حسيبة: نص مشوش واخراج مرتبك وأداء كليشيهاتي
2008-11-22
سواء كنت تقصد أو لا تقصد –كمشاهد- لابد وأن تقارن فيلم ريمون بطرس"حسيبه" (المأخوذ عن رواية بنفس الاسم لخيري الذهبي) بالمسلسلات التلفزيونية السورية التي جرت أحداثها في الأحياء الدمشقية خلال النصف الأول من القرن العشرين.. وسواء عرفت أم لم تعرف أن رواية خيري الذهبي "حسيبه" صدرت قبل أن ينتج أي من تلك المسلسلات، فإنك ستجد نفسك مضطراً لمقارنة فيلم ريمون بطرس بـ "باب الحارة" الذي يعتبر أشهر الأعمال التلفزيونية التي تدور أحداثها في البيئة الدمشقية، وتعالج مشاكلها، وتقدّم شخصياتها، وتصوّر علاقاتهم.. ومهما كان رأيك في أحداث مسلسل "باب الحارة"، فإن نتيجة هذه المقارنة (رغم أنها غير مستساغة كونها تقارن بين عملين ينتميان نظرياً لنوعين مختلفين من الفنون هما السينما والتلفزيون) لن تكون إطلاقاً في صالح فيلم "حسيبه" على كل الصعد، بدءاً من المعالجة المملة وغير المشوقة للأحداث التي يصورها الفيلم على مدى ساعتين وعشر دقائق، والذي لجأ فيها مخرجه ريمون بطرس إلى أسلوب القص القاسي والقطع الحاد، بدلاً من المونتاج الذكي الذي يكثّف من دون أن يخلق فجوات أو يترك فراغات مبهمة خلال محاولته اختصار أحداث الرواية، الأمر الذي جعل كثيرا ًمن تصرفات وأفعال الشخصيات غير مفهومة أو مبررة درامياً وحتى منطقياً، وجعل أسلوب النقل أو الانتقال من فترة زمنية إلى أخرى أقرب إلى القفز بين مرحلة وأخرى بدون مقدمات، مما يترك انطباعاً لدى المشاهد بوجود ثغرات في القصة التي يتابعها.
وخيبة الأمل ستكون مضاعفة لدى أية مقارنه تعقد بين فيلم "حسيبه" وبين أي من مسلسلات البيئة الدمشقية التلفزيونية لناحية التفاصيل البيئية الشديدة الدقة التي تمنح العمل مصداقيته وأجواءه، والتي تعتبر ركيزة أساسية من ركائز هذا النوع من الدراما، فلغة الشخصيات في الفيلم وحوارها أقرب في مفرداتها المستخدمة على ألسنة ممثليه وممثلاته إلى اللغة والمفردات المعاصرة المتداولة الآن، منها إلى لغة الدمشقيين قبل أكثر من خمسين عاماً، وهذا ماينسحب على سلوك الشخصيات وخاصة النسائية منها، والتي عوملت بكثير من التحرر غير الأمين لأجواء البيئة أو للمرحلة الزمنية اللتين يحرك في شرطيهما الفيلم حكايته وأحداثه، وأي خيال روائي أو مقولة تقدمية أو رغبة إخراجية بتصوير شخصية إمرأة استثنائية متمردة على تقاليد عصرها وعادات بيئتها وشروط عيشها (كتلك التي تمثلها حسيبة في الفيلم) لايمكنه بأي حال من الأحوال أن يكون مبرراً لتغيير حقائق تاريخية، أو القفز فوق شرطي الزمان والمكان، ناهيك عن الجهل التام بالاكسسوارات الكثيرة والغنية للمكان الدمشقي، مما يترك انطباعاً لدى المشاهد بأن وراء فيلم "حسيبه" مخرج يجهل تفاصيل البيئة التي يصورها.
أما لناحية إمكانيات الصورة التي تتيحها شاشة السينما الواسعة بالمقارنة مع ضيق مساحة صورة المسلسل التلفزيوني، فإن فيلم "حسيبة" يخسر المقارنة مرّة ثالثة مع مسلسلات البيئة الدمشقية التلفزيونية، لأنه يقدّم إخراجاً أقرب إلى التلفزيوني منه إلى السينمائي، صورته ذات بعد واحد، مسطحة وخالية من أي عمق، أو دلالات تضيف للحوار المنطوق، وممثلوه يقدمون أداءاً نمطياً كليشيهاتياً للشخصيات التي يجسدونها، وحتى المشاهد الخاصة التي أراد عبرها المخرج تقديم تعبير جمالي سينمائي مختلف عن المشاهد التلفزيونية النمطية، بدا فيها الافتعال، وظهرت عبر أداء ممثليها وكأنها تنفيذ لحركة محددة ومرسومة طلبها المخرج، وليست نابعة من طبيعة الشخصية أو صلب المشهد.
ثمة أشياء كثيرة تقال في "حسيبه" بدءاً من الرواية التي لم أجد فيها عندما قرأتها في الأيام الأولى لصدورها مايستحق التوقف سوى مشهد موت شخصية خالدية الجميل، والذي نفذ ببدائية في الفيلم أفقدته سحر الرسم الذي صوره به خيري الذهبي كاتب الرواية، أما ماعداه فلا يوجد في الرواية سوى اللغة الفقيرة، والمفردة التي لاتثير الخيال، إلى الدرجة التي دفعتني حينها للتعليق على قراءتي لروايتي "حسيبه" التي كتبها مباشرةً بالعربية خيري الذهبي، ورواية غابرييل غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا" المترجمة عن الاسبانية، بأنني في "حسيبة" أحسست أني أمام رواية مترجمة، في حين أن الثانية مكتوبة بالعربية مباشرة، وبلغة تثير الخيال وتغني المشاعر وتبني العوالم وتملء كيان قارئها، ووصولاً إلى "حسيبة" الفيلم الذي بالكاد يصل إلى مستوى سهرة تلفزيونية رديئة التنفيذ، بمونتاج فظ، وسيناريو مرتبك، وتمثيل نمطي، وصورة فقيرة خالية من أي خيال، ولو خيّرت بين مشاهدة حلقة من أي مسلسل يتناول البيئة الشامية بشكل تزييني وإن بمضمون فارغ، وبين مشاهدة فيلم "حسيبه" فسأختار الحلقة التلفزيونية لأنها قد تثري عيني وإن لم ترض عقلي، في حين أن الفيلم لن يحقق لي أياً من هاتين المتعتين.
عن موقع العربية
08-أيار-2021
22-تشرين الثاني-2008 | |
تقرير العربية نت السينمائي الأسبوعي: فيلم "مطلوب": أكشن محكم لحدث مفتعل |
18-آب-2008 |
22-شباط-2007 | |
19-شباط-2007 | |
رقابة سورية التلفزيونية: معركة ذي قار تحتاج لموافقة السفارة الإيرانية |
04-تشرين الأول-2006 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |