قصتان من ملف العنف المدني و العسكري للولايات المتحدة كريستال أربوجاست-ترجمة
2006-06-08
1 - ملف براندون
أنفقت الكاتبة ردحا من الوقت بين محكمة الجنايات و السيستام القضائي للولايات المتحدة. و هي كما تقول ، في رسالة شخصية مؤرخة في 29 / 5 / 2006 : اقتبست هذه القصة من إضبارتين حقيقيتين. الأولى هي نموذج للشخصية العدمية التي انفصلت عن واقع ترفضه ، و في النتيجة أقدمت على الانتحار.
و الأخرى لنموذج مختلف. استطاع أن يقفز من فوق أسوار الواقع الشائكة و المريرة. و ها هو الآن يعيش حياة اجتماعية و منتجة.
تضيف الكاتبة حول رسالة هذه القصة قائلة : إنه من الواجب علينا أن نحيط أولادنا بالرعاية و المحبة حتى لا نصطدم بجدران القانون و المشاكل المترتبة على ذلك...
إنها لا تؤمن بنظرية دريدا عن " ساعي البريد " ، و تعتقد أن المؤلف لا يزال حيا يرزق ، و هو حامل لرسالة شخصية من عندياته ، و ليس مجرد موزع لبطاقات بريد اشترك في كتابتها آخرون.
و عن الأدب العربي تقول في رسالتها الخاصة في إشارة إلى الشاعر محمود درويش : : قصائده لا تنسى . تعلمك كيف تؤمن بإنسانية الإنسان .
ولدت كريستال ديانا أربوجاست عام 1954 في فرجينيا ، الولايات المتحدة . و هي الأولى في عائلة إيرلندية الأصل تتألف من أحد عشر عضوا. متزوجة و لها ثلاثة أولاد. و تعيش حاليا في مدينة سانت بطرس ، ولاية ميسوري. تكتب الشعر النثري و القصة ، و تعمل على إنجاز روايتها الطويلة الأولى بعنوان ( في الشرنقة ).
وهي ذات ثقافة مختلطة. تعكس في كتاباتها الهم العام للشارع الأمريكي ، و موقف الإنسان العادي من الله و الوجود و القدر. تهتم أيضا بالأقليات الإثنية الأخرى التي تعيش في العالم الجديد ، كالزنوج و الهنود و الصينيين أو أبناء العرق الأصفر عموما . و يبدو أنها شديدة القرابة من أسلوب ستيفن كراين ، و هو تولستوي أمريكا بلا منازع ، و مؤلف الحرب و السلام الأمريكية . و يدعم ذلك رؤيا متعددة الثقافات مستمدة من أسلوب بيرك باك مؤلفة الأرض الطيبة و نسل التنين و سواها...
من آخر أعمالها قصة منشورة في مجلة الآدابالهندية ، عنوانها : الحارس الليلي.
**************
( 1 )
في صباح الخامس من حزيران ، أشرقت الشمس و انعكست أشعتها المضيئة على نهر ميسوري. انتشر الضوء فوق الضفتين و الحديقة العامة حتى وصل إلى مباني المدينة القديمة في سانت شارلز ( 1 ) . و لكن مع انحسار الظل عن طوب المجمع القضائي ، بدأ ضابط الإصلاحية جولته. تجاوز سيرا على الأقدام الزنازين الإفرادية للوحدة – د ، بينما أول أصوات النهار الجديد بالكاد تصل إلى أذنيه. في نهاية هذا القطاع وقعت عينه على الجثة. كانت الذراعان حولها منسدلتين من غير قيد. لم يكن هناك صراع من أجل البقاء. لقد سعى إلى منيته بملء إرادته ، انتزع حبلا من الفراش و ربطه بمنفذ التهوية. الأدوات المتوفرة بين يديه كانت مناسبة لهذا العمل. كان نزيل الزنزانة معتدل البنية ، و يبلغ وزنه حوالي 130 رطلا ، و على ما يبدو أن جيمس براندون وطد العزم على وضع حد لحياته التي بلغت آنذاك ثمانية عشر عاما.
**
بدأت أودري مايرز يومها بالطريقة المعهودة. صباح آخر مضطرب ، فهي تعدو هنا و هناك و تصدر الأوامر لأبنائها اليافعين قبل أن تشق طريقها إلى قاعة المحكمة. بتعقل تساءلت كم يبدو الأمر مختلفا في مجال النشاط الشخصي . من العسير أن تكون لديك عائلة برب أسرة واحد. هذا كفيل بتعقيد شؤونك. و لا تنسَ أنها ترغب دائما بالعمل كمحام عام. عند إشارة المرور ، فكرت بموضوع براندون ، و كيف يجب أن تتعامل مع قضيته خلال هذا الأسبوع. لقد صدر الحكم و أرسل إلى إصلاحية لعام واحد بالضبط. هنالك قضية سابقة تحتاج إلى حل، لذلك إن أمر تسليمه إلى مقاطعة سانت شارلز بحكم الملغى.
لم يكن براندون ولدا بالغا حين بدأت معه. لاحظت أودري كيف فقد وزنه ، أما الرضوض الواضحة فقد دفعتها إلى التكهن بما سوف تكون عليه الحال في بقية أنحاء جسده. أما الدوائر القاتمة حول عينيه لم تحسن التكتم على الأرق الذي عانى منه ، و هذا أضاف لمحة إلى الإحباط البائس الذي تراه أمامها. العينان أول شيء لاحظته في ملامح براندون.
إنه يوم حزيراني حار آخر.
كانت أودري هي المحامي العام في السجن خلال الأحداث الجنائية. و حين أحضروا السجناء إلى قاعة المحكمة الضيقة ، الملحقة بالسجن ، وقف براندون بين المتهمين الآخرين.
كان على مشارف عامه السادس عشر. قوام منضبط و عينان بهما شاهدت انعكاس صورة ابنها الأصغر ، كان يحتاج إلى معونة في كتابة استمارة الدفاع. لقد تخلى عن الدراسة لمدة عام كامل ، و لم تلاحظ والدته كيف كان يتعاطى الريتالين ( 2 ) . ضل براندون في الشوارع من غير هدف. و بسبب وفاة والده ، كان بعوز إلى تأثير ذكوري في حياته. إن الشوارع دائما مستعدة لاستقبال ضحية أخرى ، و براندون هو من وقع عليه الاختيار.
( 2 )
كان هاري هايتاور موزعا للعقاقير منذ بلغ الرابعة عشرة. و قد واظب على نشاطه حتى بعد الانتقال من نيوجرسي إلى ميسوري. و لأن لديه أقارب في سانت لويس ( 3 ) سنحت له الفرصة ليبيع ما لديه في منطقة أخرى من البلاد. و سمح له ذلك بشيء من الاستقرار لدى عودته إلى مسقط رأسه لفترة من الزمن. عقد أواصر صداقة مع براندون مباشرة . الصغار لقمة سائغة ، و بالأخص من كانت ظروف حياتهم متدهورة. كانت أم براندون طرفا في معركة شقاء يومي ، بعد ساعات العمل المستمرة ، و قد فتحت الباب أمام الصبي ليذهب في طريقه.
بعد شهر ، عثرت الشرطة على براندون و هو يترنح في الشارع الخامس. و ضبطوا معه جرعة ماريغوانا وضعها في حرز أمين داخل جيبه الأمامي ، و هكذا قادوه إلى السجن. و ُعينت أودري للدفاع عنه ، و تدبرت له أمر عفو مع فترة مراقبة. ثم ساعدته في استيعاب الظروف التي وصل إليها . و حاولت أن تقوده خلال فترة العقوبة المدنية. و كان يبدو أنه ممتن لها ، و عقد العزم للعودة إلى المدرسة.
بعد شهر من الرقابة المفروضة على براندون ، عثر عليه جاري مجددا . عرض عليه رزمة من النقود و مسدسا ، و هذا أيقظ في الصبي الشهوة إلى التملك. كانت لدى جاري طريقة تضخم لدى براندون من الإحساس بالأهمية ، و بأسلوب خبيث تزيد من الشعور أنه موضع عناية. و بعد ستة شهور من فترة الرقابة ، عاد إلى السجن. لا أحد يعلم قصة تلك الليلة بحذافيرها. و لكن جاري هايتاور تلقى سبع طلقات و ذكر تقرير الشرطة أن المعتدي المزعوم على جاري سنحت له الفرصة لإعادة تلقيم المسدس بالنار ، و الإطلاق من جديد بينما الضحية مسجاة على الأرض.
لم يضيع محامي الاتهام الوقت في تصنيف براندون بين اليافعين.
كانت أودري حاضرة أيضا في محنته الثانية. وقف صامتا و عيناه المؤثرتان و المعروفتان لديها مدلهمتان. ذكرتاها بحيوان شرس ، مذعور و مستعد ليضرب عند أول إشارة تدل على الخطر.
لم يرحل جاري عن العالم بعد الاعتداء عليه بالنار. و حقيقة أنه لم يعد قادرا على إنجاب مزيد من الأولاد كانت محض هراء أمام الادعاء ، و مع ذلك أكد عليه في المحكمة مرارا.
لم تسنح الفرصة للمحلفين بمعرفة تفاصيل السجل الإجرامي للضحية في شرق البلاد. و لم يعرفوا أيضا كم من الجرعات العشوائية من الريتالين ممزوجة مع الماريغوانا أعطيت إلى براندون و بيد جاري ، و لا شيئا عن تأثيرها...
و كذلك لم يسمعوا عن الذعر أو اليأس الذي شعر بهما براندون تلك الليلة. كان يتمنى أن يحزم أمره و يرحل ، و لكن جاري منعه.
و في هذه الظروف ، تحولت أواصر الصداقة السابقة إلى عداء. لقد تلقى التهديدات ، و حينما وضع جاري يديه في داخل صداره تحت معطفه ، أطلق براندون عليه الرصاص . و بوحي من الذعر المفرط الذي أصابه ، وجه إليه السلاح و ضغط على الزناد إلى أن نفذت الذخيرة. كان جاري لا يزال يتخبط بدمائه . بيدين ترتعشان ، لقّم براندون سلاحه مرة أخرى . و لم يكن بحوزته غير طلقة إضافية.
( 3 )
لبث براندون في سجن المقاطعة بينما القضاء يأخذ مجراه. و صدر قرار إدانة بعد يومين من عيد ميلاده السابع عشر. بذلت أودري جهدها ، و لكن لم تكن لديها أية فرصة سوى الحصول على تخفيض الحكم عن اعتداء هو الثاني في سلسلة انتهاكاته للقانون.
و هذا ، مع حيازة سلاح و مهدئات ممنوعة ، ضمنت للصبي عقوبة بالسجن لثماني سنوات.
كان ما يزال صغيرا ، و لكن بالنسبة لنظام أدانه ، أصبح له ملف ، و أحيل إلى اليافعين.
في النهاية كان لا بد لهذه القضية أن تتنحى عن الأضواء. كانت تلك هي فترة انتخابات ، و مزيد من النقاط يعني المزيد من الأصوات. كانت فولتون ( 4 ) أول محطة لبراندون. و مر على ذلك حوالي عام.
بعد صدمة النظرة الأولى في أول لقاء مع موكلها ، انكبت أودري على التحضير لعرضه أمام المحكمة. مخالفة سابقة تتعلق بموضوع المهدئات الممنوعة كانت بحاجة إلى إعادة نظر ، و ظاهريا كان براندون مستعدا للتعاون. طلب زنزانة منفردة طوال فترة سجنه. و زعم أن السلام و الهدوء قد يساعدانه نفسيا ، و كانت أودري تشعر بالحبور في تقديم أقصى ما لديها من أجل الصبي.
إحدى الزنازين المفردة كانت شاغرة ، و فيها أودع براندون.
و لكن نبأ انتحاره كان بانتظارها حينما وصلت إلى مكتبها. طلبت بيد ترتعش رقم هاتف داخلي لأحد سجون الحجز الاحتياطي ، ثم تخلت عن السماعة بعد الرنة الثانية ، و أسرعت على طول الشارع إلى السجن. كان المصعد يحبو ببطء إلى الطابق الثالث و حينما فتح الباب ، أصبحت وجها لوجه مع المقدم روشنغ.
قال لها إن مذكرة لتشريح الجثة صدرت ، و سوف تبلغ بالنتائج في حينه.
وصل تقرير التشريح في أواخر بعد الظهيرة. و أكد أن الجثة مشوهة و مصابة بكدمات ، و هناك أيضا تمزقات في المنطقة الخلفية. كان براندون قد اغتصب دون إرادته . و لأكثر من مرة. و هذا شأن معروف عن حياة السجون، إن أضفت إليه دعابات سمجة ترددت في قاعة المحكمة سوف يتلاشى من أمامك أي وهم عن حرية مزعومة ربما اعتقدنا أنها أتيحت للصبي خلال تلك الفترة.
( 4 )
مالت أشعة الشمس عن الطوب الأحمر لمبنى السجن ، و أحاطت ظلال المساء بأودري و هي تخطو خارج قاعة المحكمة. وقفت تتأمل النوافذ الصغيرة التي لها أشكال مثلثات أو أهرامات ، في الطرف المقابل.
خطر لها براندون و جاري و الأم التي ربما لديها الآن عذر آخر لتغرق أحزانها في زجاجة نبيذ. و فكرت بأبنائها الذين ينعمون بأمان بيتي بانتظارها. و هي تتقدم من سيارتها ، كانت تسير على طول الشارع الذي تغطيه النفايات و أوراق أو بيارق انتخابية.
من بعيد ، كان بمقدورها أن تشاهد الموقع الجديد لمجمع سجن الأحداث.
الظروف الشخصية تبدو لها الآن أفضل ، أشد بريقا.
2 - تغريب السيدة جونز
انتشرت رائحة البوشار في غرفة النوم ، و تسللت إلى خياشيمي ، و أنا أتوسد مسندا وثيرا ، و أتنقل بين قنوات التلفزيون . كالعادة ، بعد ما يزيد على خمس و عشرين محطة بث ، استقر رأيي على الشيء ذاته و بالموعد ذاته ، برنامج معاد عن المستشفى العسكري الجراحي المتنقل.
جاء زوجي و معه الشطيرة المسائية ، و تناول بيده إحدى الوسائد التي كانت في حضني منذ قليل . و لما لاحت مني حركة تدل على الامتعاض ، قال " هيا ، كفي عن ذلك. إذا كنت ترغبين بوسادة أخرى ، اشتري واحدة . "
حينما استوى على طرف السرير جالسا ، همهمت بعدة كلمات عن الملوك و قلاعهم ، استحق ذلك منه ردا
" ما دمت بهذا الصدد ، احزري ممن تلقيت رسالة هذا اليوم ".
سألت " ممن ؟". كان بمقدوري أن ألاحظ أنه ، في الحقيقة ، يود لو أبقى في براثن الغموض لفترة . تبين ذلك من طريقته الباردة في مضغ البوشار . بعدئذ أطلق في الهواء حبة أخرى ، و حاول أن يلتقطها بفمه المفتوح.
قلت و أنا أعمل جاهدة على تحريك نسمة رقيقة من الهواء بواسطة وسادتي المضغوطة " حسنا ، لا أمتلك أدنى فكرة . و لا أحبذ في الواقع أن أضرب أخماسا بأسداس . لذلك إن كنت على وشك أن تخبرني ، فانطق بما لديك".
جاء الرد " إنه كين جونز".
كين جونز . مدهشة الطريقة التي توقظ بها الأسماء الذكريات الميتة.
" حقا ؟ هل تطرق إلى روزيتا؟ أعني ، هل هما على ما يرام؟".
" أكيد".
مظروف سقط في حضني ، فنظرت إلى عنوان المرسل.
"ليست هناك إشارة إلى قاعدة عسكرية حول هذه المدينة ، أليس كذلك؟".
" كلا . إنه من بعيد".
"حقا؟ هو في نظري حيوي جدا . أعني ، لا يبدو عليه الاستعداد لأي شيء عدا الجيش. و لكن ، ماذا يفعل الآن؟".
" اقرأي الرسالة. أظن أن فيها مفاجأة !".
خطف قبلة من جبيني ، شارة إلى نوم هنيء كالعادة. تناولت الرسالة ، و عادت أفكاري إلى الوراء بحوالي خمس عشرة سنة. كان زوجي طيارا ، و قد أرسل في العام الأخير من خدمته ، إلى قاعدة عسكرية في ألمانيا . و عشناهناك في قرية على مشارف فيسبادين . الشقة التي استأجرناها كانت صغيرة و مزدحمة ، و لكن كنا معا. ذلك هو الحال ، باستثناء عدة أسابيع ، و أحيانا عدة شهور ، يمضيها في حركة مستمرة على الطرقات. عناصر الاتصال كانوا في تنقل دائم ، و بالأخص من هم في أواسط أوروبا. و نتيجة للوحدة المفروضة تكرارا ؛ على الزوجات الأمريكيات أن يتأقلمن على وجه السرعة ، و أن يتعلمن إدارة أمورهن بالاعتماد على النفس في بلد أجنبي. علاقات صداقة تطورت بين الزوجات في مبنانا ، و حينما جاء إلينا كين جونز ليسكن ، تآمرنا عليه.
( 2 )
نشأت أواصر صداقة بين كين و زوجي في مرحلة التدريبات الأساسية. لقد كان واحدا من الشخصيات متعددة الأطياف في جملة من شؤون الحياة العسكرية التي كنت على صلة بها. كنت على ثقة أن ما فاتني ليس كثيرا.
و ترسخت هذه القناعة عندي بعد أن التقيت به. أتذكر اليوم الذي جاء فيه إلى شقتنا.
"ريك ، صاحب قديم "!. بعد عدد من الوكزات بغاية الترحيب ، تم التعريف بي.
" كين ، هذه زوجتي ، ستايسي".
"سعيد برؤيتك ، ستايس . يا الله ، يا صاحبي ، أراهن أنك تنرفز كلما تركت هذه المخلوقة الحلوة وحدها ، هيييـــه؟".
حينما كان يستطلع معالم جسدي ، نوع من الحنق قادني للتراجع إلى مطبخنا ، حيث تدبرت أمرا أعتذر به عن تصرفي بتهذيب. و فيما أنا أنظف عددا من الزجاجات و أعد القهوة ، كان صوت كين يستطرد حتى هنا من الغرفة الأمامية.
" أجل ، صاحبت صبية ظريفة في الفليبين. أن تجهدها مثل كلبة يساعدك على إغلاق فمها ، و لكن دعني أخبرك بأمر آخر. تلك الأشياء التي نقولها عن الآسيويين و الجنس ... صحيح كلها!. أصدقك قولا ، يا صاحبي القديم ، لقد كانت..."
لاحظت مقدار التهيج في صوت ريك.
" لم لا تصحب زوجتك إلى العشاء الليلة ؟ على زوجاتنا أن يتعارفن. أمضت ستايسي هنا فترة طويلة تسمح لها باكتشاف طريقها . تستطيع أن تساعد زوجتك و نحن في الأجواء ".
فيما بعد عاد كين إلى عتبات باب بيتنا. فتاة تشبه دمية صغيرة ، لها شعر أسود طويل ، برفقته. لقد تقبلتها على الفور ، شعور معاكس تماما لذلك الذي تركه عندي زوجها.
لم تكثر الكلام على الإطلاق أثناء الطعام ، و لكن تحمست في مد يد العون لي لتنظيف الأطباق. وحدنا في المطبخ ثرثرت معها في كل ما خطر لي. و هناك ، بالنتيجة ، حصلت على قدر قليل من المعلومات عن عائلتها. في الأسبوع التالي ذهب الرجال إلى هولاندا . حضر كين إلى الشقة في الصباح الباكر من يوم الرحيل.
"مرحبا ستايسي ، سأسألك أن تقدمي لي صنيعا".
شعرت كما لو كنت عارية حينما وجدت عيناه طريقا إلى أثدائي ، و استقرتا عندهما.
تابع يقول " أتساءل إن بمقدورك أن تستلمي البريد عني ، و ربما بعض الخضروات ، ذلك في فترة غيابي. ذكر لي ريك أنك تزورين القاعدة مرتين في الأسبوع".
( 3 )
" بالتأكيد يا كين. من دواعي سروري أن أصحب روزيتا إلى هناك . البنات و ..".
" كلا ... انظري ، روزيتا ليست نبيهة ، حسنا ، إنها إمرأة غير متحررة تماما. هل فهمت ما أعني ؟".
لمعت عيناي فورا بنظرة معاكسة نحو تكشيرته الهادئة.
"كلا لا أظن أنني أفهمك يا كين. ما علاقة استكشاف ما حولك و استلام البريد بكونك متحررا؟. و لم تنطق كلمة متحررة بهذه الطريقة ؟".
التقط ريك حقائبه ، و أسرع إلى الباب.
" أنا على يقين أن ستايسي لا تمانع بذلك ".
ابتهل لي بعينيه و هو يتكلم " سوف أكون معك في لحظة يا كين ". التكشيرة المعهودة احتلت مساحة وجهه.
" لا شك أيها الصاحب القديم. سوف أنتظرك عند أسفل السلالم. لا تتأخر طويلا . لقد قمت بالواجب مع زوجتي بالأمس" .
ما أن أفسح كين مكانه عند السلالم حتى أغلق ريك الباب.
" ريك ، إنني أكرهه ! أنا أمقته تماما !".
قبل أن أقول كلمة أخرى قبلني ريك. على ضوء فكرة رحيل من جديد ، نسيت ما يتعلق بمخلوق المستنقعات ، و انصرفت للتفكير بزوجي.
في ذلك اليوم نفسه ، عزمت على أن أهمل طلب كين. صحبت روزيتا معي إلى البلدة و إلى القاعدة . و علمتها كيف تشتري بطاقة باص ، و كيف تختمها حين تصعد إلى الحافلة، فبدأت تكثر من الكلام و من الابتسامات.
حينما قام القيم على المنازل بزيارته الأسبوعية إلى المبنى ، أخبرت روزيتا أن من واجبه فحص الفرن و كنس الأدراج. لم يحسن تكنيس أدراجنا مرة واحدة ، لذلك كانت النساء تفعلن ذلك. لقد اهتم بالفرن و من هناك انبعث صخب و ضجيج ، كما لو أنه على وشك أن ينجز أمرا ما ، ثم استجدى منا " سيجارة ".
نصحت روزيتا بتجنبه. نساء المبنى جميعا ، في النهاية ، تقربن من زوجة كين. و استغربتْ أن معظمنا كن يتابعن دراساتهن في القاعدة. جيني سكوت التي تعيش في الطابق الثالث كانت تدرس الحقوق ، أثارت إعجاب روزيتا بما تعرفه من حقائق عن الطلاق. و أنا شخصيا أشك أنها فعلت ذلك عن عمد. كانت التقت مع كين أيضا. سو من نهاية الرواق تألقت في ميدان الأعمال . و كانت على وشك أن تضع مولودها الثاني. سو مَنْ دفعت روزيتا إلى فكرة الانضمام لجامعة.
( 4 )
في أحد الصباحات و نحن نغذ خطانا في الطريق إلى موقف الباص ، مشهد غريب استوقفنا قرب شقق الجيران. امرأة مربوعة القامة صغيرة ترتدي معطفا و خفا منزليين ، خرجت من ممشى جانبي. و كانت تقود بحبل رخو مربوط حول العنق جروا غير متوازن النمو من هجن مختلطة. هذا الحبل ، على كل حال ، التف حول ساق الكلب الخلفي . و دفع الحيوان ليقفز على ثلاث أقدام فقط . المرأة وراءه كانت تبدو محتارة تجاه ذلك الموقف.
ابتسامة واسعة غطت وجهها حينما رأت روزيتا معي. ما أن اقتربنا منها حتى بدأت بالكلام معنا. " مرحبا .
أنا كيم . أعيش هنا. أين أنتم ".
و أنا أشير إلى اتجاه منزلي تابعت تقول : هل زوجك في القوى الجوية؟.أومأنا بالموافقة ، فقالت " زوجي في الجيش. جندي متطوع بائس. زوروني متى شئتم ، لأعلمكم الطبخ بالطريقة الكورية".
زارت روزيتا كيم عدة مرات في الأسبوع . بعد برهة ، أصدقائي و أنا لاحظنا في كلام روزيتا لكنة عامية.
لقد كان ذلك ظريفا. كما أنها مع الوقت بدأت تتحدث بطلاقة. لقد استمتعت برفقتنا ، و لكنها حافظت على علاقة قوية مع كيم.
"كيم تقول الأمريكيون يعاملون الزوجات الآسيويات كما لو أنهم في فيلم ، أخبرتني بذلك و نحن في طريقنا نهبط إلى غرفة الغسيل.
"حقا؟".
"نعم . و لكنها تقول قطعنا يا عزيزتي شوطا طويلا".
ضحكت لتلك الغمزة و قلت " هل تنوين أن تباشري بالتدخين ، أيضا ؟".
لأنها على غير دراية بأنواع السجائر كانت تبدو بصريا محتارة تجاه سؤالي. قلت لها " لا بأس , و لكن ما هي خططك للمستقبل يا روزيتا ؟".
" سأذهب إلى الجامعة . و سأعمل على كسب قدر من النقود يوما ما ".
" هذا جيد ، و لكن ما رأي كين ؟ ألا يرغب بتكوين عائلة ".
قالت " كين رجل جيد . ولدت له أطفالا ، و حصلت على ما أريد. لن أكون فقيرة بعد الآن . هذا يخفف العبء عن عائلتي ".
أمضينا برفقة روزيتا ستة سابيع . بعد عودة الرجال إلى البيت ، لم يلاحظ كين التغير الذي طرأ على زوجته أول الأمر. بعدئذ ، ذات مساء ، ظهر كين أمام بابنا ، مرة أخرى. استرقت السمع إلى أجزاء متفرقة ، هنا و هناك ، من الحوار الذي دار مع ريك في أثناء الزيارة.
" كانت غائبة طوال اليوم ! ذكرت شيئا هذا الصباح عن زيارة إلى القاعدة أو الجامعة أو ما شابه ذلك. و لم تعد إلا بعد السادسة . و حينما سألت عن العشاء ، رمت بوجهي زجاجة من الجعة و طلبت أن أرتاح ! ثم قالت إنني أتصرف مثل متطوع ناشز ! أنى لها هذه الأخلاق ؟".
( 5 )
مظهر كين المنزلي عاد يلح على ذهني ، و توجب علي أن أنفض رأسي جيدا. طالما تساءلت عن حصيلة ذلك العام ، و عن الأثر الذي تركناه على روزيتا . بعد نهاية جولة ريك الوظيفية ، و دعت زملائي. ما زلت أراسل جيني و سو. و لكن ضاع مني أثر من تبقى ، و مع ذلك ما زلت أنظر إليهم كصديقات ، أعترف أنني قلقت بشأن تلميذتنا لبعض الوقت ، ثم بدأت تذوب من المخيلة في ضباب النسيان الرمادي ، و ذلك كلما ذهبنا شوطا آخر مع حياتنا.
فتحت المظروف . أدهشني أن أقرأ عن الأطفال الأربع ، ثلاث بنات و صبي. أوه ، حسنا ، ربما لن يكون في الغد مثل أبيه. بعدئذ ارتسمت على وجهي ابتسامة و أنا أمضي في القراءة " حسنا ، أيها الصديق القديم .
علي أن أذهب . حصلت روزيتا على عمل خاص بها ، و هي لا تأتي إلى البيت إلا في أوقات متأخرة. يجب أن أهيء العشاء. الليلة دوري".
ما زلت أبتسم . طويت الرسالة و رميتها على طاولة المساء . كان زوجي يشخر قليلا ، تلمست طريقي إلى جهاز التحكم ، أثار انتباهي عرض تجاري في آخر هذه الليلة. ستة نواعم من آسيا ، هذه هي الطريقة التي يحب كين أن يسميهم بها ، و قفن في صف واحد للاستعراض.
" مرحبا . هل ترغبون بالتواصل مع بنات جميلات و عزباوات من الفلبين ؟
" يوجد من أجلك خصيصا عدة فتيات ساحرات بالانتظار.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |