فن تشكيلي/قراءات في معرض سعد يكن الاخير/ تهويمات داخل يأس سعد يكن
2006-04-08
والوقت مديد ومؤجل، والوجع عنيد لايفارقنا. وانهياراتنا أمام الصدى العائد من خطاباتنا الطويلة ونقاشاتنا المنحازة حبلى بما هو آت، والآتي لا يأتي أبدا، ونظل في حالة انتظار.
تباغتنا الدهشة أمام ذهولهم، ووجعهم وانتظارهم الممض، ينفثون دخان نراجيلهم في هواء فاسد من رئات فاسدة وأنوف فاسدة وكل ما حولهم فاسد. أية صورة تواجهنا، وأية أحلام مضت على أجنحة عواصف مرت، جناح أحمر، وجناح أخضر وأجنحة ملحقة بألوان مشتقة من هذا وذاك والرمادي سيد الألوان جميعا تلبسها جميعا وطار، خرافة محملة بكل ذاكراتنا وأحلامنا، وتركنا على كراسي المقاهي والحانات والحدائق العامة.
1- هي الظلمة. لا حدود لها، مشحونة بحكايا الجدات، وبكثير من الرعب يتبع نهاياتها، فيلتجأ كل منا هارباً من الغول إلى حضن أمه لائذاً برائحة البخور المعتق ينبع من حنان ضماتها الصغيرة، حنانها المترع بالسحر، ورائحة المطر، والكستناء، وسماء هرعت وعولها مسرعة بعد أن أنهت فيضانات من المياه كانت ترافق حكاية الجدة التي تتربع على عرش الخوف ينبع من عيوننا، والحروف تتدحرج من فم الجدة مرتعشة، وهي متلذذة بذاك البريق الذي يجعل منها سيدة حتى تنتهي حكايتها.
من تلك الظلمة ذاتها تهرب شخوص تلتجئ إلى جدران غرفة، داكنة، جدرانها ملونة بغيوم الدخان الممزوج بالألوان والتفاصيل اليومية وطقوس سحر لا يعرفه سواهم. لا يعرفون النوم. والسهر يضج بحكايا جداتهم، هم أيضاً لهم حكاياتهم وخرافاتهم، وسأمهم الذي يضج بالصهيل، وينأى عن أعشاش الصوت.
في الفراغات، تحت الكراسي الهاربة من عصور نائية، وما بين فراغات القضبان الحاملة لمساندها تختبئ الحكايات؛ أوهام، هواجس، أحلام حملتها وعول الشتاء وغادرت ذات ظلمة، والهمس يضج به المكان – الفراغ بين قضبان مساندها لعطش لكلمة، لصوت، لندهة حزن، لآهة عشق ينتظر منذ أبد. والرجال يغتالهم الضجر، تركوا أحلامهم وحكاياتهم، وفرحهم، وشبقهم، في الفراغ تحت الطاولات والكراسي. وبين القضبان التي تشكل مساند الكراسي وتحت عباب الدخان الملتصق بالجدران كالرمد المنسي. حضورهم كالغياب، وغيابهم كالحضور المهاجر.
يهيمون، مُغَرَّون على الكراسي، يحركون أجنحة السأم، يتجشئون شهقاتهم، تأكل أحلامهم أوارق اللعب المرمية دون معنى على الطاولة أمامهم متروكة منذ أزل، حين كانوا ذات يوم، حين كان صبري مدلل يغني وحدتهم مرفقة بآهات أم كلثوم والقدود الحلبية، وحين كانوا يحلمون ويأملون ويتمنون شيئا ما. ينظرون إليها ينتظرون أمواج بحار قادمة تحمل لهم كل الآمال التي تمنوها ذات يوم ونسوها. مرميون على تلك الكراسي، بفراغاتها ذات الرائحة التي لا تشبه أية رائحة، عرق ممزوج بالقهر والتبغ والتنباك والكحول الرخيص.
2 – بالأبيض والأسود يمر على كآبتهم المجبولة بالطين والهباب وروث الحيوانات. ليس لمثلهم مكان على هذه الأرض، هم منبوذون منفيون محكومون . لا حزنهم بشبههم، ولا تعاستهم تشبههم، ولا يشبه أحدهم الآخر. من كل مكان جاءوا، لا جغرافيا لهم. و تاريخهم منسي على الطرقات التي عبروها. لا يليق بهم سوى الأبيض والأسود.
يلون بالأحمر وحدتهم، وبالأخضر يطل على مستقبلهم الكتيم، وبنقطة حمراء، على ورقة من أوراق اللعب، كان يمكن أن تغير مستقبلهم، يعلن أن لا جدوى. وأنهم؛ من هم أساساً؟ محكومون بوباء لم يكتشف بعد، مهيئون له منذ ظلمتهم الأولى، منذ أول صهيل لغربتهم، ومنذ أن حكموا بالأبدية.
حين يكتشف شخصا ما هارباً من عالمه ذاك، يريد أن يتمرد في حين أن التمرد ممنوع. يتصرف كإله لم يطع، إله أشرك به عابدوه، فيعاقبهم بمزيد من الوحدة، وبكثير من الألم .
3 – الحياة ليل، سهر، غناء، طرب، ذهول ونسيان. طرب عالمه ليس كأي طرب، شخوصه قادمون من بيننا، يشبهوننا كما نشبه أنفسنا. جلدهم منسوج من جلدنا. وأرواحهم هي أرواحنا، هم نحن مرميون على ورق بالأبيض والأسود والأحمر والأخضر والرمادي. يداعبنا أحيانا وبمزاجية إله يحب أن يتسلى بألوان أخرى لا تشبهنا ولكنها تشبه مزاجه.
المطربون هم أيضا يشبهون سامعيهم، آلاتهم الموسيقية، معداتهم، فنانون منفيون من ذواتهم ومن عالمهم، هم موجودون وغير موجودين، مذهولون في عالم علمهم كيف يتألمون ويصمتون، يهانون ويصمتون، تنهب حياتهم ويسكتون، وليس أمامهم سوى سأمهم ومللهم وفقدان الثقة بأنفسهم.
4 – غربة وضجر وفراغ، حيث ينبوع الحلم الغافي تحت أجفانهم المثقلة بالخبز الطالع من تنور ذكرياتهم عن أيام سعيدة مضت، بعدها كان عليهم أن يغيروا أسماءهم، لون بشرتهم، وأشياء أخرى كثيرة، وصولاً لأجساده، لكي يستطيعوا الاستمرار. وكل أحلامهم كرسي خشبي في مقهى أو خمارة وأمامهم ورق اللعب يبحثون عن حظ تعلب وبيع في سوق العولمة .
منفيون خارج أرواحهم الشفيفة، يلفهم صمت أمواج البحر، وغابات الصنوبر، ودخان المقاهي وعهر الحانات. منفيون من أرواحهم، ومن أحلامهم الصغيرة، أحلامهم التي بحجم كف طفلة وليدة مازالت مغطاة بدم الولادة. لا فرق إن كانوا في مقهى، أو حانة أو حديقة عامة، فهم مكونات بشرية دون أرواح دفعوا للتخلي عن أحلامهم دفعا من أجل الحفاظ على أرواحهم ثم دفعوا للتخلي عن أرواحهم ليظلوا يتمطون في مقهى ما، في هذا الزمن الكوني، وفي وقت محدد، هو وقت الكارثة.
5- تأخذنا الدهشة، الدهشة الملونة هذه المرة بالأزرق، لون البحر، وقد يكون لون عيني الحبيبة. وبالرمادي سيد الكآبات، وسيد الفرح العالق في ذاكرة المكان منسياً وتائهاً وباحثاً عن ضحكات كانت تعبر عنه، تحمل تواقيع كانوا فرحين ذات ذهول.
مدد مدد، تنادي حيوانات البحر الساكن، الممتد من العيون إلى العيون. وحبال شباك الصيد تلتف حول الصياد بدلاً من السمكة، وهو ينكمش خائفا محاولاً الهرب من الشبكة التي كان صانعها، ذاك حال زماننا السحر ينقلب على الساحر، السمك يصيد الصياد بحباله فلا يستطيع منها فكاكا. أتراه يستنجد برفيف النوارس، أم يلتجئ إلى قاربه المتكسر المركون في مرفأ الإبحار، حيث ما عاد الإبحار ممكناً، ولا الفرار ممكناً، ولا الحياة ممكنة.
محاولاً الفرار، لائذاً بصمته إلى صمته، ربما فاجأه الآن، وفي تلك اللحظة الهاربة من الطفولة، غول الحكاية القديم، الغول وليس مارد المصباح، ليقول له شبيك لبيك عبدك بين يديك .
08-أيار-2021
08-أيار-2021 | |
17-نيسان-2021 | |
03-نيسان-2021 | |
27-آذار-2021 | |
27-شباط-2021 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |