مقابلة مع أوري غوردون /أناركي إسرائيلي / يليها مقالة تشرح الأناركية
2008-11-01
مؤلف كتاب "الأناركية حية !" يقول أن الانهيار الاقتصادي علامة على أن الرأسمالية قد بلغت حدودها القصوى و يشرح لماذا لن يصوت أو يخدم في أي جيش .
لم يظهر على التلفون أن أوري غوردون كان يشعر بالانتصار لكن بالنسبة لأناركي مثله فإن التطورات الاقتصادية المزلزلة للأسابيع الستة الأخيرة لا بد أنها منحته بعض الرضا . ففي نهاية الأمر يثق الأناركيين المعاصرين من خطأ النظام الرأسمالي المعاصر مع اتجاهه الحتمي نحو تركيز أكبر للثروة العالمية في أيدي قلة تتناقص باستمرار . معظمهم يرى أيضا الحاجة لتغيير جذري في علاقة الإنسانية بالبيئة , و هو إدراك جرى تبنيه في معظم الغرب في الأشهر الماضية عندما أصبحت آثار استنزاف النفط و التغير المناخي محسوسة .
غوردون البالغ من العمر 32 هو مؤلف لكتاب "الأناركية حية ! : السياسات اللا سلطوية من الممارسة إلى النظرية" ( مطبعة بلوتو , 183 صفحة , 16 جنيه استرليني ) و هو تحليل رفيع للأناركية المعاصرة . غوردون الذي نشأ في حيفا حصل على درجة الدكتوراه في النظرية السياسية من جامعة أوكسفورد عام 2005 و قد استفاد من أطروحته كأساس للكتاب . لكن كما يشرح في مقدمة الكتاب فإنه قد وصل إلى المملكة المتحدة في نهاية عام 2000 بعد أن بدأت الحركة المناهضة للعولمة تجتذب عشرات الآلاف إلى مظاهراتها , و بفترة قصيرة قبل المظاهرات الضخمة في أوروبا ضد غزو الحلفاء الوشيك للعراق . سرعان ما وجد نفسه يقضي نفس الوقت على المتاريس مثل ذاك الذي كان يقضيه في المكتبة . لقد حل النزاع الظاهر كما كتب عندما أدرك أنه "يمكنه أن يؤول بسهولة نشاطه على أنه في العمل الميداني , و أن يدفع عمله الأكاديمي بالفعل وفقا لحاجات الناشط" .
يتعامل كتاب "الأناركية حية !" مع معظم الأسئلة الكبرى التي قد يحملها القراء محبو الإطلاع عن الحركة : علاقتها بالأناركية الثورية العنيفة في أوائل القرن العشرين , و آراء الأناركيين المعاصرين عن العنف , موقف الأناركيين من التكنولوجيا و القضايا البيئية , و لماذا أن الكثير جدا من المحتجين على جدار الفصل بين إسرائيل و الضفة الغربية يتضح أنهم أناركيون – و هو جزء من النقاش العام حول الأناركية و القضية الفلسطينية – الإسرائيلية . يصف غوردون المفهوم الكامل للأناركيين عن "الفعل الاستباقي" الذي يعني بأبسط العبارات أنهم لا ينتظرون الثورة لكي يبدؤوا العيش حسب معتقداتهم . و حيث أن الحاجة للا مركزة كل جوانب الحياة هي عقيدة أخرى رئيسية للحركة فإنها تجد تفسيرها الأكمل في أن الكثيرمن الأناركيين يعيشون في مجتمعات صغيرة , ويحاولون تحقيق مستوى معينا من التحمل . غوردون مثلا يسكن في كيبوتس لوتان أعلى الطريق من كيتورا حيث يدرس السياسة و الأخلاق في معهد أرافا للدراسات البيئية .
كيف صادف أن أصبحت أناركيا ؟
نشأت في عائلة يسارية رغم أن والدي لم يكونا ناشطين سياسيا . أديت خدمتي العسكرية في إذاعة الجيش و عملت مراسلا في الضفة الغربية أثناء عامي 1996 – 1997 مغطيا إعادة انتشار القوات من المدن . أصبحت مهتما بالقضايا البيئية بعد تسريحي , عندها التقطت كتاب "أرضنا الغاضبة" الذي كتبه اسحق أزيموف و فريدريك بوهل . ساعدني الكتاب على إدراك أن هذه ستكون القضية الأساسية للقرن القادم . بدأت دراسة السياسة و الاقتصاد في جامعة تل أبيب متطلعا إلى القضايا البيئية من منظور فلسفي و اقتصادي , و بدأت أشترك في مجموعات مثل الفعل الأخضر و في النضال ضد الطرق العامة العابرة لإسرائيل . أصبح واضحا لي أن استغلال البشر للطبيعة يرتبط بشكل وثيق باستغلال البشر للبشر .
كيف تلخص المبادئ الأساسية للمعتقدات الأناركية ؟
إننا نعترض على مركزة السلطة , على البنى الهرمية للمجتمع و على مؤسسة الدولة . إننا نعارض الرأسمالية و الطبقات الاجتماعية , و نظام المدارس المصمم لإنتاج عمال و مواطنين مطيعين , و معظم أشكال الدين المنظم . إننا نؤمن بالأشكال الأفقية للتنظيم , و بالاتحاد الطوعي و المساعدة المتبادلة , و نعتقد أن القرارات يجب أن تتخذ على أصغر مستوى ممكن و أكثره محلية .
هل يعني هذا أنك لن تصوت في الانتخابات القادمة في إسرائيل , أو أنك لن تخدم في أي جيش اليوم ؟
من المحتمل أنني لن أصوت . من حيث المبدأ لا أرغب بالتوقيع على قبولي بأن أحكم , أو خضوعي لنظام نختار بواسطته من سيحكمنا بقسوة . تعطي الانتخابات الناس وهم المشاركة الديمقراطية , لكن كما قالت الأناركية اليهودية المعروفة إيما غولدمان : إذا غير الانتخاب أي شيء فإنهم سيجعلونه غير قانوني . و لا , لن أخدم في أي جيش لأي دولة . لو كان كل فرد أناركيا لن تكون هناك أي جيوش و لن تكون هناك حروب .
يبدو أنك تتجاهل الخصائص الأساسية للطبيعة الإنسانية . عندما تمنح حق الاختيار , يبدو أن المجتمعات – حتى الكيبوتس – تفضل الرأسمالية , التي تقوم على اللا مساواة كما قد تكون . و يبدو أن البشر عدوانيون بالطبيعة , أليس كذلك ؟
لا أتفق معك . لو سألت الناس , فيم إذا كانوا يريدون أخذ الأوامر أو أن يفعلوا الأمور لوحدهم , أن يتنافسوا أو يتعاونوا – أعتقد لو أنه كان لديهم الخيار ليفكروا في هذا بدلا عن أن يجري تلقينهم من مجتمع يقوم على المنافسة و التراتبية الهرمية , فإنهم سيختارون التعاون . يقول الأناركيون أن أشكالهم للتنظيم غير جديدة . إن معظم العلاقات البشرية أفقية و تعاونية بشكل طبيعي . هناك فرق بين النظام و بين التراتبية الهرمية . الأناركية هي أيضا شكل من النظام , لكنها تقوم على الاتفاق عوضا عن الأوامر . على القواعد المتفق عليها عوضا عن القوانين المفروضة التي تحمي أصحاب الامتيازات من الأكثرية .
لكن فقط انظر إلى الطريقة التي يتصرف بها الناس في إسرائيل , يقودون سياراتهم – و يوقفونها – و كأنه لا يوجد أي شخص آخر في الشوارع ؟
يتصرف الناس بالطريقة التي يفعلون بسبب ثقافتهم و توقعاتهم المتبادلة . من غير المفاجئ أنه في ثقافة تعلمنا أن نتنافس مع بعضنا البعض و إما أن نأمر أو نطيع , فإنك تجد الناس يحاولون أن يشقوا طريقهم بالقوة و أن يفعلوا أي شيء بمقدورهم لصالحهم الخاص . تدعو الأناركية إلى ثورة في الوعي و الثقافة , ثقافة ستطلق العنان للغرائز الإنسانية الاجتماعية , باتجاه المساعدة المتبادلة .
كل هذا يبدو جيدا , لكن ماذا لو كان كل واحد أناركيا بالفعل ؟ هل سيكون لدينا مؤسسات مثل المستشفيات الجامعات , أو حتى خطوط الطيران ؟
الاقتصاديات الممركزة أو المركزية ليست الطريقة الوحيدة لتنظيم الإنتاج و الخدمات . في نظام أناركي فإن أي شكل من النشاط الإنتاجي سيملك و يدار مباشرة من قبل العمال , عوضا عن السادة أو المدراء الخاصين أو الدولة . سيكون الإنتاج من أجل الحاجة , لا الربح . ستقوم مؤسسات عمالية مختلفة بالتعاون فيما بينها لتضطلع بأية مهام كبرى . الفكرة الأساسية هي أنك إذا تركت الناس لوحدهم , فإنهم سيتنظمون بشكل جيد , و أن الأشكال المركزية للتنظيم من الأعلى إلى الأسفل هي في مكانها لتحافظ على الأنظمة القائمة للامتيازات و الهيمنة , و ليس لكي يتم إنجاز الأشياء .
انظر إلى كاتالونيا أثناء المراحل الأعلى من الثورة الإسبانية عام 1936 . كان هناك نظاما أناركيا جيد التنظيم . امتلك الفلاحون الأرض , سير عمال الترام عرباتهم , و سار كل شيء على ما يرام – جرى هذا وسط حرب أهلية . كانت فكرة الكيبوتسات ( التعاونيات ) أناركية أصلا حتى لو لم تدعو نفسها كذلك . في دغانيا قال المؤسسون أنهم يحاولون خلق مجتمع دون مستغٍلين أو مستغًلين . إننا نريد الديمقراطية المباشرة , من كل حسب قدرته و لكل حسب حاجته .
تقول أنك لن تخدم في الجيش اليوم . لكن ماذا لو قال كل إسرائيلي ذلك – من المؤكد أنك لا تنكر أن لإسرائيل مخاوف دفاعية حقيقية ؟
إنني أعتقد أن الاحتلال يخلق الإرهاب و ليس العكس . لو كان عند كل الإسرائيليين الوعي السياسي ليرفضوا الذهاب إلى الخدمة العسكرية لوصلنا بالفعل إلى وضع ثوري . هذا سيعني أنهم سيضعون جانبا مخاوفهم الاصطناعية المختلقة و سينهضوا ضد مستغليهم .عموما رغم أنه عندما يناقش الناس السياسة فإنهم يضعون أنفسهم مكان السياسي , تصور ما الذي يمكنهم أن يفعلوه . لكن أشخاص مثلك و مثلي لا يسألون عما نعتقد ما الذي على الدولة أن تفعله . مهما كانت الاتفاقات التي ستنتهي النخب السياسية إلى توقيعها فإنها لن تكون نهاية الصراع . إنها فقط بداية عملية السلام . ما يهم في هذه المرحلة هو بناء علاقات التعاون و التضامن بين الشعبين , أن يكون لدينا حركات قاعدية تسعى لتظهر و تعبر بأفعالها و حياتها أن شرق أوسط مختلف ممكن . لا يجب أن تكون أناركيا لتوافق على أنه يمكن تحقيق السلام من خلال العلاقات اليومية . لذلك عندما نذهب أنا و أصدقائي إلى قرى الفلسطينيين التي يتم الاستيلاء على أراضيها لبناء جدار الفصل , فإننا نظهر بأجسادنا أن شيئا ما أقوى من التهديد المستمر الذي يمارسه الطرفين على كل أقسام الطيف السياسي . نظهر أنه لدينا قيم تتجاوز كل أشكال الفصل .
هل ترى الانهيار الاقتصادي كإثبات لأفكارك ؟
أعتقد أن الأزمة المالية العالمية هي مؤشر قوي بالتأكيد على أن الرأسمالية تبلغ حدودها القصوى و لذلك فإني مقتنع بأن الجهود المختلفة "لشراء الوقت" بهذا المعنى لن تتمكن من تجاوزها . من جهة إننا نقترب من حدود كوكب محدود الموارد نعيش عليه – المصادر التي نستخرجها , و التلوث الذي نبعثه – و من جهة أخرى نظام رأسمالي يقوم على المضاربة بالديون المستقبلية غير قادر على الاستمرار بعد اليوم . المخرج ليس بأن تقوم الحكومات بإنقاذ البنوك بل بأن يقوم الناس بخلق بنى قاعدية مكتفية ذاتيا و التي ستسمح لهم بأن يفصلوا أنفسهم عن كل من الرأسمالية و الدولة .
إننا نتحدث قبل الانتخابات الأمريكية مباشرة , لكن يخيل إلي أنك ربما لا تكترث لمن سيفوز ؟
في الواقع أريد أن يفوز أوباما لأنني آمل أنه عندما يحطم قلوب الجميع عندها سيستيقظ الناس على حقيقة أنه لا يهم فيم إذا كانت هناك دمية زرقاء أو حمراء بيد الرأسمالية . في نفس الوقت على المدى القريب كان لدينا 8 سنوات من إدارة يمينية جدا في واشنطن جرت العالم بأكمله إلى وضع سيء جدا و مجرد التخلص منها سيحدث فرقا في حياة الكثير من الأمريكيين و الكثير من العراقيين , و أرجو أيضا الفلسطينيين و الإسرائيليين .
الأناركية و الحرية الدينية
تدعو الأناركية للدفاع عن الحريات الفردية , أولا و بشكل رئيسي الحرية من الحاجة و حرية التفكير . لذلك لا يمكنها إلا أن تدافع عن الحرية الدينية للفرد .
إن كل رجل و امرأة يحتفظ بارتباطه بالروابط الدينية يخلق مشكلة لكل المجتمع . إنها مشكلة لا يمكن حلها بطريق سلطوية أو تسلطية بل فقط ببذل الجهود لخلق الظروف التي جعلت من الضروري أن يربطوا أنفسهم بهذه الطريقة في المقام الأول . بفعل ذلك جزئيا على الأقل تبقى هناك هوامش من الحرية الفردية تعني أنه من المستحيل منع أي شخص من الإيمان بأي دين . القيد الوحيد على حرية الاعتقاد هذه يمكن أن تكون حرية الآخرين . في مجتمع يتألف من أفراد أحرار و متساوين لا يمكن للدفاع عن الحرية الدينية الفردية أن يكون خاضعا لقواعد مختلفة عن تلك التي تدافع عن الحريات الأخرى . بالنسبة للأناركية لا توجد و لا يمكن أن توجد حقوقا خاصة فيما يتعلق بالدفاع عن المشاعر الدينية الفردية سوى تلك التي توجد في كل الأحوال داخل مجتمع ما و التي تكفل أقصى حرية ممكنة . بالنسبة للأناركية فإن أي شكل من الترتيبات الخاصة أو "الاتفاقات" , أي تمييز في الوضعية أو المنزلة لأسباب دينية غير وارد و هذا يضع الأناركية بشكل راسخ في تناقض مع أي شكل من الإدارة الثيوقراطية ( الدينية ) للمجتمع .
هذا المفهوم للحرية الفردية الدينية هو جزء من مشروع بناء نظام جديد للقيم الذي هو في تطور مستمر , و الذي يمكن تحسينه باستمرار , و الجاهز دائما للمواجهة الديالكتيكية و لخلق ظروف حياة أفضل للجميع في إطار التضامن و المساواة على مستوى عالمي . تتضمن الأناركية إدراك أن الطريق إلى مجتمع أناركي هو اقتراب مستمر , عملية تنزع إلى أن تتميز بالجدل بين النساء و الرجال , سواء كأفراد أو في اتحاداتهم . أما فيما يتعلق بفعلها تأخذ الأناركية الحاجات و المتطلبات التي تنشأ عن المجتمع بعين الاعتبار , و لكن لتكون قادرة على القيام بذلك , بشكل حر من أية اشتراطات بسبب الفشل في تلبية الحاجات المادية و من السلطة التي تنشأ من الاستيلاء على وسائل الإنتاج , فإنها تتنبأ بالفعل الثوري لكبح الملكية الخاصة و بدء عملية ثورية سياسية , على أنهما معا بداية و نهاية لعملية التحويل , التي تعتمد و التي تتغذى على النمو المتواصل للصراع الطبقي .
المؤتمر الخامس للفيدرالية الشيوعية الأناركية ( إيطاليا ) – فلورنسا 1997
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن www.fdca.it/fdcaen/press/AL/apr05.pdf
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن www/.haaretz.com/hasen/spages/1040507.htm
08-أيار-2021
09-كانون الأول-2012 | |
19-كانون الثاني-2010 | |
15-كانون الثاني-2010 | |
11-تشرين الأول-2009 | |
06-تشرين الأول-2009 |
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |