عيد للحب .. ما المانع ؟
خاص ألف
2007-02-13
حدثت في الرابع عشر من شباط فبراير على مر السنين أحداثٌ قد لا تكون محببة لدينا أو على الأقل لدى كاتب هذه السطور فبين انعقاد الجلسة الأولى للكنيست الإسرائيلي على أرض فلسطين عام 1949 وبين اغتيال المرحوم الرئيس رفيق الحريري عام 2005 يبقى المعلم الأشهر لهذا التاريخ هو الاحتفالات العالمية بيوم القديس سانت فالنتاين أو ما بات يعرف بعيد الحب الذي تعود أصوله إلى القرن الثالث الميلادي وتحديداً في روما التي كانت وثنية يحكمها الأمبراطور كلايديس الثاني الذي لاحظ أن العزاب من الجنود يكونون أكثر إقداماً وتضحية من زملائهم المتزوجين .
فما كان منه إلا أن أصدرَ مرسوما حرم فيه الزواج على الجنود حتى لا ينشغلوا به عن أمور الحرب، ولكن هذا المرسوم لم يعجب الكثيرين ومن بينهم القسيس المسيحي فالنتاين الذي أخذ في مخالفة تعليمات الامبراطور كلايديس وقام بتشجيع الشبان والشابات على الزواج بل وتولى شخصياً إجراءات عقد القران بالطقوس الكنسية المسيحية في خطوة تبشيرية تهدف على ما يبدو إلى دفع الشباب إلى اعتناق الديانة المسيحية إلى أن افتضح أمر هذا القديس المتمرد لدى الامبراطور الذي أمر بإيداعه في السجن حيث وقع التعس في غرام ابنة السجان الأمر الذي تحظره الديانة الكاثوليكية على القساوسة والرهبان مما حدا بالسلطات لأن تساومه على الرجوع عن عقيدته والاقتران بالمرأة التي يهوى وبين الموت فما كان من القسيس إلا أن رفض العرض ليقوم الامبراطور بإعدامه في الرابع عشر من شباط للعام 270 للميلاد عشية عيد الخصوبة الذي كان يحتفل به الرومان، ومنذ ذلك الحين والقسيس الذي طوّب قديساً في ما بعد يعتبر شهيداً للحب وتحيى ذكراهُ في مثل هذا التاريخ من كل عام بتبادل الورود الحمراء وصور كيوبيد إله الحب الروماني زمن الوثنية، في حين تحتفل الكنيسة الكاثوليكية بهذا اليوم باعتباره تكريما لشهيد التضحية في سبيل الثبات على العقيدة، وفي القرن التاسع عشر تم التبرع برفات فالنتاين إلى الكنيسة الأيرلندية في دبلن لتصبح مزاراً للعشاق في الرابع عشر من شباط من كل عام حتى ألغت الكنيسة هذا الاحتفال في عام 1969 من القرن الماضي.
اللون الأحمر هو لون الدم الذي يعني للإنسان الحياة بكل ما فيها، وقد اختار الناس منذ زمن التعبير بالأحمر عن قيمٍ كثيرة كالحرية والثورة والضيافة كما هو الحب بالتأكيد، وكلها قيم حياتية ولا تصب إلا في خانة الحب الذي هو أسمى مشاعر الحياة، حتى الموت الأحمر الذي يرمز إلى التضحية والاستشهاد فهو لا يقدم إلا حباً في الحياة الكريمة، ولكن الحضور الشاذ والتناول العبثي لكل هذه القيم قد أساء إليها جميعاً بالقدر الذي أساء إلي قيمة الحياة نفسها، وفي حضور العقلية الربحية المادية وسطوة رأس المال نجد أن هذه المناسبة قد تحولت إلى مهرجان لبيع وترويج شعارات الحب كسلعة يتهافت عليها المحبون أو أولئك الذين يرغبون أن يبدوا كذلك.
تقف الرموز المحافظة وعلى رأسها المؤسسة الدينية موقفا رافضاً أو متحفظاً على الأقل من الاحتفال بعيد الحب نظراً للخلفية التاريخية ذات الصبغة الدينية التي نبع منها وكذلك على ضوء الممارسات الغير سوية التي يقوم بها أولئك المحتفلون به إلى درجة أن بعض الدول الإسلامية بتشجيع من المؤسسات الدينية أقدمت على منع بيع الورود الحمراء في هذه المناسبة وفرضت على أصحاب محلات الزهور التوقف عن توريدها وتداولها واستبدالها بالأزهار البيضاء إلى حين انقضاء هذا العيد الذي يراه الكثيرون بدعة لا أساس لها من الدين الأمر الذي قد يكون صحيحاً وقد يكون له ما يبرره من وجهة نظر شرعية ولكن دعونا نقف وقفة تجرد وننظر إلى أنفسنا ونضع التعصب الأعمى جانباً لنتأمل ما بات يحيق بنا من توغل متنامي للكراهية في نفوسنا ثم نتعالى قليلاً على جنساتيتنا الصارخة والمتجذرة فينا وننظر إلى الحب الحقيقي بقيمته المطلقة ولننسَ قليلاً كون هذا الاحتفال مناسبة لدى البعض لارتكاب ما نعتبره من المعاصي والمنكرات، ثم نسأل أنفسنا بكل حياد وموضوعية، ألسنا في حاجة ماسة إلى بعض بل إلى الكثير من الحب ؟ ألا نفتقد هذه القيمة في حياتنا بشكل صارخ يزداد ضجيجه يوماً بعد آخر؟
لم يعد من باب الترف أو الميوعة أن نطالب باعتماد طريقة لإرساء ثقافة للحب في بلادنا فهي كل ما نحتاج إليه، والحب وحدهُ كفيل بالقضاء على كل ما يعيقنا عن الحياة، فلو كان المواطن يحب وطنه حقاً فهل كان لأحد ما أن يقنعه بخيانته؟ ولو كان الزوج يحب زوجته فهل يكون بمقدوره مثلاً أن ينتهك حقوقها أويعتدي عليها أو يسلبها إياها؟ لو كان الآباء يحبون أبناءهم حقاً هل كنا سنسمع عن استفحال حالات الطلاق وتشريد الأبناء، وإذا كان الموظف يحب عمله هل نرى بعدها ما نراه من تسيب وفساد إداري وظيفي تزكم رائحته الأنوف؟ وهل لو أحب أحدنا لأخيه ما يحب لنفسه هل يقوى يوماً على مصادرته وإقصائه وطرده حتى من رحمة الله؟ أليس إذا أحب المرءُ خالقه سيكون حرياً به أن يتقيه في نفسه وماله وعرضه وكذلك في الآخرين من خلقه؟
هل وهل وهل .. إلى آخر تلك الأسئلة التي لا إجابة لها إلا بالحب الذي غاب عنا وأصبحنا نفتقده بشدة فغابت عنا معه كل القيم النبيلة التي وجدنا من أجلها وعلى رأسها قيمة الحياة المقدسة، وأصبحت الكراهية هي القاعدة والمحبة هي الاستثناء وصرنا نستنكر أن يصيبنا فيروس الحب ولو على سبيل الزيارة مرة في كل عام كما تزورنا الانفلونزا كل شتاء. وعندما تصبح الاحتفالات بأعياد قومية ووطنية وبيئية وهي ليست ذات منشأ ديني أمراً جائزاً ومشروعاً وكلها ترمي إلى إنشاء صروح لمحبة الأوطان والبلاد والأشجار وتمجيد فضائل العمل والإنتاج فهل يعتبر الاحتفال بأصل هذه الأعياد والدافع إليها وهو الحب والمحبة أساساً أمراً معيباً ؟
نطرب وننتشي مع المطربين والشعراء وهم يتغنون ليل نهار بالحب والمحبين وترانا كثيرا ما نعجز عن حب حتى أنفسنا في تناقض مخجل ومعيب لا نخجل من إعلانه والتباهي به باسم الأخلاق والدين والقيم، وكلها من الكراهية براء. من هنا لا بد لنا من الاعتراف بأن بعض قيمنا ومفاهيمنا قد اعتراها التشويه الشديد نتيجة لسوء الفهم المتعمد غالباً وغير المقصود أحياناً، فبعض الذين ينكرون الاحتفال بيوم الحب يجادلون بأن الحب ليس له يوم وإنما هو لكل يوم، وهذه في الواقع صورة مثالية بعيدة المنال فإن الطبيعة البشرية ليست حالة واحدة وإنما هي كموج البحر في مد وجزرٍ دائمين، وعندما يكون الجزر بل والإجداب من نصيب مشاعرنا معظم العام فهل أقل من يومٍ واحد نستحضر فيه مشاعرنا ومحبتنا لبعضنا البعض، وإذا أبت علينا غطرستنا أن نعيش الحب ليومٍ واحد فكيف والغرور يلازمنا نقدر على أن نعيشه لمدة ثلاثمائة يوم. أفلح إن صدق من يدعو إلى ذلك، وطبيعي أن يخيب من يصدقه. إذا كان لون الدم وهو سائل الحياة قد طبع يوم الحب بطابعه الأحمر فكيف يدعو أنصار السواد إلى تحريمه وإحلال اللون الأبيض محله في محلات بيع الورود، وهل يعي هؤلاء مفارقة أن اللون الأبيض إلى جانب كونه رمز الصفاء والنقاء والطهارة هو أيضاً ويا للسخرية لون الأكفان ؟ ولكم مني مودتي ومحبتي !
08-أيار-2021
23-نيسان-2008 | |
15-كانون الثاني-2008 | |
03-تموز-2007 | |
12-أيار-2007 | |
31-آذار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |