ملف فيروز في دمشق / صح النوم . . من بيروت إلى الشام
2008-01-15
مجدك بدأ في الشام .. ولن ينتهي بها .. ألف
تعتزم السيدة فيروز أن تقيم في دمشق عرض المسرحية الرحبانية "صح النوم" ضمن الاحتفاليات القائمة باختيار مدينة دمشق كعاصمة للثقافة العربية لعام 2008 ، وكانت السيدة فيروز قد قدمتها لأول مرة عام 1970 حيث عرضت بعد ذلك ضمن فعاليات معرض دمشق الدولي وعلى خشبة المسرح التابع له عام 1972 إلى أن قامت مؤخراً بإعادة عرضها في بيروت وعمان عامي 2006 و2007 على التوالي. وتتمحورأحداث المسرحية حول الفتاة القروية "قرنفل" التي لم تكن تتوقف عن مشاكسة الوالي النائم في "قصر النوم" ومطالبته بالاستيقاظ لتلبية مطالب أهل القرية بالتوقيع على قرارات البناء والزراعة وتعمير دور القرية التي ينتظرها الأهالي بفارغ الصبر، إلى أن انهار سقف منزل "قرنفل" تحت وطأة المطر بينما كانت تنتظر تحت شمسيتها أن يصحو السيد الوالي ويوقع بالموافقة على التعمير، فتقرر قرنفل سرقة الختم وإمضاء الفرمانات اللازمة بنفسها وإعادة حقوق المواطنين إلى أصحابها، وكل ذلك في قالب غنائي كوميدي رحباني مميز.
لم يثر اختيار مدينة دمشق كعاصمة للثقافة العربية للعام الجاري ضجة بقدر ما أثاره قرار السيدة فيروز المشاركة في الاحتفاليات القائمة بهذه المناسبة من ضجيج حول تلك المشاركة التي ستتم في دار الأوبرا بدمشق أواخر الشهر الجاري. ولعل أبرزه ملامح ذلك الضجيج ما كان من مطالبة بعض السياسيين اللبنانيين وأشباههم من قوى الأكثرية النيابية لللفنانة الكبيرة بالامتناع عن الذهاب إلى دمشق والغناء فيها بداعي أن "من يحب الوطن لا يغني لسجانية" مذكرين إياها بأنها "تتربع على عرش قلوب الأحرار العرب وأن غناءها في الشام سينزلها عنه" وذلك على خلفية اتهام هؤلاء للدولة السورية بقمع إرادة الشعب اللبناني واغتيال رموزه وقياداته وتعطيل مسيرة حياته إلى آخر هذه التهم التي لم تثبت حتى الساعة صحة أو بطلان أي منها.
لم تكن تلك مجرد مغالطة سياسية أتاها هؤلاء الساسة - وما أكثر مغالطاتهم – بل تجاوزت ذلك إلى مغالطات أخرى ثقافية واجتماعية وإنسانية، فالوشائج التي ربطت بين المدينتين الجارتين أكبر وأمتن من أن يفكها عارض سياسي هنا أو هناك، وعلاقة السيدة فيروز تحديداً بمدينة دمشق هي أعمق بكثير من أن تنبشها تصريحات أو رغبات لسياسيين أعماهم الحقد وضللتهم الكراهية حتى أنهم أصبحوا عاجزين عن رؤية الآخرين إلا من خرم أحقادهم الضيقة. وإلا فكيف ستترجل فيروز عن عرش قلوب الأحرار العرب بمجرد غنائهافي دمشق؟ فهل نزعم أن العكس هو الصحيح، فإن سمو الفن وترفعه على الخلافات السياسة والشخصية هو المؤشر الدال على أصالة ذلك الفن، وهو وحده ما يضع صانعيه فعلاً لا قولاً على عرش القلوب، إلا إذا كان البعض يرى أن عرش القلوب لا يوجد إلا في باريس أو واشنطن أو ربما في تل أبيب !
قد تتفق مع النظام السوري وقد لا تتفق، وقد تعجبك سياسته وقد لا تعجبك، فهذا شأنك معه، ولكن يجب أن لا تنسى أن اختلافات السياسة والسياسيين مهما كانوا هي أمورآنية طارئة متبطة بالظرف الوقتي وأن الفنون بأشكالها هي ما سيخلد في ذاكرة الشعوب، ولو قدر لا سمح الله أن كانت السيدة فيروز على هذه مثل الشاكلة من ضيق الأفق الذي يتمتع به هؤلاء الساسة لما كانت جديرة بالتأكيد بأن تتربع يوماً على عرش قلب عربي حر واحد، ولكن ما أبعد الثريا عن الثرى، فمن التي غنت لمحمد ويسوع ولمكة ولزهرة المدائن وللشام والأمويين والتاريخ أغنيات سيخلدها الفن وذاكرة الناس، ومن صدح لأبناء الشام يوماً "خبطة قدمكم عالأرض هدارة .." سوى هذا الكيان الملائكي المسمى فيروز التي مزجت نور الفن والمحبة بأصالة الأرض وعبق التراب وسلسبيل النوافير. وهل يمكن لمثلها أن يضلله بعض لاعبي الأكروبات الفاشلين في سيرك السياسة السمج، كيف وهي التي ومنذ أن أعلنت عشقها الأبدي لدمشق عند بدايات تحليق صوتها عبر أثير إذاعة دمشق " أحب دمشقاً .. أحب سماء بلادي.." وأهل الشام لم يتوقفوا عن الاستفاقة على صوتها يصدح في سمائهم كل صباح، يعانق رائحة الياسمين الشامي ويذوب في فناجين قهوتهم الصباحية التي لا تحلو نكهتها إلا أريج أغنيات فيروز !
كأي عربي حر أيها السادة فقد أحببنا لبنان كمن لم يحبه أحد، وحزنا على استشهاد الراحل رفيق الحريري كمن لم يحزن أحد وغضبنا من الهجمة البربرية الصهيونية عليه كمن لم يغضب أحد، وعتبنا على افتعال معركة صعبة مع عدو شرس كمن لم يعتب أحد، كما أسفنا كمن لم يأسف أحد لما آلت إليه الأزمة الداخلية في هذا البلد العزيز علينا، ولكن أن يكون ذلك كله ذريعة لتأصيل الحقد والكراهية العمياء بين الأشقاء وجعلهم قرباناً على مذبح أهداف ومشاريع سياسية لا يعلم إلا الله مداها فهذا ما سنرفضه كما لم يرفضه أحد. نعم .. لقد تملكت الكراهية مشاعر البعض من الساسة والمسيسين اللبنانيين لدرجة أصبحوا يتصورون معها أن مجرد تجاهل أو إنكار وجود الآخر كفيل باختفئه عن الوجود، واستبدت مشاعر الأنانية بكثيرين من هذا البعض حتى لم يعودوا يبصروا في الكون سوى أنفسهم وأحقادهم، ولا أدري لماذا لا يلتفتون إلى شأنهم السياسي البغيض فيصلحونه عوضاً عن الانشغال بما للناس من أواصر ومصائر فيفسدونها.
كان مثيراً للغثيان احتجاج ذلك المخرج الرقيع في إحدى حلقات ذلك البرنامج الأشد رقاعة في إحدى فضائيات لبنان على ما جاء من وصف رقصة الدبكة الشهيرة "بالدبكة الشامية" عندما تدخل حضرته بما توهمه تصحيحاً، بأن فن الدبكة هو فن لبناني حصراً، وأنها ليست من الشام التي ليس فيها مثل هذا الفن، في استغباء فج وصريح لعقول المشاهدين، متجاهلاً أن الشام في عرف التاريخ والجغرافيا والإقليم والاجتماع هي تلك المنطقة الممتدة بين مدينة غزة ومدينة الموصل، وكلها بلاد تمارس فنون الدبكة بأشكال متشابهة إلى حد بعيد. بهذه العقلية يروجون للشوفينية المحلية والتعالي على الآخرين وبهذه الطريقة يترجلون من حيث لا يشعرون عن عرش القلوب، فليس هذا الذي يريدون هو لبنان الحب والجمال والحرية الذي يحبه ويهواه كل عربي حر.
إنها رسالة الفن والفنانين وليس غيرها ما قاد السيدة فيروز إلى دمشق عاصمة الثقافة العربية لتصرخ مجدداً "صح النوم" يا شام أو يا بيروت لا فرق، فالمهم أن تقام السهرة فعندما يعز السهر في بيروت فباب الشام با يزال مفتوحاً، أوليست هي من قال يوماً "إن ما سهرنا ببيروت بنسهر في الشام" ؟
08-أيار-2021
23-نيسان-2008 | |
15-كانون الثاني-2008 | |
03-تموز-2007 | |
12-أيار-2007 | |
31-آذار-2007 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |