ملف الكاتبة الإيرلندية آن إينرايت ج2– حائزة على مان بوكير 2007
2008-02-14
متابعة لملف الكاتبة الإيرلندية آن إنرايت .. ننشر هنا ملخصا عن جائزة مان بوكر العالمية .. وقصة أخرى لها.
رئيس تحكيم جائزة المان بوكير للإبداع الروائي في عام 2007
* الجمعة 17 تشرين الثاني 2006 – الساعة : 15.33 . هاوارد دايفيز يرأس لجنة تحكيم جائزة المان بوكير للرواية عام 2007 .
" يثيرني طلب واحد : أن أشغل منصب رئيس لجنة تحكيم المان بوكير. هذا يأتي بعد الرغبة في المشاركة مع فريق كريكيت الإنكليزي. لقد تجاهلني القائمون على الأمر مجددا. و لكن هذا هو طموحي الأول ". هاوارد دايفيز.
* تم الإعلان اليوم ( الجمعة 17 تشرين الثاني 2006 ) عن اسم هاوارد دايفيز ليكون رئيس لجنة تحكيم المان بوكير عن عام 2007 .عقود كانت جائزة المان بوكير تحتل مرتبة الإنجاز الأهم في نطاق الرواية. و كانت الجائزة ، تققليديا ، تثير نقاشات و خلافات نارية. و هي معروفة كجائزة أدبية لها وزن و رصيد معنوي على امتداد العالم .
و السير هاوارد دايفيز هو مدير مدرسة لندن للعلوم السياسية و الاقتصادية. و قبل تعيينه مؤخرا كان رئيسا لهيئة الخدمات المالية ، الهيئة المنظمة الوحيدة في المملكة المتحدة منذ عام 1998 . و قد كان سابقا و لمدة عامين في منصب نائب المدير لمصرف إنكلترا ، و ذلك بعد ثلاث سنوات من العمل بصفة المدير العام للكونفدرالية البريطانية في الصناعة. و بين 1985 – 1986 كان دايفيز الرجل الثاني في الخزينة بصفة مستشار خاص لوزير المالية.
و لكن منذ عام 2002 كان مديرا منتدبا لمعارض تايت.
بالإضافة إلى مكانته المرموقة كرجل أعمال ، كان هاوارد دايفيز قارئا نهما . لقد كان يراجع بانتظام الكتب الروائية في ( متابعات أدبية ) و لعدة سنوات ، و قد راجع الأدب الروائي كذلك في مجلة ( الكتب و القراء ) و في جريدة ( التايمز ). و هو يقرأ الروايات بالإنكليزية و الفرنسية ، و لا يزال عضوا في جمعية ( بووايز و وايندهام لويس ). دايفيز عضو في إدارة الأكاديمية الملكية للموسيقا و ناشط ميداني في دائرة الأسرات العاملة. و قد كان عام 2004 باحثا شرفيا في جامعة ميرتون.
أما الأعضاء الأربع المتبقون من لجنة التحكيم للمان بوكير عن الرواية في عام 2007 سوف يعلن عن أسمائهم في السنة القادمة. و سيتم اختيار القائمة قبل النهائية في أيلول عام 2007 ، أما الفائز سوف يتوج في حفل تكريمي في شهر تشرين الأول.
قصة / هذا في صحة الحب ــ آن إنرايت
أنا في التاسعة و الثلاثين . يخبرني الأصدقاء أن زوجاتهم لسن سعيدات. هم أصدقاء ذكور ، إنهم – أصدقاء ذكور من أيام بعيدة ، على الأقل بعضهم. و ألتقي بهم كلما عدت أدراجي إلى مسقط رأسي. أو أنهم يتفقدونني كلما حضروا إلى باريس. تلك هي فترة من عمرنا : يطلبونني بالهاتف و يقولون لي : " مرحبا أيتها الغريبة " ، ثم نلتقي مع فنجان قهوة و نتبادل شتات الحديث حول أمور قديمة : و حول الجيل الجديد من الأولاد ، و حول العمل ، و في الهزيع الأخير من الحوار ، أو في الأمسية التالية ، حينما نلتقي لجرعة شراب ، يطلعونني على هذا الأمر : الزوجات لسن سعيدات.
لا أعلم ماذا من المفترض أن أفعل حيال ذلك.
أسأل و كيف هم الآن فيقولون إنهم على خير ما يرام ، و ربما يقولون هذا بنبرة حنين ، ميلانكولي ، و أنا دائما أحمل قولهم على محمل الصدق – إنهم مطمئنون ، أو يكافحون في سبيل الطمأنينة. منهمكون بالعمل ، و يمحضون أولادهم الحب ، و ينفقون الوقت على نشاطات عامة مثل النزهة على الأقدام أو تدبر بيوت جديدة – بيت آخر : و يفضلون أن يمضوا فترة العطلة الأسبوعية في بيت آخر من ملك يمينهم.
أسأل : " و كيف هي ماريا ؟". أو كيف آني ، أو جويس.
آه : " إنها في صعود و هبوط ".
و الآن دور صديقي شاي ، الذي لم ألتقي به منذ سبع سنوات ، و مع ذلك أحبه ، ليس هو فقط ، و لكن الآخر الخجول قليلا الذي يدعى بول ، إن زوجته تستحق أن تكون بائسة ، و هناك شاب يدعى تومي – هذا صديق غريب الأطوار كانت لي معه علاقة قصيرة ، و انتهى به الأمر ، بطريقة لا يعلم بها غير الله ، إلى نوع من الغبطة الزوجية ، و أربع أولاد خياليين : حتى أن تومي لدى ذكر اسم زوجته يبدو مشتتا ، و كأنه لا يتذكر بالضبط كيف يفترض أن تتصرف بحياتها بعد الآن.
لقد أثقل كاهلي ذلك كله ، قليلا ، و السبب يعود إلى الشقاء العميق الذي ينتاب زوجات أصدقائي الذكور. ضمنا ماريا ، زوجة شاي ، التي لم أكن أميل إليها في حينه . أشعر فعلا بأعباء حبه الحزين و العـ..ـام لها. و أتساءل ، بشكل ما ، لماذا يخبرني بما سلف.
من الأسهل أن تقول ذلك أمام شخص لا تلتقي به يوميا ، هذا من طبيعة الأمور. من ناحيتي لم يكن لدي أطفال ، و هذا يساهم في تحويلي إلى نوع من اللامبالاة – لا زلت " مرحة " . لا زلت في نفس الجو الذي اعتدنا عليه.
حسنا ، نعم. مع أنني في بعض الأوقات أشعر أيضا أن حياتي على وشك إسدال الستار. كان زوجي طاعنا بالسن ، و هذا يدفعني إلى الشعور بالسن المتقدم أيضا ، في بعض الأحيان. إنه غير ثري. و هو لم يترك زوجته – فقد توفيت ، من سنوات قليلة. استطاع زوجي أن ينجو من أحداث تاريخية جسيمة ، و بعد ذلك التقى بي.
يقول شاي : " كيف حالك ؟". لقد جاء يزورني على وجه الخصوص بمناسبة عيد الميلاد. أضاف يقول : " بحق الجحيم كيف أنت ؟". و تفحصني بنظراته – كان ينظر إلى صدري . إنه رجل طيب القلب.
أقول : " بحالة جيدة. شكرا. فعلا أنا بحالة جيدة ".
في الواقع ، كنت أشارك هؤلاء الرجال الفراش ، إنهم رجال من الوطن ، يقترنون الآن بزوجات بائسات. هذا لو أننا نحترم الحقائق. و لكن ليس هذا هو المهم في شخصياتهم. فأنا لم أكن أفكر كثيرا بالجنس. بالعكس إن اشياء أخرى هي التي كانت تحيرني.
قال لي : " مظهرك مريح ". و هذا يعني لديه أنني لست بدينة ، أو منهكة. لا زلت متماسكة ، أو أجاهد لأكون كذلك ، و أنا أجلس على الطاولة الصغيرة ، و أشغل النادل بكلمات معقدة حول ضرورة الطعام و المكان المناسب لتناوله.
نظر شاي لي و أنا أقوم بهذه المهمة. إنه يحب ما أفعل و هو ما يقلقني فيه و يسرني بآن واحد. إنه يفتخر بخبراتي. و هو يتهيأ الآن لتنهيدة نوستالجية و أنا أضرم النار بطرف سيجارة – الإيرلنديون أقلعوا عن التدخين على ما أعتقد – و لكن أرى أنامله و هي تدنو من علبة السجائر.
" Slainte " ( 1 )
" بصحتك "
لم يكن زوجي يهتم لهذه الظاهرة ، أقصد هذه الجوانب الاجتماعية ، و هو لا يهتم لأنني إيرلندية و من طراز – قديم ، مع قليل من اللمسات الفرنسية. قميصي من ماركة أغنيس ب ، و وشاحي البسيط و المرقط و غير الواضح من ماركة هيرميس : هذه بالتأكيد أشياء لا تضفي جمالا أمام عينيه. أحيانا أود لو أكون مفهومة لديه ، بالمعنى الفاسد للكلمة ، و لكن غالبا أبدو له واثقة من نفسي. لا أعلم لماذا اختار زوجي أن يحبني ، و لكن أعلم ، أن هذه مغامرة رومنسية حقا ، و من الطرفين.
قال : " يطيب لي أن ألتقي بك ".
" و يطيب لي كذلك أن ألتقي بك ".
يقول شاي : " و كيف حالك إذا ؟".
كانت الأضواء في شوارع باريس تحاول جهدها أن تقترب من معنى أعياد الميلاد. و الكنيسة في قمة المرتفعات كانت تغمرها أضواء النجوم و كأنها أشعة ليزر ، و لكن نوافذ البيوت هنا كانت معتادة و داكنة. إنها تبدو أشبه بمدينة لها خصوصياتها ، أحيانا.
قال : " كيف أنت بحق الجحيم ؟. ماذا لديك ؟".
إنه من حسن الحظ أن ألتقي بشاي. لقد درسنا في جامعة واحدة في دبلن ، و لكن معرفتي به غالبا تعود إلى أيام العمل في لندن. لقد عشنا هذه الفترة معا لحقبة من الزمن ، كنا نجرع كميات كبيرة من الشراب في أمسيات الجمعة – ربما كيلا ينتهي بنا الأمر إلى فراش واحد. و لكن ذلك لم ينجح في كل الأحيان. أشعر بما مضى الآن و كأنها حياة أخرى ، و لكن ها هو ، إنه عاقل و بالغ بالسن ، شأنه دائما.
قلت له : " آه ، كما تعلم ، لا شيء يذكر ".
ماذ بوسعي أن أقول ؟. يبلغ زوجي من العمر ستة و ثلاثين عاما. و هو عاطل عن العمل. إنه من سايغون. و أنا أعلم حق العلم بماذا يفكر كلما نظرت في أعماق عينيه. إنه لا يكرر نفسه أبدا. و قد أخبرني ذات مرة بالمحن التي مر بها – أخبرني خلال سهرة مسائية مطولة ، و نحن داخل شقتنا القديمة في مارياس ، و أنا الآن أفكر بتلك الليلة بنفس الطريقة التي نتأمل بها أحلامنا.
كان له فم صغير. بمقدوري أن أبت بهذا الموضوع.
فم زوجي محكم الإغلاق و ناعم كأنه برعم زهرة متفتح. و هو حريص على متعاته الجنسية. و يحب أن ينظر لي و أنا أتمشى في أرجاء الغرفة. إن لمسته ، دائما ، خاصة ، و ناجمة عن تفكير ، و رقيقة. و كلما مارس الحب معي ، ألمس النذر اليسير من التردد في تصرفاته. و مع أننا لا نفعل الحب مرارا كما في السابق ، فهو " باستمرار " ناجح بالمقاييس التي يسمح بها هذا الأمر.
أود لو أخبر شاي بذلك ، فأنا أشعر بالإدانة – طبعا أشعر بذلك – أنا مدانة بالمساومة مع الرغبة ، بشيء من التنازل. لكن حياتي انعطفت باتجاه غير متوقع ، و الآن تتبادر إلى ذهني أفكار ليست في الحسبان. أعتقد ، مثلا ، أن هناك وفرة في الأزواج الذين يشعرون بالسعادة في تقاسم السرير – أزواج لا منتمون و غير متكافئين أنت تلتقي بهم في المترو ، بينهم وجوه قبيحة أيضا. يا لهذا السر الأسود. و أتساءل فيما إذا كانت هذه الوعورة في الجنس – هذه الكآبة الجديدة – ليس أكذوبة شائعة. و أود لو أقول إنها أكذوبة رأسمالية مفضوحة ، و لكن هذه المفردات تدفع زوجي إلى إغلاق عينيه ، ثم إنه يخفق في فتحهما مجددا و لفترة غير يسيرة.
هذا الرجل صاحب العينين المغلقتين يدعى لي كوانغ هوا.
أنت تجد علامات على جسمه. أحيانا هو يجفل من بعض الأشياء- الكلاب ، طبعا ، و الظلال الفجائية ، و كذلك أشياء أخرى لا أفهمها : صوت مكعبات الثلج في كوب الماء يدفعه إلى أن يطرف بعينيه ، و ، لوهلة قصيرة ، يغلقهما. أنا أنتبه لهذه الإشارات. أنا لا أبحث عنها ، و لا أخشاها ، و لكنني أتعرف عليها ، و سرعان ما أنهض و أحمل من يده الكوب. هذا كل ما في الأمر. و هو لا يرغب أن أفعل ذلك. و كان يعيش بعزلة في باريس لعدة سنوات قبل أن نلتقي.
و لكنني أتناول الكوب من يده ، و أضعه في مكان ما. و أتساءل ماذا يعني ذلك الرنين لرأسه. و حينما نمارس الحب ، نادرا ما أكون مبدعة : أنا لا أنتشي ، و لا أسبب الألم. و لا أتناول الثلج من الكوب الذي تجده بجواراالفراش ، ثم أفرك به ظهره.
هذا ما يحصل حينما يتقاطع الحب مع التاريخ. هذه هي المسافة التي نحافظ عليها. أو أنها المسافة التي يحافظ عليها الفيتناميون. أو الرجال العجائز. أو أنها الطريقة التي نفكر بها أنا و زوجي فيما يخص المسافة و الرومنسيات الرقيقة – إنها الطريقة التي نحن عليها فقط. من يعلم ؟. لن يكون لدينا أطفال. و لكننا سعداء حقا. أو ، كلا . لسنا مغتبطين ، بمعنى الكلمة. إننا نحب بعضنا البعض بقوة ، و هذا يضفي على حياتنا شحنة من الشكل و الضوء.
في السنوات الأخيرة كنا نعيش قرب رو موفيتار. في كل صباح ، حينما أغادر إلى العمل ، يدور زوجي حول البركة الخاصة و منشفته ملفوفة تحت إبطه. أنا أفكر به و هو في المياه الزرقاء الجديدة ، يسبح من غير تبذير في المياه. إنه يشبه السيدات المسنات اللواتي تراهن على الشواطئ الفرنسية. . تجدفن في البحر مع نظارات شمسية و شعر مصفف ، ثم تجدفن عائدات ، و تتهامسن بالشائعات ، و لكنهن تشبهن رؤوسا من غير أبدان.
استسلم شاي و أخذ علبة مارلبورو لايتس. وضع لفافة بين شفتيه ، و كان ينوح. نواح طويل و عميق. ثم ، و هو يندم لما حصل ، أشعل عود الكبريت.
قال : " مذاقها رديء فعلا ".
" حسنا . اتركها ".
و لكنه لم يتوقف. و الآن مع تقدم الأمسية بلا معوقات ، سألته عن زوجته. قلت : " كيف هي ماريا ؟".
قال : " آه. أحوالها متقلبة ".
" حقا ".
إن " الأحوال المتقلبة " بالنسبة للإيرلنديين تدل على أي شيء – من البكاء حتى الأوهام و الذهان . مع ذلك ، فأنا الآن أنظر إلى الذهان بطريقة عادية و كأنها تعني " هي ليست على سجيتها ".
قال : " لا أعلم. الترحال لا يفيد. ذهبنا إلى إيبسوم ، إلى المكتب الرئيسي ، و هناك تداولوا في الموضوع – حسنا اقترحوا أن أسافر إلى ألمانيا ، و لكن لا أظن أنها مستعدة . إنها صفقة من الصعب التخلي عنها. غير أن الأولاد كانوا استقروا للتو في مدارسهم ".
نفضت الرماد من مقدمة السيجارة و تابعت الإيماء. كنت أحب شاي. فهو يمتلك قلبا رحيما و لكنه مكسور. إنه نوع من الشباب الذين يعرضون بطانة جيوبهم على الملأ في الشوارع ليؤكد للجميع أنه لم يتبق لديه شيء يمنحه. و ها هو من جديد ، يضع روحه التائهة على منضدة في كافتيريا من أجلي.. يلقي بها أمامي لأنه لا يمتلك سواها – يا له من أسمال قديمة.
" أعلم أنها خطيئتي. أو إنها خطيئة الارتباطات. و مع ذلك لا زلت أحبها ، كما ترين ".
" لا شك أنك كذلك ".
" إنها تود العودة إلى الغناء ".
" أوه ، ؟.. حقا ".
" حسنا . هذه هي مهنتها السابقة ".
هل كانت كذلك ؟. أنا أتذكر ماريا – امرأة صغيرة الحجم و جميلة – لقد تقابلنا مرة و كرهتني ، من أول نظرة. و كانت متلهفة لتخبرني أنها تدربت على الرشاقة ، كما أظن ، و لكن لم ترد أية إشارة إلى الغناء. أنا متأكدة أن شاي على صواب. أنا على يقين أنها مغنية. و متيقنة أنها مطربة مشهورة تتنكر بصورة سيدة منزل ، و هذه هي غلطة شاي ، فهو يمحوها ، و يختزل حياتها. في الذاكرة حفل زواجهما – خصرها الصغير و المتماسك تحت يده . أعتقد أنها كانت تمارس الرياضة منذ بلغت التاسعة من العمر.
قال : " كم هي جيدة. إنها طيبة القلب. و لكنها ليست شيئا بمقدورك فقط أن..." و هنا يتوقف عن إتمام الجملة.
لا زال أمامنا خمس دقائق قبل السادسة. في البيت ، ينتهي زوجي من الطهو ، و التجفيف ، و الطهو مجددا ، إنه حساء لحم العجل مع المعكرونة. لم ينتظر أوبتي إلى المنزل. سوف يصب لنفسه في التو ، و سيلتهم وجبته . و بعد ذلك لو لم أرجع سوف يشاهد برامج التلفزيون. هو يحب الخيال العلمي : و متعلق خصوصا بإكسينا : الأميرة المقاتلة. و إن لم يجد شيئا من هذا النوع ، سوف يجلس و يقرأ من منتخبات طبية لديه ، و من كتب شعوذة يحتفظ بها. بالعادة يتوقف قليلا ليتلمس بطنه ، أو لينحني و يتفحص أصابع قدميه.
على مبعدة خمسة أحياء ، لمست قفا يد شاي الضخمة و قلت له : " هذا يحدث أحيانا ".
نظر شاي إلى أطراف أناملي و هي هناك. ثم هز رأسه الكبير و نظر لي ، كأنه يقول : كيف تتخيلين ذلك، كيف أعلم " بمَ " يحصل " ؟.
" ذلك الشعور أنك لست في الطريق الصحيح. هذا يتبادر لذهن النساء بسرعة . أقصد ، إذا كان لديهن أطفال ، هذا يتبادر لهن. هذا كل ما في الأمر. حينما ينجبن أطفالا".
قال شاي : " الشيء الذي أحبه فيك أنك تفصحين عن الأمور كما هي . أنت تتقدمين بالعمر ، و يزداد وزنك ، و هذا يتحول إلى محض هراء ، أنت تحتضرين ".
و الآن إنه دوري لأكون مخطئة – إن زوجة شاي لن تصل إلى الإذاعة ، لتنشد أغنيات الجاز الليلية. أنا من تقف في طريقها.
قال لي : " هذا شيء محدد جدا. إنه حلم يخص شخصا آخر. و هو ليس تحت السيطرة ".
زوجي من مواليد عام 1943 . مر ، في مسيرة حياته ، بتجربة الغزو الياباني ، و االفرنسي و الغزو العسكري الأمريكي. و على حد ظني ، إن عائلته لم تمر بمحنة الاحتلال ، بل إنها انتفعت منها بأقصى حد. تعلّم هوا في الإرسالية الفرنسية في سايغون. و اقترن بزوجته خلال ما يسمى حرب فيتنام. و أنجب منها ولدين. أحد ولديه عاش خلف الحدود في لاغوس ، و الآخر لم يكن يرغب بمقابلة أبيه إطلاقا. و حينما بلغ سن الشباب ، اعتقد هوا أن بارس هي مركز الكون . و بعد مرور ثلاث سنوات من إعادة التأهيل الحكومي في أحد المعسكرات الخاصة ، لم يتبق لديه أية أصداء من أفكاره الباريسية.
قلت على حين غرة : "لقد تزوجت ، هل أنبأتك بذلك ؟".
قال شاي : " يا للمسيح. كلا ، لم تخبريني . على وجه التأكيد لم تبلغيني بذلك ".
نظر نحوي بإحباط واضح . ثم إن شيئا ما ترقرق من خلف عينيه.
الأمر الذي يحبه شاي فعلا – الشيء الذي يحبه الآخرون جميعا فيما يخصني – أنني لا أشترط الزواج بهم. حتى أنني لم أرغب بالوقوع في الحب معهم. إن ما يهم المرء حقا هو النوم مع الآخر أو عدم النوم. الرجال يفكرون بذلك ، أو أنهم يعتقدون أنهم يفكرون به و لكن الشخص الوحيد الذي يتفهمه - و على أتم وجه – كان زوجي و الذي قادني من يدي في أمسية عادية ، و فتح لي باب الغرفة المجاورة.
" لقد فعلنا ذلك من أجل إذن السفر و الإقامة ".
هذه خيانة مريعة. و لكن حتى هذا ليس صحيحا بالكامل.
يقول شاي : " إذا أخبرينا بما لديك ". و لكنني بالفعل كشفت له الستار عن أمور كثيرة. و لم أحول ذلك إلى دراما : تحدثت عن عملي مع اللاجئين ، و كيف التقينا على طاولة تنتشرفوقها الصور الفوتوغرافية و مقاطع من مقالات مكتوبة و صمغ . و بمقدوري أن أقول إن الصور تعود لهذه الضحية أو تلك. و لكن لم يكن هناك أي علاقة للضحية بـ "هوا " ، مع أنني أستطيع أن أشعر ، و أنا أقف بجواره ، بحقيقة ألمه و الطريقة التي يسمو بها فوق عذابه. و أنا لا أقول ذلك ، لأن شاي سوف يعتقد أنني نوع من المنحرفات. و لكن ربما أنا من هذا النوع .
ها هو يتبادل معي النظرات ، و يبتسم بقرف اجتماعي طفيف. إنه لا يدرك ماذا يجب أن يقول بالضبط. ثم غلب عليه طبعه الإيرلندي و سأل ماذا يقولون عن " الأحوال في الوطن ". حسنا ، أعتقد أن هذا ليس من شأنهم ، في الواقع. لقد توفيت والدتي حينما بلغت السادسة من العمر ، و هذا يعني أننا عائلة مفككة فوق العادة، وأننا مرتبكون فوق العادة.
قلت له : " لم أخبر أحدا ".
" كلا ؟".
" كلا ".
قال صديقي شاي " هذا معقول ". أعلم أنه كان يحب تلك الفتاة البائسة ، و التي تتدرب على الرشاقة ، و التي كانت تراكم الصحون في غسالة الأطباق ، كل ليلة من الأسبوع.
تساءلت حول قرينة زوجي ، فيما إذا خاب أملها بتفاهة حياتها ، قبل أن تضيق الحياة و تطبق عليها فعلا. لا أعلم . أدرك أنني أغار منها ، أحيانا ، لقد ولدت هذه المرأة قبلي بحوالي خمسة و عشرين عاما ، و لكنها الآن في عداد الأموات. أعتقد أنه أحبها أكثر مني. قلت له ذلك في صباح مضى حينما استيقظت و رأيته جالسا قرب النافذة في ضوء الفجر. تفحص السماء لعدة دقائق.
كانت فاتنة ". وافق على ذلك ، و فكر بها لقليل من الزمن.
ثم قال أخيرا بصوته المترنم و الحاذق : " لا أتذكرها على نحو جيد . Je ne me rappele bien d'elle ( 2 ) ".
كان زوجي يرقد فيما بعد الظهيرة. و حينما يستيقظ ، يطوي الغطاء تحت السرير. إنه مخلوق روتيني. و لكنه لا يصيح أو يعول إذا دبت الفوضى في الغطاء. و لا يجلس ، كما تجلس زوجة شاي – تبكي على حالة البيت و على فساد جميع أحلامها.
أقول بحرص : " حسنا . هو من طرف فرنسا دائما . إنه فرانكوفوني ".
تحدثت عنه بقدر أكبرمن التركيز ، ثم بدأ شاي يفهم كم عمر هوا . إنه يتصرف مثل الرجال حين يعتقدون أن الغلبة ليست لي ، لست من يمتطي ، بدهشة و طرافة مع عنف . أنا أنكحك.
ثم أبتسم.
ينام زوجي بعد الظهيرة يوميا ، و ببساطة تامة ، و أحيانا أتجول ، أدخل و أخرج ، دون أن ألاحظ أنه موجود. لا أستطيع سماع صوت تنفسه. قد يكون أحيانا صفحة من الورق – ورقة بيضاء – ممدودة على السرير. ثم يفتح عينيه ، و يرمقني.
يقول شاي : " كم يبلغ عمر هذا الرجل إذا ؟". نحن ثملان الآن. لقد وصلنا إلى جوهر القضية.
أقول : "كبير بما فيه الكفاية ".
يرفع كأسه ليشرب بصحة ما أقول. و يقول : " هذا بصحة الحب ".
بعد خمس عشرة دقيقة كان يحرك يده الكبيرة و البدينة على المنضدة كأنه يفرم شيئا. و يقول ليس بمقدور أقراننا جميعا أن يكونوا لاجئين أو مريضين بالسرطان أو ما شابه غير أن العواقب موجودة – العواقب هناك – و لكن ذات يوم هم عرضة لما سلف ، و سوف نستمر في حبنا لهم ، و سنبقى على العهد ، مهما كانت الظروف. و ليس بإمكاني أن أعارض هذا . كنت على وشك التصريح بذلك ، غير أن شاي لم يكن مرتاحا لصمتي ، اعتبر ذلك بمثابة تنكر آثم ، و تابع بنفس الوتيرة.
هنا أشعر بالعجز أمام شاي .أراقبه و أتمنى لو يصيب الدمار حبنا. الحب الأرضي ، العادي ، المدمن الذي نكنه لبعضنا البعض. إنه فظ حتى درجة لا تحتمل في الوقت الحالي ، تركيبة بشرته ، الملامح و التعابير الضخمة التي تفور على وجهه الشاسع . هو لا يعلم أي شيء ، حسنا ، لديه فكرة بسيطة عن الموضوع - يتكلم عن المرحلة و ما جرى ، يعتقد أن المهم في هذه المسائل ، المعقدة كما هي ، التي لحق بها الدمار كما يبدو ، أن تعرفي من فعل هذا أو ذاك . و في النهاية ، قال ، من المهم أن تعرفي ماذا كان يفعل زوجك خلال فترة الحرب.
أشعلت سيجارة أخرى. شاهد شاي النظرات المرسومة على وجهي ، و ملأ الفراغات.
بعد ذلك لاحظت لديه تنوعا من التكبر ، الندم ، الاعتذار المرير – و هي مسائل أساسية تحدد موقفي منه ، و هذه في النهاية غلطته. إنه مكتئب الآن. و سيرورة إداناته المتوالية قد وضعته في موقف محرج.
قلت له " متأسفة " . لاحظت أنه متأثر بذلك من صميم قلبه . بالإضافة ، لن أتخلص مما سلف أبدا ما لم أعترف بشيء ما ، أي شيء – شيء لا اسم له و أؤديه بطريقة مغلوطة – ذلك هو رفضي للعيش في إبسوم ، ثم الانخراط في البكاء.
مضى كل شيء بسلام ، على ما أعتقد ، و تعانقنا ، ثم انفصلنا على أعتاب الكافتيريا ، و لم نتواعد على اللقاء مطلقا.
قلت له :" عيد ميلاد سعيد يا شاي ".
قال : " أتمنى لك عيدا طيبا ! ".
مضى كل شيء ، إذا، بسلام . على ما أعتقد ، كنت أسير في أضواء باريس و غايتي رجل ليس بمقدوره أن ينزه كلبه الألزاسي دون أن يبلل نفسه ، رجل كسر قدمه اليسرى و كاحله في خمسة عشر موقعا ، رجل عجوز و عادي من فيتنام ، يشير لي أحيانا و كأنني قهرمانة تقوم على خدمته ، و يصرف عشر دقائق يوميا في كل صباح على على مطوى الثياب لينظم هيئته.
كل شيء يمضي في طريق معقول.
هبطت في منطقة رو راتو و تفحصت هناك ، كعادتي ، إحدى البنايات المنتصبة في وسط الشارع. رأيت رجلا يحمل مسدسا في إحدى المرات. ذلك في شقة تقع في زاوية المكان ، و كان ينحني عبر الشرفة الضيقة. صوب المسدس الكبير و القبيح إلى الشارع. ثم لف يده و صوبه نحوي. أو لمن هو ورائي.
تلك الشقق في الزاوية مرتبة و رائعة ، إنها أماكن مناسبة لتحيا فيها. أقصد ، ذلك هو الحي الـ 5 . إنه مكان غير مناسب لتجري فيه هذه الأحداث. مع ذلك من غير شك ، لقد وقع ما سلف. إنه شيء واقعي. كان التوقيت مستغربا ، و من دون أصداء ، و كل شيء حوله كان باهتا. لم أنظر إلى الأعلى كرّة أخرى – لم أرغب بلفت انتباهه ، على ما أفترض – ثم في غضون دقائق ، سرت عبر التقاطع بطريقة اعتيادية تماما. على الممشى ، و عبر الأرصفة ، حتى الممر المعاكس. و لم أنظر لما ورائي ، لأتأكد أنه يصوب ذاك الشيء باتجاه آخر ، أو لعله غادر و انتهى الأمر.
لا زلت أسير عبر تلك الطرقات في معظم الأماسي . و في كل مرة ، أفكر برصاصة تستقر في ظهري – و لكن في معظم الأوقات يخطر لي أن ذلك لن يحدث .
أعود أدراجي إلى البيت حيث لي كوانغ هوا ، و أنا مشغولة بصورة جثمانه بعد الموت ، مرتب و جميل و هو على سرير الزوجية. أفتح الباب و أتساءل هل هو حقيقي. و إن كان لا يزال على قيد الحياة.
08-أيار-2021
مقتطفات من : كافكا في المحاكمة الأخرى بقلم : إلياس كانيتي ترجمة : |
17-نيسان-2021 |
03-تشرين الأول-2020 | |
12-أيلول-2020 | |
22-آب-2020 | |
20-حزيران-2020 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |