مسرح / الاستبداد والقمع يهزم الهلالي ويحوله فأرا
2006-05-22
خاص ألف
زيناتي قدسية يجمع بين الماغوظ وزكريا تامر في مسرحية رأس الغول
تتقاطع نصوص الماغوط الشعرية والمسرحية مع قصص زكريا تامر في موضوعاتها وأفكارها رغم اختلاف الجنس الأدبي الذي عمل عليه كل واحد منهما، بمعنى أن الاثنين يرتبطان بقرابة إبداعية جلية جعلت كل منهما رائدا في فنه وكأنهما منحدران من نفس البئر (العربي).
الفنان زيناتي قدسية التقط المشترك من الموضوعات بين المبدعين ليولف لنا نصا مسرحيا تجسدت تفاصيله على الخشبة وامتلك (النص) شرعيته ووحدته حتى ليكاد يدق الفارق بين ما استقاه المخرج من الماغوط أو ما استقاه من تامر، وتجلى ذلك أكثر ما تجلى في لغة الحوار الشاعرية،
فقصائد الماغوط والنثر المكثف عند تامر تم جبلها مع شخصيات العرض لتصبح لغتها الخاصة، خاصة وأن شخصيات العرض هي شخصيات مهزومة عموما تعاني حصارا وخوفا ورعبا، فأبي زيد الهلالي فارس بني هلال يتحول في عصرنا العربي هذا إلى مجرد هارب ينشد أمانا مستحيل في ظل استبداد متناسل قزم الإنسان وحوله لفأر مذعور يعيش طوال حياته باحثا عن مخبأ آمن لا يجده.
في عرض رأس الغول يتحول الفنان زيناتي قدسية إلى الكواليس مخرجا في تجربة جديدة تتجاوز ما قبلها (التحقيق- الهلافيت..) في الحلول الإخراجية كحركة الممثل والشخصيات وشكل التقطيع المشهدي (كشكل أقرب إلى التلفزيون) والديكور البسيط المعبر ...
المخرج اختار شكلا بانوراميا للحياة المعاصرة حيث أبو زيد يتجلى في مظاهر كثيرة تكثف حالة مجتمع أجهزت عليه الهزيمة فهانت طموحاته وآماله لتصبح أملا في يوم حرية أو أسبوع كرامة ..
فالعرافة يتنبأ بعد الكارثة بالثالوث العصري (الخوف – الفزع- الرعب) هنا يحيلنا عرض رأس الغول إلى رواية (1984) لجورج أورويل حيث الرقابة أحكمت قبضتها على البشر لدرجة تحكمت حتى بالمشاعر والأحاسيس فالإنسان العربي محكوم من المهد إلى اللحد بأجهزة الأمن، ورغم أن الفقير العربي يمن النفس بحياة آمنة في الآخرة تعوضه عن حياة الخوف والذل في الأرض إلا أن أجهزة الرقابة تأبى عليه تحقيق حلمه، ففي القبر ثمة حساب عسير وثمة ملفات وأضابير وتحقيق عليه الإجابة على تساؤلاته، فأين المفر.!!
أبو زيد المخصي الذي استؤصلت كرامته وقوته وعزته محاط بالشاخصات المرورية التي تغلق عليه الجهات فالمنع هو سيد الموقف فكيفما تحرك يحاط بالشاخصات ذات الخط الأحمر (ممنوع) المرور أو الحركة.
الخوف تضخم حتى امتلك القدرة على تدمير الحب فلا يمكن (لك- لنا) من إطلاق العنان لمارد الحب لذلك كان الوعد مستحيلا بحب مفتقد فالخائف والمرعوب بالضرورة شخص لا يستطيع الحب وكما أصبح (التحرير والنصر) مستحيلا رابعا في الراهن العربي هكذا الحب فالمهزوم والمهان هو مجرد هيكل لا روح فيه.
ولتخفيف ثقل الهزيمة لا بد من مناجاة الرب للرأفة ولو قليلا بالعبد الحامل لصليبه متجها إلى جلجلته.
مشاهد تترى لشخص يلاحقه الرعب من الحياة الزوجية إلى الشارع إلى المحكمة إلى الدوائر الرسمية إلى القبر ..
عرض رأس الغول جسد حميمية العلاقة بين الممثل والمخرج والكادر الفني من هنا كان التناغم بين عناصر العرض فلا نستطيع تحديد ممثل بعينه كان متفوقا في دوره فالتقارب بين الممثلين (كبار وشباب ) كان لافتا رغم أن الممثلين في الأدوار الرئيسية تقمصوا شخصية الفنان زيناتي قدسية بطريقة الحوار والمناجاة (علي القاسم- يوسف المقبل..) وهذا طبيعي كون قدسية هو معد النص ومخرجه وله بصمة خاصة على الخشبة كممثل مسرحي يعد بحق ملك الخشبة في سورية ..
وما كان ملفتا بحق في العرض الإضاءة والديكور والتواشج بينهما (مشهد البحر ) فقطعة قماش بيضاء مع الإضاءة والموسيقا أوحت لنا بمناخ البحر والأمواج والشاطئ وكان واضحا اجتهادات بسام حميدي الفنية في الإضاءة وهو الذي يحاول ن يقدم في كل عرض لمسة خاصة فيه، وأيضا مشهد مناجاة الرب مع الصليب ...ومشهد المحاكمة...مشهد القبر والملائكة.. هذه المشاهد تدل على مستوى فني إبداعي ملفت من حيث استخدام التقنيات وعبر وسائل بسيطة.
كل هذا لا ينفي بعض الحواريات الكوميدية التي تذكر بمسرح دريد لحام (الوطن العربي كله لا يتنفس تريد أنت أن تتنفس..) (أن أعرف ثلاثمائة عربي هل أعد أسماءهم كلهم..) (من أين لك هذا ..هذا من فضل ربي) والحوارات الكوميدية هي بالنهاية مستقاة من أجواء الماغوط المسرحية، والتي تهدف لكسر الحدة أحيانا بالحوار أو الفكرة فتأتي كحالة استرخاء مؤقتة قبل العودة إلى الحياة الكابوسية.
رأس الغول عرض مسرحي يعيد إنتاج حياة الفرد الممزق بفعل الاستبداد المنتج للذل والخوف ...وتاليا الموت.
08-أيار-2021
05-أيار-2015 | |
وزارة الثقافة السوريّة تصادر كتابا من إصداراتها! اقرؤوا ما الذي تريد حذفه ! |
18-أيار-2009 |
05-نيسان-2009 | |
غدا السبت افتتاح مهرجان السينما في دمشق / محمد الأحمد يدافع عن سنوية المهرجان |
30-تشرين الأول-2008 |
22-أيار-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |