيجة أن تبدل الأشخاص على المناصب لن يكون أكثر من استبدال العجلات لسيارة قديمة ومعطوبة !!
08-أيار-2021
05-أيار-2015 | |
وزارة الثقافة السوريّة تصادر كتابا من إصداراتها! اقرؤوا ما الذي تريد حذفه ! |
18-أيار-2009 |
05-نيسان-2009 | |
غدا السبت افتتاح مهرجان السينما في دمشق / محمد الأحمد يدافع عن سنوية المهرجان |
30-تشرين الأول-2008 |
22-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |