دراماه فقدت بريقها ولم يبق إلاّ التصريحات النارية:

لست الشخص المناسب للدفاع عن الدور الذي لعبه المطبخ السعودي ـ كما سمّاه المخرج نجدة أنزور من خلال التصريحات التي أطلقها مؤخراً ـ في الدراما السورية

تمويلاً ورقابةً، فأنا لم أترك فرصة تعتب علي إلاّ وتحدثت فيها عن الدراما السورية باعتبارها دراما خليجية بفنانين وفنيين سوريين، لأن هذه الدراما إن لم تنتج بأموال خليجية مباشرة، فقد كانت تراعي كل قوائم رقابات المحطات الخليجية، حتي تستطيع بيع أعمالها إليها واسترداد رؤوس أموالها، عندما لم تكن هناك فضائيات، وكان علي الكاتب والممثل والمخرج بإلحاح ورقابة صارمة من المنتج أن يمنعوا ظهور سبحة في أية لقطة لأنها بدعة (إلي الدرجة التي جعلت
بعض المخرجين يمنعون ظهور حبات الزيتون في أي من مشاهدها، كي لا يتركوا فرصة للرقيب أن يشك بشبهها بحبات السبحة)، وأن يتركوا الباب مفتوحاً في أي مشهد يضم رجلاً وإمرأة حتي لا يكون ثالثهما الشيطان (إلي الدرجة التي أصبح يخيّل فيها للمشاهدين العرب أن جميع السوريين مصابون بفوبيا الأماكن المغلقة، ولذلك لا يغلقون الأبواب في مسلسلاتهم إطلاقاً)، وأن يمنعوا أي ممثل من أن يقول لأية ممثلة أنت طالق لأن ذلك يعني شرعياً تطليقه من زوجته ـ حسب فتوي رقيب التلفزيون الخليجي ـ بعض النظر عن ضرورة الكلمة درامياً (إلي حد كان فيه الممثل السوري من رحابة الصدر بحيث يكتفي بالنظر إلي زوجته ـ الممثلة طبعاً ـ شزراً حتي وإن أمسكها متلبسة بالخيانة، من دون أن يجرؤ علي تطليقها)، وأن يحظروا التدخين في أي مسلسل (إلي درجة جعلت شركات انتاج السجائر العالمية تشعر بالقلق علي مستقبلها في المنطقة وتعد الخطط والاستراتيجيات لغزو سورية تبغياً)، وأن يتأكدوا أنه لا توجد شخصية شريرة في المسلسل اسمها قد يوحي بأي شبه لاسم أي شخصية متنفذة مما سيمنع عرض المسلسل ويخرب بيت المنتج (ولولا ظهور الفضائيات وانكسار شوكة الرقيب الخليجي لكانت أسماء أبطال المسلسلات السورية اليوم هي سين واحد وجيم خمسة ودال عشرة وميم واحد وعشرين)، وأن.. وأن.. وأن.. إلي الدرجة التي حولت فيها هذه الرقابة المستندة شكلياً إلي أحكام دينية، تعاليم الاسلام من دين يسرّوا ولا تعسروا إلي ما يشبه دورة صاعقة عسكرية، وحذفت الجنة من العالم الآخر مبقية علي النار، وتناست أن الله غفور رحيم، مكتفية بأنه شديد العقاب، ثم تمددت صلاحيات هذا المطبخ لفرض ممثل خليجي في عمل درامي سوري لضمان التسويق، وصار هذا الممثل الثانوي هو البطل الفعلي للمسلسل، بحيث يقف أمامه بطل المسلسل السوري باحترام حتي لو كان يؤدي دور مديره، وصولاً إلي اختيار موضوع المسلسل وأبطاله وكيل الأعطيات لهم، بحيث اقتصرت أخبار الممثلين والمخرجين السوريين علي من وصل حديثاً من الخليج العربي حاملاً دفتر شيكات، وبدأ الاعداد لانتاج مسلسل من بطولته وإشرافه وانتاجه.
وإذا كنت أنا لست الشخص المناسب للدفاع عن الدور الذي لعبه المطبخ السعودي في الدراما السورية، فإن المخرج السوري نجدة أنزور بالتأكيد ليس الشخص المؤهل لمهاجمته واعتباره مؤامرة، وتوريط وزير الاعلام السوري الدكتور محسن بلال لمؤازرته، مستخدماً نفس السيناريو الذي ورطت به أمريكا العالم عبر كذبة أسلحة الدمار الشامل ليؤازرها أو يغض الطرف عنها في غزوها للعراق، لأن المخرج أنزور تجاوز كل المؤلفين والممثلين والمخرجين والمنتجين ليس فقط في رضوخهم للعمل بشروط المطبخ الذي يهاجمه اليوم، بل في تحوله إلي خياط درامي يفصلّ أعمالاً تلفزيونية علي مقاس ممولها، من مسلسلات الشعر النبطي والخيول والسيوف ودلة القهوة، إلي مسلسلات اللحي السوداء والجلاليب البيضاء والبنادق المتنوعة.
ومشكلة نجدة أنزور الحقيقية ليست مع المطبخ السعودي الذي يتهمه اليوم، ولا مع الدراما المصرية التي اتهمها في السابق، ولا مع تهجين الدراما السورية بممثلين مصريين، أو تلقيح الدراما المصرية بممثلين سوريين، ولا مع المخرج السوري هيثم حقي والكاتب المصري أسامة أنور عكاشة اللذين خاض ضدهما معارك ضارية، ولا مع لغة الصورة في التلفزيون التي خاض من أجلها حرباً شرسة، إنما مع نفسه بعد أن أصبح هو وأعماله من الماضي، وانتفاضته الأخيرة ضد المطبخ السعودي، ليس سببها قراءته المتأخرة لبيان كارل ماركس وفريدريك أنجلس الشيوعي، أو كتاب خطوة إلي الأمام خطوتان إلي الوراء لفلاديمير ايلتش لينين، أو رواية الأم لمكسيم غوركي، أو رواية كيف سقينا الفولاذ لنيكولاي استروفسكي، أو كتاب عشرة أيام هزت العالم لجون ريد، وإنما لأنه لايقرأ شيئاً بما فيها النصوص التي يخرجها.
اشارات
قدم الكاتب السياسي نهاد المشنوق في حلقة الأسبوع الماضي من برنامج (كلام الناس) علي شاشة الـ LBCI أداءً مميزاً في فن الحوار التلفزيوني يذكر بالتوصيف الذي كان يطلق علي أداء الملاكم محمد علي كلاي في مبارياته بأنه كان يدور كالفراشة ويلسع كالنحلة، وعبر الايماءة والتعليق البرقي السريع والدعابة والحضور الواثق والبديهة الحاضرة والالمام الواسع بموضوع الحوار وتشعباته جعل مواجهه النائب عن حزب الله اللبناني الدكتور حسين الحاج حسن، في موقف حرج يردد مسلماته بطريقة جعلتني أشفق عليه فعلاً، وبدون أن يترك له فرصة للتشنج أو لتوتير أجواء البرنامج، وحوّل مقدم البرنامج مارسيل غانم رغم مهنيته العالية إلي مجرد كومبارس في المشهد العام للحلقة، وعامل اتصالات يستقبل مكالمات المشاهدين التلفونية لا أكثر، وأكثر ماساعد المشنوق في أدائه المميز بالاضافة إلي حضوره اللافت ومهارته في إدارة الحوار وسعة إطلاعه هو استقلاليته الكاملة التي سمحت له بهامش واسع من حرية الحركة، وعدم تمثيله لأي فريق من الفرقاء المتصارعين علي الساحة اللبنانية، وعدم وجود مرجعية له تحدد سقفاً رقابياً لكلامه، يخشي أن تحاسبه فيما لو تجاوزه، ولعدم تمتع الدكتور الحاج حسن بمثل هذه الميزات بدا في وضع لا يحسد عليه.
لم أحب الممثل المصري سمير غانم في أي فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني أو عمل مسرحي قدمها خلال حياته كلها، وأسرع فعل أقوم به في حياتي لو شاهدت أي عمل له علي شاشة تلفزيوني هو تغيير القناة، حتي لو كان خياري الآخر وجه نضال زغبور علي الفضائية السورية، وهذا ما لم أفعله حين شاهدته مقدماً لبرنامج علي شاشة الـ OTV فقد بدا لي سمير غانم أحد أطرف مقدمي البرامج الخفيفة في الفضائيات العربية، نكتته فوق لسانه، وحضوره تلقائي، وظله خفيف، وسماجته في إجازة.
يشبه الأداء التلفزيوني الذي قدمه اللواء صلاح الدين سليم محمد في برنامج (حوار مفتوح) السبت الماضي علي شاشة قناة الجزيرة ، خطاباً لأرنستو تشي غيفارا وسط سكان حي بيفرلي هيلز الذي يضم نخبة أثرياء أمريكا، لتحريضهم علي الثورة ضد الامبريالية والرأسمالية، وبالمناسبة كان اللواء صاحب الاسم الطويل أحد أكثر الوجوه التي لم تغادر شاشات الفضائيات العربية إبان غزو العراق، كمحلل عسكري واستراتيجي، وهو ينظّر للخطة العسكرية الخلاقة التي يعتمدها الجيش العراقي بتراجعه في وجه الجيش الأمريكي، ويبشر المشاهدين بالهزيمة الساحقة الماحقة التي سيلحقها بالغزاة، الأمر الذي جعلني أفهم وقتها لماذا لم تحقق الجيوش العربية نصراً يستحق الذكر بوجود أمثاله فيها.
هناك عامية واضحة في طريقة تقديم المذيعة غادة عيد لبرنامجها (الفساد) علي شاشة تلفزيون الجديد اللبناني، إلي الدرجة التي أتوقع عندما أراها تحاور ضيوفها بطريقتها الشعبية أنها ستخرج فجأة طشتاً من تحت الطاولة التي تجلس خلفها، وتقوم بفض بعض قطع الغسيل أثناء الحلقة، أو تتناول كيلوين من البازلاء وتبدأ بفصفصتهم خلال حوارها، ولو فعلت ذلك فلن أستغرب أبداً!
حكم البابا: القدس العربي 21/2/2007