مطلوب شهادات وفاة ..!
2008-04-23
وبشكل عاجل وعلى جناح السرعة، حيث أن الموت حق والحي أبقى من الميت، وحيث أن الضربَ في الميت حرام وواجب إكرام الميت في دفنه، ولأن الدفن لا يتأتى قبل إصدار شهادة الوفاة، ولأن لدينا عدداً من الموتى ممن شبعوا وأتخموا موتاً منذ ردح كان كفيلاً بتفسخهم وتحللهم وتحولهم إلى جيف متحللة ومصدراً من مصادر التلوث الذي ينذر بوخيم العاقبة، وبما أننا لم نعد في عصور التحنيط منذ عشرات القرون، كان من الواجب إعلاء صوت النداء الإنساني لاستصدار الشهادات الرسمية المذكورة أعلاه والتي أصبحت حاجة شديدة الإلحاح.
الضمير الإنساني الراحل هو أول من يستحق بجدارة صدور شهادة وفاة رسمية بحقه بعد أن أسلم المذكور الروح إثر معاناة مريرة مع داء الشيزوفرينيا الخبيث الذي ألم به وكانت له مضاعفات وتداعيات مؤلمة أصابته بعمى الألوان الذي تطور إلى فقدان كامل للبصر
أدى به إلى تعدد المعايير واستنزاف الأخلاق الإنسانية التي أوصلته إلى حالة من الأنيميا الحادة بسبب تناوله المفرط لعقاقير النفعية والانتهازية المغلفة بأوراق الحداثة الملونة أصيب بعدها بأنيميا حادة وكان أن دخل في غيبوبة عميقة ثم موت سريري لا يرجى قيامه منه إلا بمعجزة في الوقت الذي لم تعد تأتي فيه المعجزات، فكان من حقه على البشرية أن ترفع عنه الأجهزة المساعدة وأن تعلن وفاته رحمة به من العذاب الذي لا يستحقه.
مستحق آخر لمثل تلك الشهادة هو التاريخ، تاريخنا الذي لفظ أنفاسه الطاهرة بعد أن أقدم مضطراً على الانتحار يأساً واحتجاجاً على ما لحق به من تشويه جراء عمليات التجميل الفاشلة أجريت من قبل جراحين غير موهوبين أعملوا فيه الشد والنفخ والحقن والشفط والتلوين والتقشير يريدون تحسين وتلميع صورته وإظهاره على ما يظنونه أحسن تقويم، فإذا به قد استحال على أيديهم مسخاً كريهاً منفراً عصياً على القبول فضلاً عن الإعجاب، إلى أن استبد به الإحباط والقنوط فما كان منه لحظة ضعف يائسة إلا أن قام في بابتلاع كمية كبيرة من الحبوب المنومة وغاب بعدها في سبات أبدي عميق، بينما رفض أيتامه الاعتراف بموته ذاك وظلوا سادرين في غلوائهم ومكابرتهم يستحضرون جثمانه في كل شئونهم وينفخ فيه كل منهم من روحه كما يشتهي، يستفتونه حول أخيلتهم وأوهامهم ويستنطقونه برؤاهم وآرائهم وينسبون إليه ما يتفق وأهواءهم ما ليس له به علم ليس إلا طمعا من كل منهم في الاستحواذ على ثروته التي يظنونها طائلة. أفلا تأبى المروءة لهذا الفارس أن لا يترجل ليقر ويستريح في مثواه الأخير بما يستحق من كرامة الفرسان وبما يليق بحرمة الأموات؟
الأمة العربية الكريمة رحمها الله وأحسن مثواها وأثابها عنا خير الجزاء هي خير من يستحق شهادة وفاة بامتياز مع مرتبة الشرف، فقد لفظت الراحلة الكريمة أنفاسها الطاهرة منذ زمن ليس بالقصير، وكان ذلك كمداً وحزناً على ما كان من انفضاض أبنائها من حولها بعد أن أعملوا فيها العقوق والعصيان والتمزيق والتقطيع والإهمال الجسيم وذلك بأن انصرف كل منهم عنها إلى اللهو والمجون مع خليلة فرضت عليه وفرض عليها، ولم يختر أي منهما الآخر، فأصبح يتبعها إلى كل جحر ضب تدخله ويطيعها في كل ما تأمر به. يحيك معها المكائد والمؤامرات على أخوته ويشرب كل من هؤلاء الإخوة مقالب أخيه ويقع في فخاخهم بما يرضي عشيقاتهم ويشبع غرورهن وحسب. وهذا ما أصاب المرحومة بصدمة وجدانية حادة انتهت بنسيجها الوعائي إلى الشلل الكامل فالموت المحتم مأسوفاً عليها وعلى شبابها الذي لم تأت ساعته قط. ولكن أنانية أبنائها العاقين أبت عليهم إلا الاحتفاظ بجثتها في أرفف ثلاجتهم الرسمية يستخرجونها فقط في المناسبات أو كلما اقتضت الحاجة الملحة يستعطونها فلا تعطي ويسترضونها فلا ترضى ويستغضبونها فلا تغضب إلا بما يعطي ويرضى ويغضب الأموات. فبات كل من هؤلاء وقد صاروا يتامى يستمد منها مشروعية الوجود ويلتمس منها الإسم والنسب ويتزود منها بقطع الغيار لكيانه المعطوب حسب الطلب وعير ذلك لا شيء. دعونا نضع أعيننا في عين الحقيقة ونواجهها بشجاعة ووضوح .. أمتنا ماتت على أيدينا أيها السيدات والسادة، فترحموا عليها وأقيموا جنازتها وصلوا عليها واذكروا محاسنها وادعوا لها بالرحمة والغفران لعل الله يغفر لنا ولها ويرحمنا وإياها برحمته وهو أرحم الراحمين !
وما دامت الجنائز قائمة ومراسمها دائرة فحريّ بنا ألا ننسى ذلك الجسد المسجى في فسقية النظام الرسمي العربي، جسد منظمة التحرير الفلسطينية التي احتضنت وجسدت في يوم من الأيام أحلام وآمال كل عربي وكانت محور وصلب أهداف وتطلعات كل العرب في التحرير والكرامة حتى عهد قريب. توفيت المذكورة متأثرة بفيروس أخلاقي قاتل أصابها بعد أن انزلاقت في نزوة سرية مع بعض الخبثاء من صعاليك السياسة في أحد أزقة أوسلو، حيث أثمرت تلك النزوة الآثمة عن ميلاد ابنتها الوحيدة التي أسموها تيمناً وتفاؤلاً "السلطة الوطنية" التي جاءت مولوداً مشوهاً يعاني الإعاقة المزمنة والتمزق الداخلى الشديد والفساد الدموي المستشري الذي لا يبشر بطول البقاء بفعل ذلك الفيروس الذي أصاب أمه. وقد عهد والده إلى أولياء أمره الذين تقاذفوه فيما بينهم بين راغب عنه ومشمئز منه وبين راغب فيه طامع في امتصاص دمائه حتى الثمالة، بينما أمه بعيدة عنه تعاني التهميش والعجز والمرض والموت البطيء. فهل من يطلق عليها رصاصة الرحمة حتى تلتحق بمن سبقها من المذكورين آنفاً إلى دار البقاء رحمة بها وبمن بقي من بعدها من الأحياء؟
ما أكثر الأموات في عالمنا هذا وليس أكثر منهم إلا المكابرين الذين يأنفون الاعتراف بالحقيقة، إما مخادعة لأنفسهم وإما لأغراض شتى في نفوسهم. وما أشد صدمتنا في من نظنهم أحياء يرزقون فإذا بنا نكتشف فجأة أنهم مجرد جثث هامدة لا حول لهم ولا قوة، حيث لا حول ولا قوة إلا بالله. أليس الأجدر بنا أن نعترف صراحة بموتهم ولو كان ذلك من باب الإنسانية وأخلاقيات الرجولة، قبل يصدمنا أن نكتشف فيما بعد بأنها قد ماتت هي الأخرى؟
08-أيار-2021
23-نيسان-2008 | |
15-كانون الثاني-2008 | |
03-تموز-2007 | |
12-أيار-2007 | |
31-آذار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |