Alef Logo
ضفـاف
              

ملف العلمانية / لاديموقراطية بدون ديموقراطيين وعقلانيين

عبد العزيز حسين الصاوي

2008-01-26

عنوان المقال تلخيص للرسالة التي ينطوي عليها تزامن صدور وثيقتين في ختام العام السابق وميلاد العام الجديد بما يرشحهما لموقع البؤرة في اهتمامات المشغولين جديا بحل اشكالية التطور الديموقراطي التي تواجه احدي عقدها المستعصية لدينا متمظهرة في الحاجة المصيرية اليها مع ضعف القوي المؤهلة لتحقيقها. الوثيقتان هما بيان رابطة العقلانيين العرب وورقة العمل المرفقة بدعوة الانعقاد السنوي ل " مشروع دراسات الديموقراطية في البلدان العربيه" التي تشرح موضوع اللقاء وهو الدراسة المقارنة لعمليات الانتقال الي الديموقراطيه. وأذا كانت هذه الدعوه خاصة بالانعقاد الثامن عشر لهذا المشروع فان مصادفة صدورها هذه المره متزامنة مع بيان رابطة العقلانين العرب تضفي عليها أهمية استثنائيه لاسيما من منظور يركز علي العلاقة العضويه بين حل اشكالية العقل العربي وحل اشكالية الديموقراطيه. ولعل قراء الصحافة لاحظوا ان هذا المقال سبقته مجموعة تحكم فيها هذا المنظور كليا او جزئيا انطلاقا من فرضية تقول بأن هذه العلاقة هي العنصر المفقود مفسرا للقصور الذي لازم الجهود الفكرية والسياسية الكبيرة التي بذلت لمعالجة قضية الديموقراطية عندنا ومن قبل المثقفين العرب في اقطار اخري خلال العقود الماضيه. لقد اشبعت هذه الجهود العوامل المتصلة بمختلف مكونات البيئة العامة الداخلية والخارجيه بحثا وبقيت ضرورة استكمالها بالبحث عن معوقات التأسيس الديموقراطي في معوقات نشوء عصر تنوير عربي يشق طريق العقلية العربية للخروج من غياهب العصور الوسطي كما حدث في اوروبا. ومن هنا ايضا ضرورة استكمال المقولة التي اضحت موضع قبول عام حول استحالة الديموقراطيه دون ديموقراطيين بأستحالة وجود ديموقراطيين حقيقيين دون ان يكونوا عقلانيين في الان نفسه. فالديموقراطية ليست مجموعة مكونات نظام حكم وانما اسلوب حياة وطريقة تفكير وسلوك.
مع الاشارة الي ان محرك البحث قوقل قادر علي تلبية رغبة الحصول علي نسخ من هاتين الوثيقتين، ترد هنا بعض المقتطفات مصحوبة بأضواء اضافية عليهما. بيان رابطة العقلانيين العرب يعتبر نفسه ورقة تأسيسية تستهدف اطلاق تيار مضاد لتيار " تحولات اجتماعية ارتكاسيه من مظاهرها الإجهاز على المنجزات الحداثيّة التي سبقت أو تلت مباشرة مرحلة الاستقلال الوطنيّ، وصعود التّيّارات الإسلامويّة التي تكفّر الفكر والمعرفة والإبداع، والتّراجع المتصاعد لدور المثقّف النّقديّ " . وتعتبر الورقة العقلانية " مطلباً مركزياً من مطالب الحداثة التي تقوم، في جملة الأسس التي تقوم عليها، على العلمانيّة والمجتمع المدنيّ ودولة القانون وحقوق المواطنة الاقتصاديّة والسّياسيّة والثّقافيّة والتّعليميّة والمدنيّة. ومن هذا المنظور تولي الرابطة أهمية خاصة للعلمانيّة التي لا يمكن أن تختزل إلى ثنائيّة الإيمان والإلحاد، ولا أن تختصر في إيديولوجيا مكتفية بذاتها، ذلك أنّها سيرورة اجتماعيّة متصاعدة غايتها فرد مستقلّ قادر على التّفكير ومجتمع ديمقراطيّ حرّ قائم على تعاقد اجتماعيّ بين أفراد أحرار ". وبعد بعض الشروحات للفكرة الاساسية يختتم البيان بالفقرة التاليه : " تنطلق هذه الرّابطة من معطيات قريبة أنجزها "النّهضويّون العرب ولو بشكل مجزوء، ومن موروث عربيّ سالفٍ له إسهاماته العقلانيّة المتعدّدة، كما أنّها تستند إلى معطيات الحضارة الإنسانيّة التي أعطت المجتمع الإنسانيّ المعاصر إنجازاته المنيرة في الحقول جميعا. وتتوجّه هذه الرّابطة التي اتّخذت من (الأوان ) موقعا إعلاميّا لها على شبكة الإنترنت إلى جميع المثقّفين المحتجّين على تدهور الوضع في العالم العربيّ، ممّن يشاركونها الاعتقاد بدور العقل الفاعل وبوظيفة الثّقافة النّقديّة، لكي يغذوا موقعها الإلكتروني كما منشوراتها بإسهاماتهم ونتاجاتهم". ومن بين الشخصيات الرئيسية الموقعة علي البيان والمعروفة سودانيا اكثر من غيرها جورج طرابيشي وصادق جلال العظم وعزيز العظمه الي جانب بعض الشخصيات من المغرب العربي.
اما الوثيقة الثانيه، ورقة العمل المرفقة بدعوة " مشروع دراسات الديموقراطية للبلدان العربيه "، فتشخص اسباب التعثر الديموقراطي العربي مبدأيا في فقر الثقافة السياسة وعجز القوى التي تنشد التغيير عن التوافق على قواسم مشتركة تؤسس لقيام نظام حكم ديمقراطي ومناورات أنظمة الحكم القائمة وتهربها من الالتزام مشيرة الي ان تلك القوي تفتقر الى الارادة والثقة المتبادلة لنمو حركة دستورية والى الالتزام بموجبات الديموقراطيه في داخلها وفيما بينها. كما ان أنظمة الحكم العربية ما زالت قائمة على "الغلبة" ترفض الانتقال السلمي للسلطة موظفةً مختلف آليات الضبط التسلطي بهدف القضاء على أي بديل وبناء علاقات حليفة مع الدول المؤثرة لتجنب الضغط الخارجي. تقدم الورقة بعد ذلك تعريفات موجزة لمصطلحات مفتاحية في المساهمات المطلوبة لندوتها التي تنعقد سنويا في مدينة اكسفورد البريطانيه ( التفاصيل في العنوان التالي [email protected] ) وهي الانفتاح السياسي والانتقال الي نظام حكم ديموقراطي والتحول الديموقراطي. ف " الانفتاح السياسي " هو نمو شعورعقلاني لدى نظام الحكم بتآكل شرعيته ومن ثم تقديم تنازلات سياسية من حيث الشعارات وحرية التعبير ، لكن دون أن يصل ذلك إلى الإقرار بأن الشعب فعلاً هو مصدر السلطات الامر الذى يؤدي بالانفتاح السياسى إلى إطلاق سيرورة لازمة ولكنها غير كافية، قد تصل بالبلد إلى الانتقال إلى الديمقراطية، وقد تقف عند مقاربة شكل الديمقراطية وإنكار مضمونها عند الممارسة. هذا اذا لم تتوافق القوى التى تنشد التغيير على قواسم مشتركه تؤهلها لوضع طلب فعال وتنظيم حركة وطنية من أجل الانتقال الى الديمقراطية. اما " الانتقال إلى الديمقراطية " فهو حالة وفترة تاريخية يتم فيها الانتقال وفق توافق تعاقدي متجدد(دستور ديمقراطي) يوضع موضع التطبيق، من خانة نظام حكم الفرد أو القلة بمختلف مسمياتها ومصادر شرعيتها، إلى نظام حكم ديمقراطي، يؤسس على مبدأ المواطنة الكاملة المتساوية والشعب فيه هو مصدر السلطات. والمصطلح الثالث " التحول الديمقراطي " عملية مستمرة تأتي بعد الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي فهي سيرورة تهدف إلى استيعاب الديمقراطية كنظام للحكم ودمجها في الثقافة الوطنية وانعكاسها على السلوك الفردي والجماعي، وليست فقط توافق سياسي فرضته الضرورة عندما تم الانتقال إلى نظم حكم الكثرة.
في بعض ردود الفعل الاولية علي الوثيقتين اشارة الي الحراك الثقافي الايجابي الذي ترتب علي ظهورهما ويؤمل ان يمتد الي الساحة السودانيه ربما بمبادرة من القسم الثقافي في " الصحافه " بنشر نص احدي الوثيقيتن او كلتيهما خدمة لهذا الغرض. اثنان من كتاب جريدة الحياه اللندنيه هما كرم الحلو ودلال البزري تناولا الوثيقتين بالنقد. الاول رأي في بعض مفاهيم ورقة مشروع دراسات الديموقراطيه عدم ادراك للعلاقة بين الديموقراطية والليبراليه كفلسفه وسياسات تطبيقيه في الاقتصاد وغيره والثانية اعتبرت ان اللقاء الذي تمخض عنه بيان رابطة العقلانيين العرب لم يكن ناضجا بما فيه الكفايه ونشرت الصحيفة بعد ذلك ردا لاحد/ احدي الموقعين/ات علي البيان ( رجاء بن سلامه ) ناقش فيه مدي صحة هذه التقديرات.
سنلاحظ فيما يتصل بالسودان ان تعريف مصطلح الانفتاح السياسي في ورقة مشروع دراسات الديموقراطيه يكاد ينطبق بحذافيره علي الوضع السوداني من حيث الواقع الراهن والافاق السلبية والايجابيه بينما تعريف مصطلح التحول الديموقراطي يختلف عن الاستخدام الدارج عندنا الذي يعتبر مجاله عادة مرحلة سابقة لنشوء الحكم الديموقراطي او متزامنة معه علي الاقل بينما تعتبره الورقة مرحلة لاحقه. وعلي كل حال فأن الورقة لاتلزم مزمعي المساهمة في الندوه بتعريفاتها وانما تطرحها كمادة للمناقشه. ومن اهم الاستنتاجات الممكنه من الورقة تركيزها علي العوامل الداخلية في نشوء ازمة الانسداد الديموقراطي العربي وبالتالي وسائل تفكيكها وهو توجه تتضح اهميته البالغة علي خلفية معاكسته للمناخ السائد وسط قسم كبير من الناشطين العرب، بتأثير الانظمة والتيارات الاسلاموية والقوموية خاصة، محيلا مصادر كافة الانسدادات التي تعاني منها مجتمعاتنا الي العدو الامبريالي- الاستكباري الخارجي. وهي أحالة مبعثها التهرب المزمن لهذه التيارات والانظمه من استحقاقات النقد الذاتي لتجاربها الشمولية ودورها الرئيسي في تشويه الوعي العام بالقفز فوق الدرس الواضح لتاريخ الهزائم العربية وهو ضرورة الاصلاح الداخلي بفسح المجال الديموقراطي امام الافراد والجماعات كشرط للغلبة علي العدو الخارجي.
هذا الاستطراد يفتح مدخلا لاطلالة سريعه علي تجربة الحركة القومية العربية في السودان لان الجناح البعثي ( العراقي ) منها عاش صراعا مع المركز القومي الخارجي علي صلة بهذا الموضوع اذ بدأ الخلاف معه والبعثيين السودانيين وغير السودانيين الذي بقوا ملتزمين به، من نقطة اعطاء الاولوية لقضية الديموقراطيه في السودان والعراق نفسه حسب ظروف كل ساحه. مع ملاحظة ان المشرفين علي " مشروع دراسات الديموقراطية في البلدان العربيه " د.علي الكواري القطري ود. رغيد الصلح اللبناني ينتميان الي شريحة المثقفين العرب الذين توصلوا الي نفس النتيجه قبل ذلك بفتره من خلال تجربتهم في العمل العام بما في ذلك من خلال حزب البعث العربي الاشتراكي نفسه.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ملف العلمانية / لاديموقراطية بدون ديموقراطيين وعقلانيين

26-كانون الثاني-2008

المشهد العراقي بعد اربع سنوات : وثيقة تتحدث .. بخجل

11-نيسان-2007

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow