شرق أوسط جديد – أوهام و حقائق
خاص ألف
2006-11-26
تحاول السياسة الأمريكية في المرحلة الراهنة فرض وجهات نظرها الأوروبية على الشرق الأوسط. و هذا هو الاسم الاصطلاحي الذي تطلقه على المنطقة العربية في ظل مناخ من الرغبات و الطموحات المتعثرة، و التي هي أساسا التعبير الموضوعي لصراع التاريخ مع السياسة.
إن التاريخ دائما حقائق لها وجود على أرض الواقع ، و لكن السياسة ( و بالاستعارة من مكيافيللي ) فن لإدارة الواقع من وراء حدود الحقائق.
لقد أرادت الولايات المتحدة ( كدولة لها مصالح و أطماع في العالم ، و كقوة إمبريالية ذات برنامج تبشيري يتحلى بالقدرة على الإغواء ) أن تضع " شرقها الأوسط " في ظل رؤياها لأوروبا الثالثة ، أو الـ " أوروبا في الألفية الثالثة ". إن سقوط الرجل السوفياتي المريض منذ التحقق التقني و المادي لسياسة حرب النجوم ، الرصاصة الأخيرة التي أطلقها ريغان على شرق أوروبا ، فتح المجال للقوميات المحلية بالصعود. هذا إن لم نقل بالتصعيد ، و هذه تطلعات وجدانية مكبوتة ، كانت تنام في الظل ، بانتظار ساعة الصفر.
لقد حققت هذه الأحلام الرومنسية ، و التي لها ارتباطات بالماضي الذهبي لأمريكا فرصة تفتيت شرق العالم إلى كيانات إقليمية ، شاءت أن تعتقد أن لديها رسالة نحو المستقبل. و لكن هي في الواقع كانت تدعو الرجل القديم و الطاعن بالسن إلى الاستيقاظ . إنها في أفضل الأحوال ترجمة إيديولوجية لأسطورة الحسناء النائمة ، مجرد رد أنفاس الحياة لمن طال رقاده. و ربما لهذا السبب كانت عودة إلى بدايات القرن الماضي ، إلى تاريخ و جغرافيا الحرب العالمية الأولى ، حينما كانت أوروبا مرشحة لتغيير صورة العالم.
و لكن ليس من الممكن بالعودة إلى الخلف صناعة مستقبل ، مثلما أنه من المستحيل أن تشتري للرجل الهرم شبابا دائما.
هنا تجد أن القناع هو الذي يحاول أن يدور من وراء المعطيات التاريخية للوجه ، على النحو الذي تتعامل به الرموز و الاستعارات في اللغة مع نثر العالم ( بتعبير دريدا في الكتابة و الاختلاف ).
إن منطق التاريخ يفرض دائما اختلافا جدليا و هذا بدوره يصنع انقلابا نظريا و أداتيا على مستوى التعبير و التطبيق ، و لا يمكن لنا عن طريق تضخيم الأفكار أو تثبيتها أن نتخطاه.
إن الترويج لقوميات محلية ذات تطلعات باتجاه الداخل تعتبر سلعة غير قابلة للتسويق في الساحة العربية ، لأن نموذج العالم الثالث و ولاءاته المتعارضة لم يكن خاضعا للنموذج السوفياتي و لا لأفكار إقطاعيته العسكرية.
لقد كانت هنالك دائما ، و على مستوى المفهوم الحديث لمسألة العروبة ، خطوط بالطول و أخرى بالعرض ، تضع قضايا ( التعريب ) ، بمعنى استيعاب اتجاه الثورة الصناعية ( إقليميا ) على خط المواجهة. و في الواقع كان هذا هو رهاننا القومي و الإنساني أساسا.. أن نودع التراث النائم ، لأنه رسالة بالتخلف ، و لمصلحة نهضة أو تنوير ، أخطأنا حين وصفناها بالحداثة.
لقد كان التحديث هو الشعار الرومنسي المريض و الذي يعبر عن ظل لوجدانيات استعمارية مرتبطة بقيم من غير أصول ، أو بتقنيات من غير مضامين و لا أدوات.
و لا شك أن الديكتاتوريات الوطنية بمشاريعها لاجتياح العالم و النهوض من أوحال الفساد و التخلف ، تقدم مساندة غير مقصودة لتعزيز الهيمنة.
إن الرهان الآن يركز على أوراق غامضة من أجل صناعة محاور إقليمية. و هي عدا عن غموضها ضائعة في مهب الريح بين الرغبة في تحرير لغاتها من العيّ الدلالي ، و بين التعبير المناسب عن وقائع غير حقيقية . بمعنى أنها مزيفة و لها أعراض ( الحمل الوهمي ) ، أو ما يسميه المرحوم نجيب محفوظ ، نوبل العرب باسم ( الفجر الكاذب ) ..
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |